التربية الجنسية: قضيّة قيمية وليست اصطلاحية

التربية الجنسية: قضيّة قيمية وليست اصطلاحية

« أكّدت المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الإنجابية أرزاق خنيتش في تصريح لـ »صباح الناس » اليوم 20 نوفمبر 2019، إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم وتحديدا من السنة التحضيرية (5 سنوات) بداية من ديسمبر 2019 . وأوضحت أنّ هذه البادرة بالشراكة مع صندوق الأمم المتّحدة للسكان والمعهد العربي لحقوق الإنسان وتحت إشراف وزارة التربية، ولن تكون مادة منفصلة بل ستدرج في مواد العربية والتربية البدنية وعلوم الأرض عبر فتح نقاشات لتصحيح مفاهيم .وأكّدت خنيتش أنّ الدروس بالنسبة لأطفال السنة التحضيرية ستكون مبسّطة تحمل رسائل توعوية بهدف حمايتهم من التحرش، وستتطوّر مع تقدّم العمر وستكون بأسلوب مناسب ثقافيا ودينيا  .ويأتي ذلك، لإمداد الشباب والمراهقين بالمعلومات الجنسية الصحيحة علميا لتكوين القيم الايجابية واكتساب المهارة لاتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة ومبنية على المعرفة من أجل عدم ترك الفرصة لاستغلال المراهقين » (عن موزاييك fm).

إنّ إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم هو عملية متوقّعة نظرا لالتزام الدولة التونسية بمجموعة من الاتفاقيات الدولية والأوروبية تقتضي سلخ الهوية الإسلامية للشعب التونسي وإدماجه ضمن المنظومة الفكرية الغربية؛ فبعد الحديث عن المساواة في الميراث، والمثلية الجنسية، وتركيز مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي، تدخل البلاد اليوم في دوامة ما يسمى بالتربية الجنسية.

وقد عرّف مفهوم التربية الجنسية بأنه « إمداد الشباب والمراهقين بالمعلومات الجنسية الصحيحة علميا لتكوين القيم الايجابية واكتساب المهارة لاتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة ومبنية على المعرفة من أجل عدم ترك الفرصة لاستغلال المراهقين »، ونحن نسأل ما هي القيم الإيجابية التي تكسب مهارة لاتخاذ القرارات المستنيرة؟ وما هو مصدر تلك القيم؟ وما علاقتها بهوية الشعب الإسلامية؟

فقرار البرلمان الأوروبي يلزم جميع الدول الأعضاء في التكتّل والذين يتعاملون معه من خلال اتفاقيات تعاونية (كتونس) « على توفير تعليم جنسي شامل في المدارس بما يتناسب مع كل فئة عمرية، لافتا الانتباه إلى أن نقص المعلومات بشأن القضايا الجنسية يعرّض سلامة وصحة الشباب للخطر ويجعلهم أكثر عرضة للاستغلال الجنسي وعمليات الاعتداء والعنف، بما في ذلك التحرش عبر الشبكة العنكبوتية.ويرى أعضاء البرلمان الأوروبي أن تعليم الشباب حول المساواة بين الجنسين والرضا والاحترام المتبادل يمكن أن يساعد في منع ومكافحة القوالب النمطية الجنسانية وكراهية المثليين والمتحولين جنسيا، وذلك وفقا لما نشره البرلمان الأوروبي على صفحته في الانترنت ».

ولا شكّ أنّ القيم المرادة هي تلك القيم التي تتماشى مع اختيارات الدولة اللائكية والتزاماتها الدولية من مثل عدم تجريم المثلية وترسيخ مفهوم النوع الاجتماعي والحرية الشخصية؛ فلن يعلّم الأطفال والشباب مفاهيم الإسلام الثابتة القاضية بحرمة الزنى وحرمة المثلية بل سيعطون مجموعة معلومات تتعلّق بالأعضاء وكيفية الممارسة وسبل الوقاية من الحمل والأمراض وغير ذلك مما يخدم غرض التربية الجنسية المرادة وهي تركيز قيم الغرب في حرية الممارسة الجنسية بشرط الرضا وبلوغ السن الأدنى مع المحافظة على شروط السلامة من الأمراض.

ولهذا فإن الحديث لا يتعلّق بمفهوم التربية الجنسية من حيث هي، ولا يتعلّق بواقع السلوك الجنسي وكيفية تنظيمه من وجهة نظر إسلامية، ولا يتعلّق بدور الإسلام من خلال أحكامه ونظامه في توجيه الشباب نحو السلوك القويم؛ فللإسلام طريقته في تربية الأطفال وتوعية المراهقين وتبصير الشباب بواقع الجنس علما وعملا ونظرا وممارسة، ولكن الحديث يتعلّق بسياسة دولة رهنت نفسها بقيم الغرب شكلا ومضمونا، وباختيارات حكومة أبت إلا أن تكون عبدة ذليلة للغرب تؤيّد مشاريعه وتنفّذ برامجه وتحقّق أهدافه ضمن بلد يدين جلّ أهله بالإسلام.

وإنّنا نلفت عناية الناس، بعامّتهم وخاصّتهم، إلى أنّ البحث لا يجب أن ينصبّ على الناحية الشكلية السطحية المتعلّقة بمصطلح التربية الجنسية، إنّما يجب أن ينصبّ على السياق السياسي الذي يعرض فيه المصطلح، وعلى القيم التي يتضمّنها ويدعو إليها ويعمل على تركيزها في الأطفال، فليست القضية قضية اصطلاحية بل هي قضية قيمية متعلّقة بمفاهيم وأحكام وأخلاق. ولهذا، وجب أن تحاسب وزارة التربية المشرفة على هذا البرنامج، ووجب مطالبتها بتوضيح المضمون لا الشكل، وبيان ماهيّة القيم التي تعتمد عليها هذه التربية الجنسية؟ ونصوغ البحث كلّه في سؤال: هل سيعلّم الأطفال والشباب حرمة الزنى والمثلية وقيمة الشّرف والعرض أم سيعلّمون غير ذلك؟

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )