بريطانيا تطلق “الدبلوماسية الثقافية” لتعزيز نفوذها الاستعماري في شمال إفريقيا

بريطانيا تطلق “الدبلوماسية الثقافية” لتعزيز نفوذها الاستعماري في شمال إفريقيا

الدبلوماسية الثقافية أو كما يحلو لأغلب المنظرين والكاتبين والمتابعين للشأن السياسي أن يسمّوها بالقوة الناعمة، لقد ظهرت أولى مؤسسات الدبلوماسية الثقافية ضمن الهيكلية الحكومية في فرنسا منتصف القرن التاسع عشر وتبعتها في هذا التقليد ألمانيا، ثم بريطانيا التي أسست المجلس الثقافي البريطاني عام 1934، وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية التي أسست برنامجها الثقافي الرسمي عام 1938، في حين ظهر مفهوم الدبلوماسية الثقافية الجماعية أو الدولية منذ مطلع العقد الثالث من القرن الماضي عندما أنشأت عصبة الأمم مركز التعاون الفكري في باريس ، وفي العام 1945 أنشأت الأمم المتحدة منظمة اليونسكو التي مازالت تنسق النشاط الثقافي الدولي إلى حد الآن.

هذه لمحة تاريخية سريعة عن الدبلوماسية الثقافية، أردناها مدخلاً تمهيديًا لمؤتمر الدبلوماسية الثقافية البريطانية الذي انعقد في الحمامات بين 9-11 نوفمبر 2017، أين ناقش أكثر من 90 شاب من تونس ومصر والجزائر وليبيا والمغرب وبريطانيا، مسألة القيادة المشتركة وكيفية بناء المجتمعات.

وفي هذا السياق صرح المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا « …نحن بحاجة إلى الانخراط مع الناس وليس الحكومات فقط… »

وتابع « أفضل الأفكار للمجتمعات السلمية هي تلك التي تأتي من الحوار، وهذا يتعلق بالمقترحات الإيجابية لبناء مجتمعات نابضة بالحياة وسعيدة من خلال التبادل الثقافي في وقت يفضل فيه الكثيرون سيطرة الصراع والانقسام على الحوار. »

يذكر أن المجلس الثقافي البريطاني » British Council » والذي يشرف على هذا المؤتمر، يعتبر بمثابة الذراع الأساسي للحكومة البريطانية ومكلّف بالدبلوماسية الثقافية والتعليمية، وهو متواجد في تونس منذ سنة 1962 ويعتبر تونس الطفل المفضّل في منطقة شمال إفريقيا، نظرًا لقدم الهوية الثقافية التي تعود إلى أوائل البعثات الاستكشافية كبعثات التعليم والثقافة وغيرهم، وإلى أهمّية تونس في الخارطة الجيوسياسية، وبالتالي، تسعى السياسة الثقافية البريطانية اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى أن تكون سياسة إغراء حكيمة تهدف إلى الاستفادة من مضبوعي الثقافة الغربية من بني جلدتنا  بهدف مضاعفة حصّة بريطانيا من المشهد السياسية والاقتصادية التونسي عبر استخدام رافعة الفنّ والثقافة.

 كما تهدف هذه السياسة إلى التصدّي للمحاولات الأمريكية لخلع الأبواب والتسرب لمفاصل الدولة والتي برزت بشكل جلي في المشهد الثقافي في الفترة الأخيرة من خلال أنشطة سفارة أمريكا في تونس ومن خلال العديد من منظمات المجتمع المدني المتغذية من المال الأمريكي.

تجدر الإشارة إلى أنّ التوجّهات البريطانية الجديدة على صعيد السياسة الثقافية ترتكز على التغلغل والتوغل في أعماق البلاد وخاص المناطق الداخلية التي مازالت لم تنطلي بعد بالصبغة الأنغلوسكسونية كما يجب، ومحاولة السيطرة على أفكار  الشباب والثقافة بها، واستعمالها كمطية لنشر الايدولوجيا الغربية المعادية للعقيدة الإسلامية.

وتعول بريطانيا في ذلك على شبكة واسعة من جمعيات المجتمع المدني الممتدّة على كامل البلاد والموزّعة على العديد من المناطق  » ما يثبت أهمية هذه الجمعيات بالنسبة إلى بريطانيا، التي توظّف بخبثها المعهود بعثاتها الثقافية والفنّية وبرامجها التربوية وتعزيزها اللغة الانكليزية في خدمة أهدافها الاستعمارية  وهي، في هذا السياق، تستخدم هذه « القوّة الناعمة » التي تهدف إلى المحافظة على نفوذها السياسي في تونس، لا بل إلى تعزيز هذا التأثير، عبر الاضطلاع بدور ثقافي ناشط وجذّاب.

إن الدبلوماسية الثقافية كانت ولا تزال هي أخطر المواد التي استخدمت في إيجاد الحامض المذيب لمناعة الشخصية المسلمة، ويؤكد ذلك المؤرخ توينبي فيقول « ما كان لأوروبا أن تصل إلى معشار هذه النتائج لو ظلت ألف سنة تحمل السلاح وتقذف الجيوش وتنتصر في الحرب » كتاب « الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام ص(30).
وقد جاء في كتاب »  Eastern problem London » صـ 149 طبعة 1957  » لا شك أن المبشرين فيما يتعلق بتخريب وتشويه عقيدةِ المسلمين قد فشلوا تماماً. ولكن هذه الغاية يمكن الوصول إليها من خلال الجامعات الغربية، فيجب أن تختار طلبة من ذوي الطبائع الضعيفة والشخصيات الممزقة والسلوك المنحل من الشرق ولا سيما من البلاد الإسلامية وتمنحهم المنح الدراسية حتى تبيع لهم الشهادات بأي سعر ليكونوا المبشرين المجهولين لنا، لتأسيس السلوك الاجتماعي والسياسي الذي نصبْوا إليه في البلاد الإسلامية، إن اعتقادي لقوي بأن الجامعات الغربية يجب أن تستغل استغلالًا تاماً جنونَ الشرقيين للدرجات العلمية والشهادات، واستعمال أمثال هؤلاء الطلبة كمبشرين ووعاظ ومدرسين لأهدافنا ومآربنا باسم تهذيب المسلمين والإسلام »

والخلاصة إن عملية ترويض الأمة وتمييع مفاهيمها تتم بإدخال نظم حياة لم يعهدها المسلمون من قبل، ولقد حمل هذا الغزو الثقافي للعالم الإسلامي حضارة تناقض حضارة الإسلام، وأنظمة تناقض نظام الإسلام وقوانين تناقض الأحكام الشرعية، تحت حماية أنظمة الحكم القائمة في العالم الإسلامي، وإدخال ثقافات جديدة تحت شعارات لمّاعة، ويترافق هذا الأمر مع عملية تدمير منظم مدروس للمفاهيم الإسلامية بل ومحاربتها تحت شعارات الإرهاب والتطرف والرجعية..

ممدوح بوعزيز

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )