الرويبضة يتكلم في الشأن العام ولا يصنع الأمن القومي الجزء (1)

الرويبضة يتكلم في الشأن العام ولا يصنع الأمن القومي الجزء (1)

إن تحقيق أمن البلاد وأمن الأفراد من أكبر التحديات لرئيس الدولة. فكان من الطبيعي أن يسأل الست وعشرون مرشحا للرئاسية عن مفهومهم للأمن القومي في إطار مناظرة المرشحين للرئاسة. وفي إطار إنارة عقول الناس وكشف التواطؤ الإعلامي في صناعة نموذج مزيف لرئيس دولة، نتطرق لمفهوم الأمن القومي لنحدد نشأة هذا المفهوم وواقعه وخطورته ثم لكيفية هدم الدولة الرأسمالية لأمن شعبها وأمن العالم, وفي المقابل كيفية تأمين الدولة الإسلامية لأمنها وأمن رعاياها دون تهديد الأمن العالمي، ونجيب في النهاية على السؤال: هل يصنع الرويبضة أمن الشعوب؟

 أولا: نشأة مفهوم الأمن القومي، واقعه وخطورته

 كان قيام الدراسات المهتمة بالأمن القومي متوافقاً مع ظروف عالمية سياسية وعسكرية جديدة أعقبت الحرب العالمية الثانية والتوازنات والتكتلات والمحاور التي نتجت عن الحرب بين القوى الدولية.

إلا أن جذور المصطلح تعود إلى القرن السابع عشر، وبخاصة بعد معاهدة وستفاليا عام 1648 التي أسست لولادة الدولة القومية أو الدولة – الأمة حين بدأت محاولات صياغة مقاربات نظرية وأطر مؤسساتية وصولاً إلى استخدام تعبير « استراتيجية الأمن القومي »، وسادت مصطلحات الحرب الباردة مثل الاحتواء والردع والتوازن والتعايش السلمي كعناوين بارزة في هذه المقاربات بهدف تحقيق الأمن والسلم وتجنب الحروب المدمرة التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين.

أما مفهوم المصطلح فرغم الاختلافات في تحديده فهو يعني عموما « قدرة الدولة على تحقيق أمنها » أو هو « قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها من التهديدات الخارجية العسكرية والتهديدات الداخلية ». وبفعل العولمة، حدثت تحولات في مفهوم الأمن، وأبرزها القوة، التي لم تعد ترتبط بالعامل العسكري بل تعدته إلى العامل الاقتصادي والعامل السياسي والعامل المعلوماتي. فواقع المصطلح يعني تجنيب الدولة شعبها أسباب الخوف الجماعي. لهذا يكتسي هذا المفهوم خطورة كبرى في اهتمام القائمين على سياسة الشعوب. والمترشح لرئاسة الدولة لا بد له من تصور دقيق حول عوامل الأمن من التهديدات الخارجية والتهديدات الداخلية وله خطط أولية لضمان أمن البلاد وتحررها من أي نفوذ أجنبي بقوة ذاتية.

ثانيا: النظام الرأسمالي يهدم « الأمن القومي » للدول وأمن العالم:

     إن النظام الرأسمالي هو الذي يسود العالم اليوم. وهو نظام يقوم على إنكار أي دور للدين في تنظيم شؤون الفرد والمجتمع والعلاقات الدولية. وهو يؤسس تحت شعار الحرية إلى تحكم رؤوس الأموال في المجتمع وتحكم الدول القوية في تنظيم العلاقات الدولية بناء على مصالحهم الخاصة ومصالح شركاتهم العابرة للقارات.

فالقوة الأنانية النابعة من هوى الأقوياء هي التي تشرع للفرد والمجتمع والعلاقات الدولية. وهذه القوة عوضا عن مراعاة الطمأنينة في الفرد والأمن في المجتمع والإنسانية في العلاقات الدولية، تخل بالتوازنات الفطرية والطبيعية وتخلق الجريمة بين الأفراد والخوف في المجتمع والحروب الاستعمارية بين الدول.

فعلى مستوى الفرد، فعقيدة فصل الدين عن الحياة أساس هذا النظام لا تشبع الطاقة الروحية الفطرية عند الإنسان وتجعله يعيش فراغا روحيا لأن العبادة حتى تشبع هذه الطاقة لا بد فيها من خضوع للخالق في جميع شؤون الحياة وألا تكون مسألة فردية بل تتحكم في الجماعة لتعلو قدسيتها.

وهذه العقيدة لا تقنع العقول السليمة فتنعقد عليها القلوب وتطمئن لها وتعمل على حملها للآخرين هداية وإعلاء للحق، بل لا يمكن إلا أن تخلق عنصرية يراد فرضها على الغير بعنف وإرهاب، وتنمو تحت ظلها وبدعوى الحرية عقائد فردية شاذة وهدامة تصل إلى دعاوى لإفناء البشرية تدعمها بعض أفلام هوليود، وفي كل هذا غياب للطمأنينة عند الأفراد وتتعداه إلى تهديد أمن الناس.

أما على مستوى المجتمع، فإن النظام الرأسمالي يجعل العلاقات في المجتمع فردية، مادية، مصلحية فمتشنجة. فهو ينظر للفرد ولا يراعي ما يجب أن تكون عليه العلاقات، فيعطي الحرية للفرد في أن يمتهن الفاحشة أو الربا أو القمار أو التجسس ولا يهتم أن تهدم هذه المهن الجماعة. وهو يجعل القيمة العليا التي ينظمها بقوانينه هي القيمة المادية، أما باقي القيم من روحية وأخلاقية وإنسانية فمسائل فردية يحققها الفرد في الغالب بقدر ما تساهم في خلق القيمة المادية. وهو يجعل مقياس الأعمال المصلحة، فتقاس الأعمال فقط بقدر المصلحة التي تحققها. واتسام العلاقات بالمادية والفردية والمصلحية يجعلها متشنجة، الأصل أن تميل إلى العدوانية والتنازع، وهذا تهديد للأمن من الداخل. ولولا قوة الجندي وصرامة القانون في الدول الرأسمالية المتقدمة لآلت العلاقات فيها إلى التقاتل بين أفراد المجتمع وفئاته.

وما يحصل في بعض تجمعات المافيا و »كرتالات » المخدرات وبؤر الجنس والقمار يعكس هذه الحقيقة التي تسعى الدولة الرأسمالية إلى أن تخفيها بحديثها عن الأمن القومي الداخلي.

أما على مستوى العلاقات الدولية، فإن النظام الرأسمالي نظام استعماري يسعى إلى سلب حرية الشعوب الضعيفة وسلب ثرواتها ومسخ ثقافتها والهيمنة على حكامها ووسطها السياسي لتكون هذه الشعوب سوقا استهلاكية لمنتجاته ويدا عاملة رخيصة لمصانعه واستثمارا فاحشا لشركاته العابرة للقارات خاصة شركات البترول والمعادن والطاقة. من ناحية ثانية، فإن الدول الاستعمارية تتنافس فيما بينها على النفوذ في المستعمرات وعلى النفوذ الاقتصادي في العالم مما تسبب في الماضي في نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية وما مثلتاه من تهديد للاستقرار العالمي وتهديد لأمن الشعوب ويمكن أن يوقع في المستقبل نزاعات عالمية تمثل بالمنسوب المرتفع للسباق نحو التسلق وخاصة في السلاح النووي تهديدا للوجود البشري. وبما أن الأمن القومي يشمل الأمن الغذائي والأمن البيئي فإن شبح المجاعة  كما يهدد شعوبا بأكملها جراء الاستعمار والتخلف يهدد فئات عديدة في الدول الاستعمارية  الغنية نتيجة فحش الرأسمالية التي تكدس الثروة عند القلة وتحرم منها الغالبية بدعوى ألية جهاز الثمن. كما أن التغيرات المناخية حسب تقاريرهم ناتجة عن انبعاثات المصانع الكبرى في العالم والقضاء على الغابات، وكل هذا يهدد أمن العالم بالمجاعات والتقلبات المناخية.

هذا مفهوم مصطلح الأمن القومي وكيف أن النظام الرأسمالي لا يصنع أمنا بل يصنع خوفا ونزاعات.

في الجزء الثاني سنتطرق بحول الله إلى كيفية حفاظ النظام الاسلامي على أمن الأفراد وأمن الجماعة دون أي تهديد للأمن العالمي ولقدرة المرشحين للرئاسة على صنع الأمن لشعبهم وبلدهم.

سعيد خشارم

عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )