إعلامنا في خدمة الحضارة الغربية الرأسمالية فماذا نحن فاعلون؟

إعلامنا في خدمة الحضارة الغربية الرأسمالية فماذا نحن فاعلون؟

الإعلام صناعة هذا العصر، ومحور دائرة توجيه الجماهير، وهو بحيرة تلتقي عندها روافد علم الاجتماع، الاقتصاد، السياسة، التاريخ، الجغرافيا والتكنولوجيا… ويرتبط بكل مناحي الحياة من ثقافة وأدب وتراث وفكر وفن ونمط حياة، وقوة تأثيره في الإقناع أقوى من سِحر السامري في بني إسرائيل.

وهناك نظرية تقول « الاتصال هو الحياة »، هو الحياة ونبضها الذي يتدفق في أوصالها. وفي عالم اليوم، يؤثر الإعلام في كلّ مناحي الحياة، إذ أصبح القوة الضاربة في عالمنا، فهو الذي يُشَكِّل توجهات الشعوب، ويبلور أفكارها، ويقنعها بما يراه. لقد قادت الدول الكبرى كما يسمونها جيوشا ضد بلادنا، وأقنعت العالم عبر الإعلام بأن هذا ضرورةٌ أملتها عليهم ظروف المنطقة، وساقوا الحجج لإقناع الكثيرين منا بذلك.

لعب الإعلام ما لم تلعبه آلة الحرب في تدمير قِيمنا وتراثنا ومفاهيمنا وحضارتنا. ويظهر ذلك جلياً في نمط حياتنا اليوم, وفي جيل اليوم وطريقة تفكيره ونظرته للحياة, وتقليده للغرب في كل شيء، فهل عجزنا عن إيصال معلومة مهمة لهذا الجيل, ألا وهي أن مفاهيم الغرب وجميع أنماط حياته معادية لما ترتضيه الفطرة البشرية, ولما يرضاه لنا الله كمسلمين؟ أم أنّه ثمّة خلل ما في جانب آخر يخصّ طرفا آخر يكون بيده مفاتيح توجيه هذا الجيل صوب الوجهة المفاهيمية الصحيحة؟

الحقيقة أنّ رسالتنا الإعلامية ما زالت في مرحلة الدفاع، ولم ترتقِ إلى مرحلة اقتحام الآخر وإقناعه، في وقتٍ الذي يغزونا فيه الإعلام الغربي، على الرغم من تباين اللغة والثقافة، لكنه يطوي كلّ هذه الفوارق، ويدخل بيوتنا ويهدد ثقافتنا بالذوبان في بحره. في مقابل ذلك، يتقاعس إعلامنا عن تقديم رسالةٍ تخترق هذه الهجمة الشرسة، وتصدّ هذا الاقتحام الممنهج.

وكل هذا بعلم صاحب الأمر والشأن في البلاد, المسؤول الأول على ما يُبث فيها, وما تضعه وسائل الإعلام من برامج وما تحويه من سموم تبثها وتضخها للناس ضخّا, وفي هذه الحالة يكون رئيس الدولة هو المسؤول الأول أساسا على اقتحام القنوات الغربية للبيوت, وعلى كل ما يتعلق بالاعلام.

عالم اليوم يحصل على أكثر من 80% من أخباره من لندن وباريس ونيويورك وموسكو، وهي مقرات الوكالات الخمس الكبرى: رويترز، وكالة الصحافة الفرنسية، وكالة أسوشييتد برس، وكالة يونايتد برس إنترناشيونال، ووكالة تاس. يا ترى، لماذا يفضل الساسة والمشاهير هذه الوكالات الخمس، ويخصونها بالأخبار؟

وبلغت خطورة انفراد هذه الوكالات الخمس، باعتبارها مصادر أولية للأنباء، أن حذرت تقارير الأمم المتحدة من هيمنة تلك الوكالات الكبرى، وخطورة الفجوة الإعلامية التي تزيد الهوة بين بلاد الشمال الغني والجنوب الفقير، ما يولّد آثارا اقتصادية واجتماعية وسياسية ضارة لهذه الوكالات, أجنداتها وتوجهاتها وأولوياتها وسياساتها التي تتحكم في ما يُعلَن وما يُخفى. فكيف بنت هذه المؤسسات الصلة بينها وبين جمهورها من رؤساء الأموال والسياسيين,عالمياً، واستطاعت أن تبقى في الصدارة، على الرغم من التنافس الشديد, وعلى الرغم من تكرر السقطات التي شهدتها عديد المرات, أخلاقيا ومهنيّا؟

وجواب ذلك بسيط وجليّ للأبصار, ألا وهو السياسة المتبنّات من كل دولة وغايتها من دائرة إعلامها, فإما أن يكون اعلاما يحمل مبدأ الدولة ويروج له في الداخل والخارج, أو أن يكون اعلاما تابعا لما هو طاغ حول العالم دونما أثر له فيه, فيكون دور مختلف الوسائل فيه نقل ما يسبِق بتصديره صاحب المبدأ, ليمثل بذلك جنديّا من جنوده في كل بلد من العام, وهذا ما يحصل مع اعلامنا في كل بلاد المسلمين, وبعلم تام من حكامنا ورضا منهم, بأن يكونو خدما لحضارة الغرب, فيسخرون لها كل طاقات الأمة لترويجها بيننا, وليس هنالك من طاقة ووسيلة أقدر على ذلك من الإعلام.

الإعلام لغة العصر وتأريخ الحاضر وحرب المستقبل وتوثيق الماضي وصانع أجيال الغد، فعبره تتلاشى حضارات أمام أخرى، ويتصادم بعضها، ويتحاور ما ائتلف منها. فقفوهم إنهم مسؤولون.

 

بقلم: مصعب محجوب الماجدي (السودان)

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )