تونس والاتحاد الأوروبي: تكلفة المرور من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية

تونس والاتحاد الأوروبي: تكلفة المرور من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية

قرّر الاتحاد الأوربي سحب تونس من القائمات السوداء ومنها بالخصوص القائمة السوداء للدول عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. هذا ما أعلن عنه رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود ينكر يوم الخميس 25 أكتوبر 2018 خلال استضافته في قصر قرطاج، ضمن زيارة رسمية إلى تونس يؤديها يومي 25 و26 أكتوبر 2018، تلبية للدعوة الموجهة إليه من رئيس الدولة.

وأبرز يونكر – مدغدغا مشاعر المصدقين لوهم الاستثمار- أن زيارته تندرج في إطار الحرص على تأكيد عراقة العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي ومتانة الشراكة الاستراتيجية بينهما مبرزا حرص الجانب الأوروبي على دعم « التجربة الديمقراطية الرائدة » في تونس والوقوف إلى جانبها من أجل تحقيق النموّ الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي ولمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي تنتهجها.

كما أفاد أن اللقاء بحث سبل تعزيز هذه العلاقات والتصدّي لمختلف التحديات التي تواجهها أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ونوّه بالدور المحوري الذي تضطلع به تونس كعامل استقرار في المنطقة وما تتيحه لها مكانتها المتميزة كنقطة وصل بين الفضائين الأوروبي والإفريقي من فرص لتعزيز الاندماج الاقتصادي بينهما بما يحقّق التنمية والاستقرار المنشودين للقارة الإفريقية. كما اعتبر الجانبان أن تحقيق الاستقرار لدول المنطقة يمر حتما عبر إيجاد تسوية سياسية شاملة للملف الليبي واعتماد مقاربة شاملة لمعالجة ظواهر الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية.

وأشرف رئيس الجمهورية ورئيس المفوضية الأوروبية على موكب توقيع أربع اتفاقيات تمويل لدعم تونس في مجالات الإصلاح القضائي والانتقال الطاقي والإصلاح الجبائي بقيمة جملية تناهز 270 مليون يورو.

هذه إذن ضريبة العدول عن وضع تونس على القائمات السوداء، ليمن عليها الاتحاد الأوروبي بنقلها إلى القائمات الرمادية، مقابل مزيد إغراقنا في الديون بقرض جديد وشروط جديدة تنتهك سيادة البلد المغتصبة، ومن يدري ما هي الشروط التي تنتظر حكام تونس وما هي ألوان القائمات القادمة !

بهذه البساطة، يريد هذا الوفد الأوروبي وبعض خدمه في تونس إقناعنا بأن الزيارة كانت فقط من أجل الإعلان عن خبر الإفراج عن الحكومة من سجن اللائحة السوداء، وأن « المسؤول الصغير » الذي سبق وأن استضاف في قصره بقرطاج وزير الدفاع الفرنسي ليهديه مفاتيح مدينة صفاقس العتيقة، قادر على إخراج البلاد من هذا النفق المظلم بمجرد ندوة صحفية يتم عقدها أو صور يقع التقاطها مع أسياده « الكبار »، في مشهد نفاق سياسي مقرف.

إن جلسة العمل التي صاحبت الزيارة والتي حضرها إلى جانب رئيس المفوضية جون كلود ينكر كل من سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس برغميني والمفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار ومفاوضات التوسع يوهانس هان، لم تكن متعلقة البتة بوضعية تونس ضمن الدول عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بل هذه الوضعية كانت ولا تزال فقط ورقة الضغط التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي (الذي ينعم بجنة ضريبية) مع أشباه الحكام وأقزام السياسة في تونس، وإنما كان موضوع الزيارة بالأساس، إرغام تونس على لعب دور جيش الحراسة لجنوب القارة العجوز، عبر مزيد انهاك المؤسسة العسكرية والهائها بتعقب أشباح الإرهاب الدولي المتربص وشبكات الهجرة السرية إلى دول أوروبا وبحماية المصالح الأوروبية في الشمال الأفريقي، فضلا عن مطالبتها بتبني الموقف الأوروبي حيال الملف الليبي قبل مؤتمر « باليرمو » وتزامنا مع تحرك عسكري محتمل لخليفة حفتر جنوب ليبيا بعد أن أخذ الضوء الأخضر من الأمريكان والروس.

ومع ذلك، فقد صاحب هذه الجلسة، توقيع اتفاقيات ارتهانية جديدة تشبع جوعة الحكومة التي سال لعابها وطال انتظارها لمسكنات تهدئ من روع هذا الشعب المكلوم، فكان الخيار الأوروبي متجها نحو إعطاء حكامنا دروسا جديدة في استقلال القضاء والانتقال الطاقي والإصلاح الجبائي كلفت دولة السبسي وشركاؤه 270 مليون أورو من خزينة بقايا الدولة في وقت يستمر فيه الدينار بالانزلاق والتهاوي أمام اليورو.

وقد وقع هذه الاتفاقية من الجانب التونسي وزير الاستثمار زياد العذاري، ومن الجانب الأوروبي المفوض يوهانس هان، مقابل ذلك أقام رئيس الدولة مأدبة غداء على شرف رئيس المفوضية الأوروبية والوفد المرافق له وعظم الله أجر شعبنا الكريم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )