السياسية الامريكية وكيفية مواجهتها

السياسية الامريكية وكيفية مواجهتها

قبل الحديث عن السياسة الامريكية، لا بد أن تؤخذ فكرة عن الشعب الأميركي، لأن الشعوب والأمم التي تختار حكامها بنفسها تعتبر هي الدولة.

سجايا الشعب الامريكي

الشعب الأميركي أو أميركا، كانت حتى القرن الثامن عشر بل حتى أوائل القرن التاسع عشر مستعمرة من المستعمرات الأوروبية، فلما قامت بثورتها الكبرى وطردت الدول الاستعمارية وجدت دولة مستقلة، ثم نمت كما تنمو كرة الثلج المتدحرجة حتى صارت دولة كبرى تضم خمسين ولاية، استطاعت أن تحمي القارتين الأمريكيتين من تسلط الدول الأوروبية وصارت عالماً آخر وهو الذي يعرف بالعالم الجديد

وبما أن الشعب الأميركي قد قاتل في سبيل حريته ودفاعاً عنها، وبذل الغالي والنفيس في سبيلها، فقد تعشق الحرية وصارت جزءاً من تكوين عقليته وتكوينه. ثم انه وقد نجح في الحياة ونجح في تجربته نجاحاً منقطع النظير بفضل دأبه وكفاحه، فصارت لديه ميزتان هما الخيال الخلاق، والإرادة البناءة، ما جعله يسير في الطريق التصاعدي إلى أن حقق عظمته التي يتمتع بها اليوم. إلا أنه وقد اعتنق المبدأ الرأسمالي والحضارة الأوروبية، فإنه بالطبع صار الاستعمار واستغلال الغير جزءاً من تفكيره والهدف الرئيسي له، لأن النفعية هي وجهة النظر في الحياة لدى الحضارة الغربية، فهي وجهة النظر في الحياة لدى أميركا. ولذلك فهي دولة استعمارية مثلها مثل إنجلترا ومثل فرنسا سواء بسواء، فالسياسة الأميركية حين تدرس يجب أن تدرس على أن أميركا دولة استعمارية.

أسس السياسة الامريكية

معلوم أن الأساس للسياسة الأميركية في العالم مبني على أمرين: أحدهما حماية أميركا والدفاع عنها ضد كل خطر يتهددها أو يمكن أن يتهددها. وثانيهما: استغلال الشعوب والأمم لصالح أميركا، هذان هما الأساسان اللذان ليس من المحتمل أن يجري عليهما أي تعديل. وانطلاقاً من هذا الأساس، وبملاحظة التحركات الامريكية في العالم والأساليب التي اتبعتها، تكون السياسة الأميركية كما يلي:

سياسة الدفاع

أما بالنسبة لسياستها الدفاعية فتعتمد على قواها ليس غير، لذلك نرى قواعدها العسكرية منتشرة في كل مكان، بالإضافة إلى تخليها عن سياسة توازن القوى بينها وبين روسيا بانسحابها من المعاهدة النووية مع موسكو، وسارت في سياسة احتكار السلاح النووي لها ولروسيا، وصارت تحاول منع الدول الأخرى من صنع هذا السلاح، أي أنها لاتقاء خطر قوة أخرى غير قوة روسيا قد تبنت مبدأ ضرب كل دولة يشكل نموها خطراً عليها. فصار جزءاً من دفاعها، أن تبقي الدول الأخرى في حالة لا تشكل خطراً عليها، كما تعمل على حصر المجال الحيوي لأية دولة في نطاق محدود كما تحاول مع الصين وروسيا، بالإضافة إلى إيجاد أمكنة في العالم منزوعة السلاح، وكذلك تحديد تسلح بعض الدول، وفرض شروط قاسية على بيع السلاح للدول الأخرى.

سياسة الاستغلال

هذا بالنسبة لسياسة الدفاع أما بالنسبة لسياسة الاستغلال، أو على الأصح لسياستها الاستعمارية، فإن أميركا قد نقلت مساعداتها لأوروبا من مساعدات لتقويتها إلى صفقات من أجل استغلالها، وتجلى ذلك في السياسة التجارية، والسياسة الصناعية، وبدرجة أقل السياسة النقدية بعدما وحدت أوروبا عملتها. وانه وإن كان الصراع بين دول أوروبا وبين أميركا على أشده من ناحية اقتصادية ولكن أميركا لا تزال تحاول فرض سيطرتها الاقتصادية على أوروبا، إذ لا تزال التجارة الأميركية مزدهرة في أوروبا، ولا تزال المصانع الأوروبية تحت تأثير أميركا.

السياسة الاستعمارية للولايات المتحدة

أما بالنسبة لباقي البلدان، أي لآسيا وأفريقيا، فلا تزال السياسة الاستعمارية هي سياسة أميركا. وهي تتمثل في الأمور التالية:

أولاً: سياسة التحرير من الاستعمار، وهذه السياسة تقضي بتحرير الشعوب المستعمرة، وتحويلها إلى دول مستقلة، مستخدمة في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ثم النفوذ إلى هذه البلاد عن طريق الحكام، سواء أكانوا من عملائها، أو كانوا من عملاء الدولة المستعمرة التي أعطت الاستقلال. وما فعلته في الخليج وشمال أفريقيا خير شاهد على ذلك. فإن حكام مصر والسودان والسعودية من عملائها، وهي تصارع لافتكاك ليبيا من بريطانيا بدعمها خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق وتحاول النفوذ إلى تونس من خلال بعض العملاء، وتتحين الفرصة للنفوذ إلى الجزائر الثائرة على حكامها، عملاء أوروبا.

ثانياً: المساعدات الاقتصادية، وهذه على تعدد أنواعها، فإن الغاية منها كلها واحدة وهي إفقار البلد المساعد، وربطه بعجلة أميركا، بحيث تكون المساعدة وسيلة للإفقار، ووسيلة لبسط السيطرة الاقتصادية والسياسية على البلد المساعد، فالقروض، ومساعدات التنمية وما شابه ذلك تؤدي نفس الغاية، ألا وهي إفقار البلد المساعد وبسط السيطرة الاقتصادية والسياسية عليه. وتستخدم أمريكا المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي لتحقيق ذلك، فقد تضخمت ديون الاردن من 8 مليار دولار سنة 1989 عندما دخله صندوق النقد الدولي إلى 29 مليار دولار هذه السنة، 2019.

ثالثاً: المساعدات العسكرية، وهذه المساعدات يقصد منها أمران: أحدهما إيجاد أسواق للمصانع الأميركية، وثانيهما هدر أموال البلد المساعد على سلاح يتحول إلى حديد خردة، ويستهلك ثروة البلد المساعد. وقد بدأت تتسرب إلى تونس من خلال المساعدات العسكرية واللوجستية حتى أصبح لها وجود عسكري مكنها من تسيير طائراتها للتجسس على ليبيا. إلا أن خطر هذه المساعدات يتجلى في إيقاع البلاد في حالات قلق دائم، إما بإيجاد حروب مصطنعة بشكل دائمي لدوام توريد السلاح، كما هي الحال في حرب السعودية على اليمن، وإما بإيجاد محاولات انقلابية أو إيجاد حركات تخريب وتدميركما حدث في السودان، فيوقع البلاد في الفوضى والاضطراب، إلى جانب إفقارها وهدر ثروتها، ولئن كانت المساعدات الاقتصادية تجر إلى فرض السيطرة الاقتصادية والسياسة، فإن المساعدات العسكرية تجر زيادة على ذلك إلى إفقار البلاد ووضعها في حالة فوضى واضطراب.

رابعاً: المشاريع الإنتاجية، سواء المشاريع الأميركية البحتة كمشاريع البترول ونحوها، أو المشاريع التي تدخل فيها مع دولة أخرى تابعة لها كالمشاريع الألمانية واليابانية والإيطالية ونحوها، أو الدول المناوئة لها كإنجلترا وفرنسا. وهذه المشاريع تجعل لأميركا سيطرة اقتصادية وسياسية في البلاد، وتكون وسيلة لاستغلال الناس والبلاد للشركات الأميركية والأغنياء الأميركيين.

خامساً: التضليل السياسي والفكري. أما التضليل السياسي فيتجلى في أمرين: أحدهما أن تحقق على يد عملائها ما تريده هي تحت ستار قومي أو وطني، كما حدث في مصر وغيرها، والثاني أن تقوم هي بأعمال ظاهرة لمصلحة الشعب كالجامعات الأميركية في القاهرة وبيروت وأنقرة، والمشاريع التنموية، كالهبة التي تسلمتها تونس من مكتب الوكالة الامريكية للتنمية الدولية والمقدرة ب1000 مليار من المليمات. وأما التضليل الفكري فقد غلب على أميركا اتخاذ فكرتي التحرر والاشتراكية، فتشغل الناس بالتحرير والاشتراكية والتقدمية، وتجعلهم ينقسمون إلى أقسام متعددة تتناحر على الأفكار، وتبعدهم بهذا عن الطريق الصحيح للتقدم والازدهار. ولذلك كانت أفكار التحرر والتقدم والاشتراكية من أهم وسائل أميركا في الاستعمار، ومن أخطر الأمور على البلاد، ونظرة واحدة إلى الدول التي تنادي بالاشتراكية تكفي للمس أثر هذه الأفكار في تأخر البلاد وسيرها في متاهات لا نهاية لها.

كيفية مواجهة السياسة الأمريكية

هذه لمحة عن واقع الولايات المتحدة ولذلك فإنه يجب أن تعامل على أساس أنها دولة استعمارية ولكن يجب أن يدرك ما هي عليه من قوة في الدولة والشعب والنفوذ، والخطوة الأولى في العمل لمواجهتها والتغلب عليها هو كشف ناحيتها الاستعمارية وإكراهها على أن ترجع لعالمها الجديد، ومن المفيد بهذا الشأن أن يستعمل فيها السلاح الفكري إلى جانب السلاح السياسي، وأن يحاول التأثير على أفكارها داخلياً إلى جانب مقاومة أعمالها السياسية وسياستها الخارجية، وذلك بالعمل على عزل الحكومة عن الشعب، مع الحرص على عدم اثارة الشعب الامريكي أي عدم التعرض الى قيمه، والتركيز على فضح حقيقة نوايا الحكومة الامريكية التي تستخدم الشعب الامريكي ومقدراته لخدمة حفنة من رجال الاعمال.

ومن الاعمال السياسية العظيمة هو تجريد أمريكا من حصنها الحصين، هيئة الامم و مجلس أمنها، الذي تستخدمه في فرض سياساتها على العالم، و ذلك بإنشاء رأي عام عالمي ضد هذه المنظمة، وذلك بفضحها وإظهار عوارها لكافة أهل الأرض، وبيان واقع الدول الاستعمارية التي تقف وراءها، والعمل بالمقابل على إنشاء جماعة دولية بديلة مع ترك مطلق الحرية لكل الدول للاشتراك فيها متى أرادت و أن تخرج منها متى شاءت، وأن يكون لهم من الحقوق والواجبات ما للمؤسسين سواء بسواء، وأن لا يفرض على أي أحد تنفيذ المقررات بالقوة، ويكون عملها النظر في الأعراف الدولية ومخالفتها، حين فض المنازعات الدولية، ويترك تنفيذ قرارات الجماعة للرأي العام والعامل المعنوي لأنه أبلغ من العامل المادي لأن قراراتها تستند إلى أعراف تركزت بين المجموعات البشرية فلا يجرؤ أحد على مخالفتها, وبذلك تكون الجماعة الدولية جماعة دولية بحق، لا عائلة دولية معينة يطلق عليها زوراً وبهتاناً أنها أسرة دولية كما هو الحال لهيئة الامم. وبهذا ستفقد أميركا وباقي الدول الاستعمارية الرأسمالية أداة من أهم أدواتها للهيمنة على العالم والتحكم في السياسة الدولية، ما سيعين على التخلص من نفوذها ودحرها وتخليص العالم من شرها.

د. الاسعد العجيلي, عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )