الجلاء بين خديعة الحكام واستفاقة الأمة

الجلاء بين خديعة الحكام واستفاقة الأمة

تحيي الفئة الحاكمة (حكّاما ومعارضة) في تونس يوم 15 أكتوبر من كلّ عام ذكرى جلاء آخر جندي فرنسي عن تونس في 15 أكتوبر 1963. ويتّخذون الجلاء دليل نصر واستقلال وتحرّر من الاستعمار، ومحطّة من محطّات بناء الدّولة الحديثة. ويربطون جلاء الجيش الفرنسي عن تونس بمعركة بنزرت (من 19 إلى 22 جويلية 1961). أي إنّ الجيش الفرنسيّ لم يخْرُج من تونس بعد “معركة” بنزرت إلّا بعد سنتين كاملتين. وتفيد شهادات كثير ممّن حضر “المعركة” أنّها لم تكن حربا بين جيشين نظاميين بل كانت مذبحة جبانة حيث قصفت فرنسا المجرمة بطائراتها ودباباتها المدنيين العزّل إلى جانب بعض تشكيلات الحرس وفئة قليلة من جيش تونسيّ مكوّنين حديثا، وصبّت حقدها الأسود على أهل البلاد بقنابل حارقة و”نابالم”، وقتلت خلال 4 أيّام أكثر من 6 آلاف شهيد قلّة قليلة منهم حاملة للسلاح من جيش وحرس.
إنّ حديث الجلاء ليُبيّن:
1ـ أنّ أبناء تونس من طينة الأبطال واجهوا فرنسا الإرهابيّة وترسانتها العسكريّة بصدور عارية وشجاعة منقطعة النظير، وسالت دماؤهم الزكية من أجل قلع الاستعمار، ومن أجل أن يكون جلاء جنود العدو تامّا وحقيقيّا.

2ـ أنّ الاستقلال الذي أعلن في 1956 كان صوريّا ذلك أنّ الجيش الفرنسي ظلّ في بنزرت (التي قال عنها جول فيري أنّها أهمّ من تونس كلّها) 8 سنوات كاملة تُقلع منها طائراته كلّ يوم لضرب المجاهدين في الجزائر، بما يعني أنّ المقبور بورقيبة وجماعته كانوا شركاء للمستعمر الفرنسي في ذبح المجاهدين. ولمّا فاحت رائحة بورقيبة الخيانيّة واشتدّ عليه النّكير من المجاهدين في الجزائر ومن التّونسيين الرّافضين لاتّفاقيّة الاستقلال المزعوم ومن مصر، افتعل معركة بنزرت افتعالا دون إعداد أو تخطيط فزجّ بآلاف المدنيين العزّل من كلّ ولايات تونس دون تسليح إلى بنزرت ليُذبحوا. كلّ ذلك من أجل تلميع صورته فقط بدليل أنّ فرنسا خرجت بعد سنتين من “معركة” بنزرت. وظلّ بورقيبة على علاقة حميميّة مع فرنسا التي ذبحت أبناء تونس والجزائر وكان يجاهر طوال الوقت ويقول إنّنا نريد أن نبني علاقات جديدة مع فرنسا (هكذا) دون حياء.

صحيح أنّ الجنود الفرنسيين خرجوا من تونس ولكن هل خرج الاستعمار فعلا من تونس؟ وهل خرج الاستعمار من بلاد المسلمين؟

3- أنّ لحديث الجلاء والاحتفاء به وجهاً آخر أكثر خطورة:

فالمحتفون بالجلاء يريدون فصل تونس عن كيانها الطّبيعي البلاد الإسلاميّة وقد كانت تونس ولاية من ولايات دولة عظمى، وإنّ استعمار تونس والجزائر ومصر وغيرها من بلاد المسلمين كان في إطار خطّة عالميّة قادتها وقتها بريطانيا المجرمة بمعيّة فرنسا وبمعاونة الخونة من العرب والترك لإزالة الخلافة والإسلام كقوّة عالميّة وتفكيك دولة المسلمين. ولم تخرج فرنسا من تونس والجزائر، ولا بريطانيا من مصر وفلسطين إلا بعد أن اطمأنّوا أنّ الفئة الحاكمة الجديدة تابعة فكريّا وسياسيّا للفكر الغربي العلماني وأنّ القيادات الجديدة ستحارب الإسلام ودعاته وستتصدّى بكل قوة للحيلولة دون عودة كيانه السياسي الخلافة الراشدة التي تجمع كلّ المسلمين في دولة واحدة. وفعلا فقد صارت تونس منذ حكم بورقيبة علمانية يحارب فيها الإسلام بشراسة ويهادن فيها الكفر ومتولّداته، حتى رحّبت بكل فكر شاذّ ودخيل وأصبحت مرتعا خصبا لشركات النهب الاستعمارية تستنزف الخيرات وتفقر البلاد والعباد، وهذه الطامّة التي عمّت كل بلاد الاسلام.

الجلاء الكاذب

فهل تمّ الجلاء فعلا؟؟ أم إنّ أمر ما سمّي بالتّحرّر الوطني في أربعينات القرن العشرين وما بعده لم يكن إلا خديعة كبرى للمسلمين برحيل الاستعمار، والحقيقة هي أن الاستعمار رحل بالاسم وبقي بالفعل حيث ترك المستعمر وراءه جيشاً من العملاء سياسيين ومشايخ وأحزابًا وغيرهم، واختار بنفسه من يسلم له الحكم عبر مفاوضات ليكونوا خدماً وعبيداً لهم. واستمرّت القوى الغربيّة في تسيير شؤون البلاد من وراء ستار.

هل تمّ الجلاء فعلا من بلاد المسلمين؟ 

فما شأن القواعد العسكريّة الأمريكيّة والبريطانيّة التي تُحاصر العالم الإسلاميّ؟ وماذا تفعل الجيوش الأمريكيّة في العراق منذ سنة 1990، وهل نسينا أفغانستان التي تُدمّر تدميرا؟ وماذا يفعل الجنود الفرنسيون في إفريقيا والجنود البريطانيون في ليبيا واليمن وتونس وماذا عن الجيوش الأمريكيّة وقواعدها المنتشرة في البلاد الإسلاميّة ؟؟؟ وماذا عن جحافل المخابرات العالميّة التي تعشّش في كلّ البلاد، فقد صرّح وزير خارجيّة بريطاني السابق “هيج” (2011)أنّ بلاده ضاعفت عدد الموظّفين البريطانيين في سفارتها في تونس. أمّا السّفارة الأمريكيّة في تونس فهي شبه قاعدة عسكريّة تضمّ 5 آلاف موظّف أو يزيدون فماذا يفعلون؟؟؟

هل تمّ الجلاء فعلا من بلاد المسلمين؟ 

فأين الأرض المباركة فلسطين، هل طّهرتها جيوشنا من رجس يهود الغاصبين؟ وماذا يحدث في شام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَمَنِهِ، الشّام التي اجتمعت عليها جيوش العالم لتساعد بشّارا السّفّاح في ذبح المسلمين هناك، واليمن حيث سُعار الغرب الوحشيّ تتقاتل جيوش من المسلمين نيابة عن الكفّار الأمريكان والأنجليز ويموت اليمنيّون بالرّصاص حينا وبالجوع والمرض كلّ حين؟

الجلاء الصّادق

إنّ الجلاء الحقيقيّ الذي ننشد هو التحرّر الكامل من الاستعمار لا في تونس فقط بل في كلّ بلاد المسلمين والتحرّر الكامل هو التّحرّر من الفكر الرّأسمالي الغربي الغريب عن أمّتنا المفروضة علينا دساتيره وقوانينه بالحديد والنّار، المفروضة علينا سياساته بديمقراطيّة جوفاء يسيطر عليها المال الملوّث بدماء شهدائنا.

إنّ التّحرّر الكامل هو التّحرّر من عبوديّة المستعمر وأن نرجع كما كنّا عبادا لله وحده من دون النّاس نؤمن بالله وبرسوله وبالكتاب في دولة واحدة كبرى كما كنّا تكون فيها:

– السّيادة لله وحده هو الذي يُشرّع لنا.

– السّلطان للمسلمين يختارون من بينهم رجلا يبايعهم ويبايعونه أن يرعاهم بأحكام ربّ العالمين ويعينونه ويحاسبونه وينقذون بقيادته بلادهم من شرور الدّول الاستعماريّة بل يُنقذون كلّ العالم من الجرائم اليوميّة التي ترتكبها أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأمم المتّحدة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي و……

هذا هو الجلاء في حقيقته جهد كلّ المسلمين وفي مقدّمتهم الأقوياء من قياداتهم العسكريّة المخلصة وعزائم جنودهم الصّادقة، وإن كنّا نستذكر معركة بنزرت فنحن نستذكر منها صدق الذين هبّوا إلى بنزرت وقد هبّوا إيمانا منهم أنّ التّصدّي للمستعمر ولو بصدور عارية هو الواجب الذي لا يقدر عليه إلا الرّجال الرّجال وإنّا نقول لشهدائنا من بنزرت إلى ليبيا فمصر فالشام وحلب وفلسطين والعراق وكلّ بلاد المسلمين:

 لقد كان لكم شرف السّبق إلى مجاهدة الكفّار المستعمرين وإنّ  لمواصلون معركة التّحرّر وإنّنا نعيش اليوم آخر فصولها فقد ثارت الأمّة من جديد وأفاقت من غفوتها وكشفت العملاء والخونة ولم يبق إلا أن يتقدّم القادة المخلصون من العسكريين والرّجال الشرفاء من وجوه النّاس وينبذوا القيادات الحاليّة ويزيلوا عنهم الحماية كما فعلوا من قبل مع بن علي والقذّافي ومبارك، وأن يُبايعوا رجلا يقول ربّي الله لا يعرف الرّكوع إلا لربّ العالمين يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحكمهم بالإسلام ويوحّدهم ويوحّد جيوشهم فيطرد فلول الاستعمار شرّ طردة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )