بريطانيا وأمريكا الثّنائي الرّاعي للحوار التونسي – التّونسي

بريطانيا وأمريكا الثّنائي الرّاعي للحوار التونسي – التّونسي

تتكرّر عبارات من قبيل « لا مجال للتّدخّلات الأجنبيّة، تونس ذات سيادة »، وعبارات من قبيل « حوار وطني »، « حلّ تونسي – تونسي »، … وعبارة (تونسي – تونسي) أضحت أكثر العبارات تكرارا في خطابات الطّبّوبي أمين عام اتّحاد الشّغل، وهي عبارة في ظاهرها الاستقلال والسيادة ورفض للتّدخّلات الأجنبيّة والاتّجاه نحو التعويل عن الذّات، في ظاهرها البحث « الجادّ » عن مخرج لأزمة تونس. فهل الأمر على ظاهره؟ هل هو حقيقة بحث عن التّحرّر والسيادة؟

ما فتئ الجميع يتحدّث عن ضرورة الحوار الوطني بين الفرقاء التونسيين، حتّى تخرج تونس من أزمتها.

الأحزاب السياسيّة تنادي بحوار وطني، والرئيس يتحدّث عن حوار وطني، واتّحاد الشّغل والطّبّوبي يتحدّث عن حوار وطني. ولكن لا حوار إلى الآن؟ لماذا؟ هل صحيح أنّ رؤية الرئيس (إن كان له من رؤية) هي المانعة لحوار كما تريده الأحزاب ويتكلم عنه اتّحاد الشّغل؟

الوضعيّة في تونس، كارثة على كلّ المستويات وبخاصّة المعيشي اليومي.

فماذا تفعل السّلطة (الرئيس وحكومته)؟ وماذاعن جماعة « ضدّ الانقلاب » واتّحاد الشّغل؟

الرئيس يشغل النّاس بخطابات رنّانة وبـ »إصلاحات » تزعم أنّه سيُعيد أموال التّونسيين المنهوبة بإجراءات، بعيدة عن النّاهبين الفعليين وبعيدة كلّ البُعد عن إعادة أموال الشّعب. أو حتّى التخفيف عنه.

جماعة ضدّ الانقلاب، تخرج على النّاس مرّة كلّ شهر في مظاهرات بل مهرجان خطابيّ يشغل النّاس ويوهم بالمعارضة والتصدّي للانقلاب بينما، ثمّ يعودون إلى بيوتهم حتّى الشّهر القادم.

أمّا الاتّحاد العام التونسي للشّغل، فما ينفكّ عن الحديث، عن ضرورة الحوار الوطني الذي لا يُقصي أحدا، وأن الحلّ لا ينبغي إلا يكون (تونسي – تونسي).

 حوار وطني برعاية من؟ وتحت إشراف من؟

في الأسابيع الأخيرة زادت وتيرة حضور الأجانب في تفاصيل السياسة والاقتصاد وبخاصّة في الأسبوع الأخير، حيث شهدنا زيارات مكثّفة للأمريكان والبريطانيين

  • فيوم الأربعاء 23 مارس 2022 زارت سفيرة بريطانيا بتونس ألين ونترتون، مقرّ الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشغل (وكانت قبل ذلك قد زارت راشد الغنّوشي في مكتبه)

  • أمّا أمريكا، فقد أرسل وزير الخارجيّة الأمريكيّة أنطوني بلينكن مبعوثته (نائبته للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان) عزرا زيا لتقضي أسبوعا كاملا في تونس لتلتقي بالجميع:

  • بوزير الدّاخليّة وبحثت معه « الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس وكيفية دعم التجربة الديمقراطية ».وبحسب بيان صادر عن وزارة الداخلية، فإن « الجانب الأميركي أبدى استعداده لدعم تونس، تكريساً لتحقيق الموازنة بين إنفاذ القوانين والمحافظة على الأمن العام للتونسيين والجالية الأجنبية، من جهة، وضمان الحقوق والحريات، من جهة أخرى »

  • ويوم الخميس 24/03 التقت « عزرا زيا »، برفقة سفير الولايات المتحدة الأميركية بتونس دونالد بلوم، بأعضاءالهيئة العليا المستقلة للانتخابات.وكتبت زيا، في تغريدة على حسابها على « تويتر »، قائلة: « التقيت اليوم بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس للتأكيد على التزام الولايات المتحدة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. نحن ندعم هذه المؤسسة الديمقراطية الرئيسية في أداء دورها المنصوص عليه دستورياً لإجراء الاستفتاء والانتخابات« .

  • والتقت المبعوة الأمريكيّة، يوم الخميس 24/03، وفداً من الاتحاد العام التونسي للشغل في مقر المنظمة. وبحسب بيان صادر عن الاتحاد العام، فإن الجانب الأميركي عبر عن « تقديره للدور الذي يقوم به الاتحاد العام التونسي للشغل منذ الاستعمار في الدفاع عن القضايا الوطنية« .

  • هذا وما زالت المبعوثة الأمريكيّة مقيمة في تونس إلى آخر الشّهر لمزيد من اللقاءات مع كبار المسؤولين الحكوميين لمناقشة الإصلاحات السياسية والاقتصادية الشاملة وحماية حقوق الإنسان والدور الأساسي الذي يلعبه المجتمع المدني في ديمقراطية ثابتة. وستلتقي مساعدة الوزير بنشطاء حقوق الإنسان وقادة نقابات العمال وممثلي المجتمع المدني التونسي الآخرين للاستماع إلى وجهات نظرهم حول الفرص والتحديات التي تواجه تونس.

  • ومساء الجمعة 25 مارس 2022عرضت وزيرة الماليّةبمقرّ وزارة الماليّة بالقصبة أمام « ألكساندر أروبيو » Alexandre Arrobio الممثل المقيم للبنك العالمي بتونس، برنامج التعاون بين تونس والبنك العالمي.وتناول العرض المحاور الأساسيّة لبرنامج الدّعم لاسيما على مستوى الإدماج المالي ودعم المؤسسات الصغيرة إلى جانب التوقي من الكوارث المناخيّة.

  • ويوم الجمعة 25 مارس استقبل نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بعثة صندوق النقد الدولي بتونس، بحضور الأمناء العامون المساعدون أنور بن قدور ومنعم عميرة ومحسن اليوسفي وخبراء الاتحاد. وقال أنور بن قدور في تصريح لموقع « الشعب نيوز » إن اللقاء كان مناسبة لتبادل الآراء ووجهات النظر، مبيّنا أن الاتحاد العام التونسي للشغل قدم تحفظاته على البرنامج الحكومي المقدم وخاصة رفع الدعم وتجميد الانتدابات والأجور.

(تونسي – تونسي) فرقاء لا يجمعهم إلا الأجنبيّ:

المتثبّت في هذه اللقاءات المتنوّعة والكثيفة يستخلص ما يلي:

  • حديث الاستقلال والسّيادة حديث خرافة وتضليل: فكلّ اللقاءات المنعقدة كانت، مع مسؤولة أمريكيّة والسفيرة البريطانيّة وممثّل البنك العالمي وممثّل صندوق النّقد الدّولي، وهؤلاء جميعا هم عتاة المستعمرين، ويعلم الجميع أنّ بريطانيا وأمريكا ليستا من الدّول الخيّرة التي تبحث عن مصالح الشّعوب إنّما هما دولتان مجرمتان وجرائمهما في العراق وفلسطين قائمة، ويعلم الجميع أنّ بريطانيا وأمريكا لا تغشيان منطقة إلا بغاية الهيمنة والاستعمار. ويعلم الجميع أنّ البنك وصندوق النّقد الدّوليين هما أذرع الأخطبوط لا يحلّان ببلد إلا حلّ به الخراب، ومع ذلك يأتون كلّ أسبوع إلى تونس، ويستقبلهم الرئيس وتستقبلهم الحكومة ويستقبلهم الأحزاب ومنظّمات  » المجتمع المدني » واتّحاد الشغل، وهؤلاء هم الفرقاء في تونس (وهؤلاء هم الذين يبحثون عن حوار وطني يجمعهم)، يستقبلون الأجانب (الأمريكان والبريطانيين) كأصدقاء وداعمين، بل يطلبون منهم الدّعم: بما يعني أنّه،ومن ناحية الشّكل، أنّ الفرقاء التّونسيين – التّونسيين، سيجمعهم الأجنبيّ المستعمر. ليكون الحلّ « تونسي – تونسي » برعاية المستعمر.

  • أمّا من ناحية المضمون فالمتابع لمضامين اللقاءات بين الفرقاء التونسيين (كلّ على حدة) والمبعوثين الأجانب، يجد أنّها في أخصّ خصائص الشأن الدّاخلي التّونسي، فوزيرة الماليّة تعرض (هكذا) برنامج الحكومة على مبعوث البنك الدّولي الذي جاء يراقب ويتابع ويعدّل، وهيئة الانتخابات تقابل المبعوثة الأمريكيّة وتعرض تفاصيل العمل لتبدي نجابتها وحسن أدائها الدّيمقراطي، لتنال شهادة استحسان السّيّد الأمريكي الدّيمقراطي الذي يُعلن دعم الهيأة ويحذّر من طرف خفيّ من المساس بها (فهل سيمسّها الرئيس ويحلّها بعد أن حلّ مجلس القضاة؟). وهذا أمين عام اتّحاد الشّغل يلتقي مبعوث صندوق النّقد الدّولي ثمّ المبعوثة الأمريكيّة، ليتحدّث معهم في الشأن التّونسي الدّاخلي، بما يعني أنّه موافق من حيث المبدأ على هذا التدخّل الاستعماري، لكنّه متحفّظ (هكذا) مجرّد تحفّظ على بعض تفاصيل برنامج الصّندوق، بما يعني أنّ برنامج الصّندوق سيُمرّره اتّحاد الشّغل بعد أن يجمّل بمساحيق من الكلام الإنشائي عن قوت التّونسيين، والمحافظة عليه. فما شأن المستعمر بقوت التّونسيين، ولماذا يتحدّث الطّبّوبي عن قوت التّونسيين أمام جماعة الصّندوق؟ إلا إذا كان من باب الاستهلاك المحلّي المراد منه التغطية على الجريمة جريمة مشاركة اتّحاد الشّغل في تمرير وصفات الصّندوق، بعد أن عجزت الحكومات السّابقة عن تمريره.

  • كثافة الزيارات الأجنبيّة وعمق تدخّلها في أخصّ خصائص الشأن التّونسي حقيقة لا يُنكرها إلا مكابر أو متآمر، وتزايد وتيرتها في هذه الأيّام قد يعني أنّ الوضع السياسيّ « الجديد » في تونس في آخر أطواره.

فالأجانب الذين يسرقون قوت كلّ الشّعوب ويمتصّون دماءهم يجولون خلال تونس في عقر دار الحكومة (في وزارة الماليّة ووزارة الدّاخليّة….) ويلتقون من يشاؤون من الأحزاب ومن المنظّمات، ويتدخّلون في كلّ كبيرة وصغيرة في الشأن التّونسيّ. فأين الرئيس؟ وهل كان يُمكن عقد هذه اللقاءات دون علمه وإذنه؟ أمّا الاتّحاد الذي يتكلّم عن حلّ (تونسي – تونسي) فأين هو هذا التّونسيّ – التّونسي؟

ما نراه في أرض الواقع العملي حلّ بريطاني- أمريكي، بتنفيذ (تونسي- تونسيّ). وهذا ما أكّده -دون حياء، عصام الشابي حين صرّح لجريدة الصباح في عددها الصادر يوم السبت 26 مارس 2022، « قد نضطر لدعوة أطراف خارجية لفرض حوار وطني » وأن تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، قطعت شوطا كبيرا في وضع تصور لحوار وطنيجامع بين كل الفرقاء السياسيين ومن أهمها الاتحاد العام التونسي للشغل.

الأستاذ محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )