الأزمة الإقتصادية وسبيل الخلاص

الأزمة الإقتصادية وسبيل الخلاص

عجز مالي هائل

تعاني تونس أزمة اقتصادية خانقة، حيث بلغ العجز التجاري 19 مليار دينار وبلغت المديونية أكثر من 76 مليار دينار، أي ما يعادل 71% من الناتج المحلي، أما سعر صرف الدينار فقد تدهور أمام العملات الأجنبية بشكل لم يسبق له مثيل، وزاد التضخم وغلاء المعيشة من تردي مستوى المعيشة لدى عامة الناس، بالإضافة لتردي الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية.

وللعلم فإن عجزا تجاريا إضافيا مع الاتحاد الأوروبي يقدر بعشر مليارات من الدينارات لم يقع احتسابه بسبب الخصوصية القانونية التي تتمتع بها الشركات الأوروبية في الاستيراد والتصدير، وفقا لاتفاق الشراكة الذي وقعه بن علي مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995، وبالتالي يكون العجز التجاري الحقيقي قد بلغ 29 مليار دينار أي ما يقارب ميزانية تونس لسنة 2018.

مقدرات تونس الاقتصادية

ولا تعكس هذه المؤشرات السلبية حقيقة الثروات الضخمة التي تتمتع بها البلاد، فتونس تملك مصادر اقتصاد غنية؛ فالمساحة الإجمالية للبلد 16.4 مليون هكتار، ومساحة الأراضي الفلاحية 10,5 مليون هكتار، منها حوالي 5 مليون هكتار قابلة للزراعة، و 5.5 مليون هكتار غابات ومراعي، وتنوّع المناخ ينتج محاصيل متعددة ومتنوعة، وتملك تونس ثروة حيوانية هائلة من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، وثروة سمكية تقدر بـمئات الآلاف من الأطنان سنويا (إذا أحسن استغلال مياهنا الإقليمية الممتدة على شاطئ طوله أكثر من 1000كم دون احتساب الجزر)، وحسبما تسرب من دراسات فإن تونس تملك مخزونا من الغاز يقدر بسبعة مرات ما تملكه قطر، فحقل ميسكار وحده يوفر لتونس 60% مما تحتاجه البلاد من الطاقة, ولكن وقع تسليمه للشركات الأجنبية، كما تملك تونس احتياطي هائل من النفط تشهد بذلك عشرات الشركات الأجنبية المنتشر في طول البلاد وعرضها وتنهب النفط دون عدادات ودون حسيب ولا رقيب، وتملك جبال تونس المعادن الثمينة وغير الثمينة والمعادن النادرة، مثل الملح والجبس والنحاس والحديد والنيكل والزنك والفسفاط وغيرها، ولها موقع استراتيجي هام، وأما الجهد البشري فعدد سكان تونس يزيد على 11 مليون نسمة؛ أغلبهم في سن العطاء، ولهم كفاءات علمية وصناعية وتكنولوجية قادرة على إحداث ثورة صناعية، ومصانع للإسمنت والحديد، وبعض الخدمات التي تحتاج إلى تطوير، ورغم تلك الإمكانيات والمقدرات إلا أن أهل تونس يعيشون في حالة الفقر والعوز!!

إذن أين تكمن المشكلة؟

إن المشكلة الأساسية تكمن في النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يضمن البقاء للأغنياء على حساب الفقراء، وفي برامج الإصلاح المالية والهيكلية التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي جعلت البلاد تحت الوصاية الغربية.

ترسانة من القوانين لخدمة الأغنياء

أما النظام الاقتصادي الرأسمالي فإنه يخص نظرته للفرد، فيعطي الفرد مطلق الحرية في التملك، وتنمية الملك، والتصرف بهذا الملك، وجاءت القوانين خادمة لهذا الأساس الخاطئ، فالنظام الرأسمالي قد سن القوانين لتضخيم ثروات رؤوس الأموال، فالبنوك الربوية العملاقة والشركات الرأسمالية الضخمة، والملكية الفكرية، وخصخصة القطاع العام أي تحويل أعيان الملكية العامة إلى ملكية خاصة، والعولمة (سيطرة الشركات الكبرى على ثروات العالم) والمضاربات والاحتكارات، وزيادة الضرائب على الفقراء وتخفيفها على الأغنياء، كلها قوانين سنها مشرعوا النظام الرأسمالي من أجل انتفاخ جيوب الأغنياء، فتركز المال عند فئة قليلة من رؤوس المال، في حين أن غالبية الشعب يعيش الفقر المدقع، فنتجت الطبقية المقيته.

سياسات اقتصادية لبسط السيطرة والنفوذ

أما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فهما مؤسستان استعماريتان للدول الكبرى للتدخل في شئون دول العالم بإغراقها في دوامة الديون وفرض التبعية الاقتصادية عليهم، فقد ازداد الفقر وتضاعفت المشاكل حيثما حلا، وبلدنا تونس هو خير شاهد على ذلك، فقد اتخذ صندوق النقد الدولي من القرض الممدد وسيلة فعالة لإخضاع الحكومة وجعلها فاقدة للإرادة السياسية، بحيث لا تخطو أي خطوة إلا وفق توصياته، وأي خروج عن الخط المرسوم يؤدي إلى حجب القسط القادم من القرض الممدد، فتونس لم تتحصل على الأقساط الأربعة الأولى خلال 2017/2018، إلا بعد سير الحكومة قدما في الإصلاحات الكبرى وعلى رأسها: تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار، فقد خسر الدينار ما يقارب 20% من قيمته خلال سنة 2018 وحدها، الضغط على النفقات العمومية، لرفع الأعباء عن الميزانية ويكون تجميد الانتداب في الوظيفة العمومية وتجميد الأجور وتخفيض نفقات الدولة الخدماتية، رفع الدعم عن الحاجات الأساسية ولو جزئيا، زيادة أسعار المحروقات، وهذا يزيد الأسعار في البلد من مواصلات إلى غلاء في المعيشة، وركود اقتصادي، وتضخم في العملة، زيادة موارد الميزانية عن طريق فرض الضرائب، وخصخصة القطاع العام، وذلك بالتفويت في المؤسسات العمومية للقطاع الخاص الأجنبي لتمويل الموازنة، وهى سياسة فرضها هذا الصندوق الاستعماري، وهي أبرز ما يتناوله برنامج الإصلاحات الكبرى الذي قدمه يوسف الشاهد قربانا لصندوق النقد الدولي، حيث وقع التفويت في 14 بنكا، ويجري العمل قدما على التفويت في مصانع الاسمنت والحديد والتبغ والمؤسسات الخدمية وغيرها، واللائحة قد تطال 104 مؤسسة حكومية.

بالإضافة إلى ذلك فإن البنك الدولي يعمد إلى رسم الخطط الاقتصادية العقيمة، وصرف توجه الناس عن الأعمال المنتجة كالزراعة والصناعة إلى أعمال الخدمات كالطرق والجسور والفنادق وغيرها، التي تنتج ثروة حقيقية، فتغرق الدولة بالديون، وتتعطل عجلة التنمية، مما يساعد في نهب ثروات البلد من طرف الشركات الأجنبية الرابضة في الساحات تتحين الفرصة لالتهام ثروات البلاد ومؤسساته العمومية.

سبيل الخلاص، في التحرر

امتلاك الدولة لقرارها السياسي ورفض الاستجابة للضغوط الدولية ورفض المساعدات الدولية وقروض بنوكها، حتى تستطيع الدولة تخطيط المشاريع المنتجة بما يخدم مصالح البلاد، وليس الشركات الغربية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال مشروع حضاري يحررنا من الهيمنة الغربية، أي بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية، فالأمر يحتاج إلى تغيير النظام الرأسمالي العلماني الذي نبتت منه كل الشرور، من مؤسسات ربوية، ونظام احتكاري، وتحكمات اقتصادية، وشركات عملاقة تتحكم في الأسعار والأجور وغيرها.

الإسلام هو المشروع الحضاري الوحيد لتحريرنا من هيمنة الغرب

إن العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية هو في تبني نظام الإسلام العظيم الذي بين ثلاث مسائل هامة وهي:

التملك: فقد حدد الإسلام أسباب التملك (العمل، والإرث، وإعطاء الدولة الأموال للرعية، وإعطاء ذوي الحاجات، والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل جهد أو مال. وحرم (الربا، والقمار، والاحتكار، والغش، والبيوع الحرام، والشركات المساهمة، والتأمين، والخصخصة، وغيرها)

التصرف: ينقسم قسمين في الإسلام (الإنفاق والتنمية)، والإنفاق إما (حرام أو مستحب أو واجب)، وأما التنمية فقد بين الإسلام (أحكام الاستصناع وأحكام الشركات وأحكام البيوع وأحكام الأراضي)

التوزيع: هو إشباع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد وتمكينهم من إشباع الحاجات الكمالية. والحاجات الأساسية للأفراد هي (المأكل والملبس والمسكن) والحاجات الأساسية للرعية هي (التطبيب والتعليم والأمن).

وستشرع جريدة التحرير في سلسلة مواضيع تحت عنوان  »و من أحسن من الله حكما »، تبين من خلالها الخطوات العملية للخروج من الأزمة الإقتصادية، لإبراز عظمة أحكام الإسلام في معالجة الناحية المالية.

والحمد لله القائل: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}. النحل112

الدكتور الأسعد العجيلي، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )