الرئيس مهوس بحماية دولة لا وجود لها

الرئيس مهوس بحماية دولة لا وجود لها

منذ أن جيء به واستقر به المقام بقصر قرطاج والرئيس « قيس سعيد » يصر على أن يكون الأكثر حرصا على تطبيق القانون واحترام الدستور, والأهم من هذا كله عضه بالنواجذ على هذه الدولة والحرص كل الحرص  على منع المساس بها أو الاقتراب من حماها. وبلغ هذا الحرص على حماية الدولة لدى « قيس سعيد مداه بعد الإجراءات الاستثنائية الأخيرة بتجميده للبرلمان ورفع الحصانة على أعضائه وإعفاء رئيس الحكومة، تلك الإجراءات هناك من يعترض عليها ويصفها بالانقلاب ويدعو سعيد إلى التراجع عن قراراته والعودة إلى ما قبل 25 جويلية..

وليبعد عن نفسه تهمة الانقلاب على الدستور, كثف « قيس سعيد » من ظهوره على الصفحة الرسمية للرئاسة, إما مجتمعا مع من يعتبره من مؤيديه أو مداهما لمخزن أو لمصنع هنا وهناك. وخلال اجتماعاته ومداهماته لم يتنازل الرئيس عن خطبه التي يذكّر فيها مؤديه ومناوئيه بأن إجراءاته وقراراته التي اتخذها من اجل حماية الدولة من التلاشي والانهيار, وإنقاذها من أيادي اللصوص والفاسدين وناهبي أموال الشعب, فالبرلمان حسب ما أكد عليه « قيس سعيد » مرارا و تكرارا كان يعمل على إسقاط هذه الدولة والحكومة كذلك هدفها إضعاف الدولة والوصول بها إلى حافة الانهيار, ورجال الأعمال لا غاية لهم إلا تدمير الدولة, وكل من لا يؤمن بمشروعه هو عدو للدولة وواجب الرئيس التصدي لكل هؤلاء وحماية الدولة منهم. وهذا ما قام به بالفعل, فبعد 25 جويلية أصبحت الدولة في مأمن من كل خطر داهم وحتى الجاثم حسب وصف الرئيس.

الدولة ثم الدولة ثم الدولة.. وليت الرئيس ذكر لنا في خطبه الطويلة والممجوجة شيئا من انجازات الدولة التي يدافع عنها صباحا مساء مثل نسبة الفقر التي بلغت حوالي 24 بالمائة والبطالة التي فاقت نسبتها 17 بالمائة, أو انجازها العظيم في قطاع التعليم الذي ينقطع عنه سنويا أكثر من 100 ألف تلميذ لأسباب مختلفة كالفقر وانعدام الظروف الملائمة لتلقي التعليم بالمؤسسات التربوية والتي تشبه معظمها مخيمات للاجئين فلا ماء صالح للشراب ولا حماية للأطفال فضلا عن تحولها إلى بؤر للأمراض المعدية, أو عدم توفر الإطار التربوي من أساسه. ليت الرئيس حدثنا عن المنظومة الصحية المنهارة وعن هجرة الأطباء الجماعية هربا من الأوضاع الكارثية التي يعيشها القطاع الصحي. وليته حدثنا وهو البارع في الحديث عن الاتفاقيات التي بموجبها فرطت الدولة في ثروات البلاد وخاصة الفصل 33 و34من اتفاقية ما يسمى بالاستقلال وما أقرته فرنسا من شروط مجحفة نهب بموجبها ثرواتنا وخيراتنا ومازالت هذه الاتفاقية سارية المفعول إلى يومنا هذا ولم تشملها حملة الرئيس الكلامية على الفاسدين واللصوص وناهبي أموال الشعب. الرئيس حدثنا عن القرى والمدن التي تئن صيفا وشتاء تحت وطأة العطش بينما مسابح النزل والمناطق السياحية تنعم بالماء الزلال. ليت الرئيس في ذوده عن الدولة حدثنا عن معاناة النساء في الأرياف وغيرها في المناطق المهمشة التي تناستها الدولة كما تناست أطفال مشردين بالآلاف في الشوارع بلا عائل ولا مأوى.. وباختصار ليت الرئيس المهوس بالحديث على حماية الدولة أخبرنا -ولا نخاله يجهل ذلك- أن الدولة التي هبّ لنجدتها لا وجود لها إلا في خطب الساسة وأكاذيب الإعلام المضلل الذي يتملق كل من يخدم أجندات القوى الاستعمارية أو يحقق له شيئا من المكاسب الشخصية الضيقة.

الدولة التي تريد حمايتها لا وجود لها إلا لتنفذ أوامر وتعليمات المسؤول الكبير, فهي جهازه التنفيذي الذي عبره يأخذ ما يريد ويقرر ما يريد, وما عدا ذلك لا وجود لها ولو في ابسط الواجبات المتعلقة بها, خذ مثلا نظافة المدن, أطنان من النفايات في الشوارع وبحيرات من المياه الأسنة تكتم أنفاس الأحياء والمناطق العمرانية ودولتك تلك في سبات عميق, فما من معاناة وما من الم إلا والدولة أو الأصح غياب الدولة وراءه والسبب في وجوده, فهذه الدولة التي أسسها « بورقيبة » وحافظ عليها « بن علي » بالحديد والنار ورعتها أياد مرتعشة وأخرى آثمة بعد الثورة وجدت لتكون غائبة وستواصل غيابها مع « قيس سعيد » ومع غيره, ما داموا من فصيلة الرافضين للحكم بما أنزل الله خوفا من المسؤولين الكبار وطمعا في نيل مرضاتهم, وإن بلغ بهم الحال إلى تقبيل أكتافهم…

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )