أوروبا، والسباق المحموم على الثروة الطاقية لشمال إفريقيا

أوروبا، والسباق المحموم على الثروة الطاقية لشمال إفريقيا

مقدمة

على وقع الحرب الروسية الأوكرانية، تتالت الزيارات المكوكية الأوروبية على شمال إفريقيا، بعد أن وجدت القارة العجوز نفسها وجها لوجه مع التحديات التي تهدد أمنها الطاقي، مما فرض عليها البحث عن بدائل طاقية لتأمين حاجياتها من الغاز والنفط، خاصة وقد تصاعدت وتيرة العقوبات الدولية لتصل إلى فرض حظر أمريكي على الغاز والنفط الروسيين. فهل تستطيع أوروبا الحصول على مبتغاها من ثروات شمال إفريقيا الطاقية، زيادة عما اعتادت على سلبه ونهبه طيلة عقود خلت بلا حسيب أو رقيب؟

الحاجة إلى الطاقة: لماذا الآن؟

لقد شكلت أوكرانيا منذ ثلاثة عقود ممرا للغاز الطبيعي الروسي الذي مكن موسكو من تزويد أوروبا بما قدره 40% من استهلاكها من الغاز حسب الوكالة الدولية للطاقة. وتستورد البلدان الشرقية 100% من استهلاكها من روسيا في حين تصل نسبة الغاز الروسي 65% في ألمانيا و40% في إيطاليا و19% في فرنسا. وهو ما جعل صادرات روسيا من المحروقات ترتفع بصورة ملحوظة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عبر إرساء 13 أنبوب غاز بين الطرفين مما قلص من استقلالية أوروبا ورفع من حدة تبعية اقتصادها للإنتاج الروسي للمحروقات خاصة في ميادين الصناعة وإنتاج الكهرباء والتدفئة المنزلية. وصاحب ارتفاع صادرات موسكو تقلص في انتاج الغاز الأوروبي من قبل النرويج وبريطانيا بنسبة 47% في السنوات الماضية.

وعليه، فإنه من الطبيعي أن تلجأ دول أوروبا إلى بالبحث عن بدائل لاستيراد الطاقة، لن تكون في نظرها أفضل من ممارسة مزيد من الضغط على دول الشمال الإفريقي لضخ الغاز والنفط وإيصاله إلى القارة العجوز التي تخوض معركة البقاء في خضم الأزمة العالمية الحالية وتعتبر مصادر الطاقة شريان حياة لها، بعد أن انقطعت عنها الإمدادات الروسية، ما يضع الجزائر بدرجة أولى في مقدمة الدول التي ستخضع إلى مزيد من الضغوط في الأيام القليلة المقبلة، بحكم أنها أقرب جغرافيا إلى أوروبا، وبحكم أن كلفة الغاز الجزائري هي أقل بكثير من كلفة الغاز القطري أو حتى الأمريكي، وهي بذلك ستكون الأقرب لمعادلة كلفة الغاز الروسي.

عيون الغرب على الجزائر

 

للجزائر أنبوبان للغاز، إحدهما المسمى « ترانسماد »، ويربط الجزائر بأوروبا، بطول 2485 كيلومترا، ويضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي، وينقل حالياً نحو 60 مليون متر مكعب يومياً من الغاز الجزائري نحو إيطاليا.

أما الأحدث فهو « جالسي » بطول 860 كيلومترا، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله خلال النصف الثاني من العام الجاري وهو باتجاه إيطاليا، ويضمن سعة تقدر بـ238 مليار قدم مكعب سنوياً.

وتعد إيطاليا من أكبر المستخدمين للغاز في أوروبا وتستود أكثر من 90 في المئة من إجمالي احتياجاتها من الغاز، من روسيا والجزائر.

ولذلك شهدنا في الفترة الأخيرة تحركات مكثفة بين إيطاليا والجزائر، عنوانها استيراد الطاقة.

حيث أعلنت إيطاليا أواخر شهر فيفري أنها بدأت، محادثات مع الجزائر لزيادة كميات الغاز الجزائري إلى أوروبا، في ظل تصاعد الأزمة الأوكرانية واتساع العقوبات الغربية على روسيا.

جاء ذلك خلال زيارة وفد إيطالي برئاسة وزير الخارجية لويجي دي مايو إلى الجزائرمرفوقا بالرئيس التنفيذي لشركة « إيني » الإيطالية، وقد التقى خلالها الرئيس عبد المجيد تبون، ووزيري الخارجية رمطانلمعامرة، والطاقة محمد عرقاب.

وبحسب ما تم نشره على حساب السفارة الإيطالية في الجزائر على الفاسيبوك، فقد تجاوز الحديث بين الجانبين مسألة الغاز والنفط ليتم النقاش بشأن زيادة وتطوير إنتاج الطاقات المتجددة، على غرار الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر.

من جهة أخرى، فقد زارت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان الجزائر مطلع الشهر الحالي، حيث التقت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وكبار الشخصيات في البلاد.

وعقب اللقاء، وصفت شيرمان مباحثاتها مع تبون بـ »الاجتماع المثمر للغاية »، كما تحدثت عن أهمية العلاقات الاقتصادية بين واشنطن والجزائر.

وقالت: « أطلَعَنا الرئيس تبون على خططه لتحقيق المزيد من فرص العمل وتنويع الاقتصاد الجزائري في القطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة النظيفة، هذه مجالات يمكن للشركات الأميركية أن تعمل فيها بتعاون وثيق مع الجزائر« .

كما كشفت عن زيارة أخرى لوفد أميركي للجزائر لبحث سبل التعاون في « مجال طاقة الرياح، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وقطاع النفط ».وللإشارة، فإن « ويندي شيرمان »، هي أرفع مسؤولة أميركية تزور الجزائر في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.

وفضلا عن النهم الأمريكي والأوروبي على مصادر الطاقة والذي لم يعد خافيا على الجميع وخاصة كبار المسؤولين في الجزائر، فإن الرؤية الاقتصادية لمنظمة حلف شمال الأطلسي في مجال الطاقة والتي نشرتها الصحافة الغربية قبيل الحرب الروسية على أوكرانيا، ومنها جريدة « لفنغورديا » الإسبانية، جاءت لتطرح الاعتماد على دول معينة، حيث تم التركيز على الجزائر لأنها المصدر الثالث للغاز إلى القارة الأوروبية بعد روسيا، ثم القرب الجغرافي، علاوة على سهولة نقل الغاز عبر الأنابيب.

بريطانيا تستنجد بالمغرب

في خضم ذلك، سارعت بريطانيا إلى تأمين حاجياتها عبر السلطة العميلة في المغرب، حيث أعلن المغرب يوم الأربعاء 16 مارس 2022 توقيعه عقداً مع شركة « ساوند إنيرجي » البريطانية لتوريد الغاز للمملكة لمدة 10 سنوات، من حقل تندرارة المغربي عبر أنبوب « المغرب العربي-أوروبا ».

وقال مسؤول في المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، الأربعاء، لـوكالة الأنباء المغربية: « وقعنا اتفاقاً مع شركة ساوند إنرجي لنقل الغاز من حقل تندرارة (شرق) إلى أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي ».

وأضاف المتحدث (دون الكشف عن اسمه): « الاتفاق يندرج في إطار تطوير حقل تندرارة، وسيمنح للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، امتياز استغلال الحقل للشركة البريطانية عبر خط أنبوب غاز جديد، سيجري إنشاؤه على 120 مسافة كيلومتر ».

وفي ديسمبر الماضي، وقّع المغرب عقداً مع شركة « ساوند إنيرجي » البريطانية لتوريد الغاز للمملكة لمدة 10 سنوات، من حقل تندرارة شرقي البلاد.

وقالت « ساوند إنيرجي »، في بيان آنذاك، إن العقد ينص على توريد 350 مليون متر مكعب سنوياً من الغاز، من الحقل المحلي.

وكان المغرب قد منح في 2019 « ساوند إنيرجي » عقد امتياز للتنقيب واستغلال الغاز بمساحة 14 ألف كيلومتر مربع في حقل تندرارة، الذي قدرت الشركة البريطانية احتياطاته بنحو 5 مليارات متر مكعب من الغاز.

وفي جويلية2021، وقعت الشركة البريطانية عقداً مع شركة « إفريقيا غاز » المغربية لتسويق الغاز المستخرج من الحقل.

الشبكة الكهربائية الأورومتوسطية بين أوروبا وبلدان شمال إفريقيا

اتفقت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم والشركة الإيطالية للتصرف في شبكة نقل الكهرباء « تارنا »على إحداث لجنة قيادة بين الحكومتين التونسية والإيطالية لمتابعة مراحل إنجاز مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا « ألماد ».

وبحثت وزيرة الصناعة نائلة نويرة القنجي، يوم الخميس 17 مارس 2022، مع وفد عن الشركة الإيطالية للتصرف في شبكة نقل الكهرباء بحضور سفير ايطاليا في تونس، لورنزوفانارا تقدم مشروع « ألماد ».
وتطرق الاجتماع الى مدى التقدم في إنجاز مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا خاصة في ما يتعلق بالترشح للتمويل الأوروبي البالغ زهاء نصف كلفة المشروع التي تقدر بـ300 مليون أورو.
وأكدت القنجي على أهمية إنجاز هذا المشروع نظرا لبعده الاستراتيجي الذي سيمكن من تبادل الطاقة الكهربائية بين البلدان ودعم الشبكة الوطنية لنقل الكهرباء.

وقد أبرمت تونس اتفاقية تعاون مع إيطاليا، في ماي 2019، لإنجاز ربط كهربائي تحت البحر بطول 195 كم بين الهوارية (الوطن القبلي) وصقلية (إيطاليا) بطاقة 600 ميغاوات وكلفة 600 مليون أورو.
يذكر أن الّرّئيس المدير العام للشركة التونسية للكهرباء والغاز، المنصف الهرابي، أكد، خلال توقيع هذه الاتفاقية (2019)، أنّ مشروع الرّبط الكهربائي بين تونس وإيطاليا سيدخل حيّز الاستغلال انطلاقا من سنة 2025، وقد تقدمت مرحلة إنجاز الدراسات المتعلقة به.

وأشار إلى أن هذا المشروع، الذي سيمكن من توفير الأمن الطاقي وتعزيز تكامل الطاقات المتجددة، هو جزء من الشبكة الكهربائية الأورومتوسطية التي تربط أوروبا وبلدان شمال إفريقيا ويندرج ضمن القائمة الرابعة للمشاريع ذات الاهتمام المشترك للاتحاد الأوروبي.

النفط الليبي يسيل لعاب الغرب

تحدثت مصادر رسمية في إيطاليا خلال الأيام الماضية عن رغبة الحكومة الإيطالية في زيادة وارداتها من ليبيا، لتكون بديلاً من الغاز الروسي الذي ستخفض روما نسبته بنحو 50 في المئة خلال شهرين، مع أن ليبيا لا تلبي سوى حاجات ضئيلة من الغاز إلى إيطاليا تقدر بنحو 2.5 في المئة فقط من إجمالي الطلب اليومي الذي يأتي معظمه من روسيا ثم الجزائر وقطر.

وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إن بلاده « تعتزم زيادة وارداتها من الغاز من كل من ليبيا والجزائر لتكون بديلاً عن الغاز الروسي ».

وتابع، « إيطاليا تعتزم زيادة وارداتها من الغاز من الدول الأخرى ليكون بديلاً عن الغاز الروسي الذي ستخفض روما شراءها له بقرابة النصف خلال شهرين ».وأضاف دي مايو أن « لدى روما شركاء في العالم، وواردات الغاز المسال التي تتدفق عبر الأنابيب الآتية من الجزائر وليبيا ستزداد ».

وتستورد إيطاليا حوالى 29 مليار متر مكعب من الغاز كل عام من روسيا، أي ما يزيد قليلاً على 40 في المئة من الحاجات الداخلية الإيطالية.

ولم تقتصر المفاوضات مع ليبيا لزيادة صادراتها من الغاز إلى الشمال على روما وجاراتها من العواصم الأوروبية، بل دخلت الولايات المتحدة طرفاً فيها، وأكدت مصادر صحافية أميركية تواصل البيت الأبيض مع منتجين كثر لتعويض نقص إمدادات الغاز للحلفاء الأوروبيين، ومن بينهم قطر ومصر وليبيا.

وقالت مصادر مطلعة لوكالة « بلومبيرغ » إن « إدارة الرئيس جو بايدن تحدثت مع منتجي الغاز لمعرفة إذا ما كان في إمكانهم زيادة الإنتاج في حالات الطوارئ، خصوصاً قطر ونيجيريا ومصر وليبيا ».

خاتمة

بينما تتسابق بلدان الغرب وعواصم الكفر على تأمين حاجياتها من الغاز والنفط في خضم الحروب والأزمات التي يفتعلها أرباب الرأسمالية العالمية، وعلى مزيد إحكام القبضة على ثرواتنا الطاقية عبر اتفاقيات استعمارية جديدة، يتسابق حكام المنطقة من عملاء الغرب في المقابل على مزيد إرضاء أسيادهم على حساب الشعوب المنكوبة التي يمارس عليها سياسة التفقير والتجويع، وهو وضع ينبئ بانفجار حقيقي لشعوب الأمة في وجه الغرب الاستعماري لتتحرر منه ومن بيادقه تحررا نهائيا كاملا شاملا، ولن يكون ذلك إلا بالإسلام في دولة الإسلام، حيث تعيد الخلافة الراشدة تشكيل النظام العالمي الجديد بإذن الله وعونه. (ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريبا).

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )