تونس تئن تحت وطأة نظام مأزوم
تونس تئن تحت وطأة نظام مأزوم
في كلمة العدد, مميز
December 5, 2020
343 زيارة
“الوضع الصحي ليس الأزمة الوحيدة التي تواجهها تونس وإنما هناك أزمة اقتصادية واجتماعية وهذه الأزمات عمقتها جائحة كرونا وهي وليدة تراكمات وسياسات متتالية…” هذا ما اجتره رئيس الحكومة “هشام المشيشي” خلال كلمة ألقاها أمام البرلمان ولو حذفنا كلمة جائحة كورونا من كلامه لكانت كلمته نسخة مطابقة لتلك التي أدلى بها “حبيب الصيد” ومن بعده “يوسف الشاهد” ثم “الياس الفخفاخ” فجميعهم وصفوا الوضع بالمتأزم وكلهم حملوا من سبقوهم وزر تلك الأزمات ولعنوا السياسات المتبعة وتبرؤا من الفشل الذي راكمته حكومات سابقة، وحتما سنسمع من رئيس الحكومة الذي سيرث منصب “هشام المشيشي” نفس الكلام، سيأتي إلى البرلمان و يلقي باللائمة على من سبقه ويردد تكرارا ومرارا، البلاد تعيش في أزمة والوضع كارثي و… فكل حكومة جديدة تلعن أختها التي سبقتها بالإجرام في حق البلاد والعباد بإجبارهم على تجرع مرّ النظام الديمقراطي الوضعي واخضاعهم للعيش تحت وطأة أزماته التي لن تنتهي الا بأنهائه واجتثاثه من جذوره، فهذا النظام مأزوم بطبعه ولن يتغير الحال ما دام جاثما على الصدور. وما تشهده البلاد اليوم من احتجاجات عارمة يندرج في خانة المطالبة بمعالجة الأعراض والتغافل عن سببها ومصدرها فالاحتجاج على تفاقم البطالة لن يجدي نفعا لأن هذا النظام يعتبر البطالة أمرا طبيعيا وأقصى ما يمكن فعله هو التخفيف من حدتها دون القضاء عليها, والشيء نفسه ينطبق على المطالبين بجودة الرعاية الصحية والمؤسسات التربوية الصالحة لاحتضان أبنائهم غير تلك الاسطبلات التي أطلقت عليها الدولة اسم مدارس ومعاهد.
أما آفة الفقر, فالنظام الوضعي يرجعها إلى نقص الإنتاج والحقيقة عكس ذلك تماما, فالإنتاج متوفر والثروات طائلة لكن المعضلة في كيفية توزيعها بشكل عادل بين الناس فثروات البلاد مقسمة بين عائلات محددة و بين خزائن المسؤول الكبير ويكفي أن يتوقف الانتاج في قطاع الفسفاط أو البترول حتى تسمع العويل والنحيب بسبب المليارات التي ذهبت هباء، وبمجرد أن تعود عجلة الانتاج للدوران تختفي تلك الأرقام ويسكن ضجيج اللطميات وتعود أكذوبة تونس لا تملك ثروات والثروة الوحيدة التي منحها الله لها هي ذكاء أهلها وقدرتهم الخرافية على تحمل الصعاب والمشاق ومؤازرتهم لدولتهم, هذه الدولة التي تسهر على أمنهم وسلامتهم والدليل هو عدد البالوعات المزروعة في كل شبر وتركتها الدولة مفتوحة وتسببت في ازهاق الأرواح، ووفرت لهم مستشفيات حولها الاهمال إلى بؤر خطيرة على حياة المرضى والاطارات الطبية على حد سواء.
أما الأمن الغذائي فهو متوفر إلى درجة أن هذه الدولة الحاملة للواء النظام الديمقراطي ألقت بأطنان من القمح على قارعة الطريق وتركت الكمية ذاتها من الزيتون عرضة لتعفن بتعلة أن وفرة المحصول فاجأتها وفاقت طاقة استيعاب مخازنها ولذا لا ترى غضاضة في اتلاف ما زاد عن المحصول المعتاد، واللامبالاة هذه تنتهجها الدولة تجاه كل ما يتعلق برعاية شؤون الناس ولم تترك مجالا إلا ولطخته بأدران النظام الديمقراطي المأزوم، وأغرقته في مستنقعه العفن. هذا ولا يقدر النظام الديمقراطي على ألا يكون غير مأزوم لأنه منبثق من عقيدة تخالف الفطرة ولا تقر بالاحتياج للخالق, وكل أفكاره ومفاهيمه خاضعة للأهواء, وقوانينه لا تخدم الا فئة معينه من مرضى القلوب والعقول الذين زين لهم التشريع من دون الله وأداروا ظهورهم لأحكامه. ومأزوم لكونه أنتج دولة لا هيبة لها نتيجة غياب العدل في كل ما تقوم به. وهو نظام مأزوم لخلوه من محاسبة الحكام على كل جرم اقترفوه فهو يوفر لهم الحصانة والمناعة. هو نظام مأزوم لأنه لم يوفر ولو الحد الأدنى من الثقة بين الحاكم والمحكوم, كلّ يلعن الآخر وكل يكره الأخر والشيء المحبوب في ظله هو السلطة, الجاه والمال الحرام.
هو نظام مأزوم لأنه يوفر ارضية خصبة للفساد والافساد وملاذا آمنا لكل فاسد مادام كما أسلفنا الذكر لا مكان للمحسابة بين دفتي دستوره ودهاليز مؤسساته المظلمة. لهذا كله هو نظام مأزوم. أما ما يحدث من أزمات كالتي عاشتها البلاد وتعيشها اليوم هي مجرد رجع صدى وظل عود يجب أن يكسر.
حسن نوير
December 5, 2020