حزب التحرير يرعب المسؤول الكبير وأذياله في تونس

حزب التحرير يرعب المسؤول الكبير وأذياله في تونس

تطرقنا في السابق لما حدث في كواليس جلسة منح الثقة لوزير الداخلية, حيث تجولت الديمقراطية في أروقة قصر باردو على هيئتها الحقيقة بدون زينة ولا مساحيق.. لقد أجبرت المصالح الشخصية والحزبية رهبان الديمقراطية على اعادتها سيرتها الأولى والظهور بكامل بشاعتها. وقبل تلك الواقعة وبعدها كان هناك من عرّى الديمقراطية وقدمها للناس على طبيعتها كما هي, وكما صنعها أصحابها الأصليون. فبعد أن نسف بنيانها من قواعده بالصراع الفكري, أمكن له أن يدك أسوارها وحصونها بالكفاح السياسي. اضافة إلى فضحه كل ما دبر بليل في الأقبية والغرف المظلمة تجاه الأمة ودينها.

انه حزب التحرير الذي خرج من رحم معاناة الأمة الاسلامية, ومن جوف العتمة التي أغرق فيها المستعمر المسلمين بمعونة أذياله من حكام ومضبوعين بحضارته من بني جلدتنا. فكان النور الذي أضاء الطريق نحو النهوض والانعتاق من ربقة مفاهيم الحضارة الغربية, والنار التي أتت على دنس تلك الحضارة ونقت الأفهام من جميع الأدران والقاذورات. وقد عجز سدنة النظام الديمقراطي وحراس معبده على الصمود فكريا أمام الضربات القاسمة التي وجهها الحزب لنظامهم, بل عجزوا حتى على مجرد مجاراته, لأن كل عتاده مستمد من الوحي قرآنا وسنة. ولم يتزود في حربه الفكرية بحرف واحد من خارج حصن الوحي المكين. والسبيل ذاتها سلكها الحزب في كفاحه السياسي, فلم يتخذ غير أحكام الإسلام سبيلا. وهذا ما أقض مضاجع زعماء القوى الاستعمارية, فهم يدركون تمام الادراك أن ما يعمل حزب التحرير على اقامته لن يترك لهم مجالا للرتع في بلاد المسلمين من جكارتا إلى سواحل تطوان, بل أكثر من ذلك سيخلص العالم من شرور النظام الديمقراطي.

انها دولة الخلافة التي لمس العالم عدالتها طيلة قرون عدة. وكما استعانوا في اسقاط دولة الخلافة وتغييب الاسلام عن الحكم وسائر مجالات الحياة بدمى صنعوها على أعينهم ويحركونها وفق مشيئتهم, ها هم يستعينون بالأداة ذاتها للحيلولة دون استئناف الحياة الاسلامية وعودة دولة الخلافة من جديد. فقاموا بتحريك دماهم لتمنع حزب التحرير من القيام بأي عمل يفضح دسائسهم, ويجعل أبصار الناس وبصائرهم متجهة صوبها. يحصل هذا في كل بلد يتواجد فيه حزب التحرير دون استثناء, وخاصة في تونس التي شهدت ربوعها بداية ثورة أيقنت قوى الاستعمار أن حزب التحرير قادر على ترشيدها ووضعها على الطريق المؤدية نحو اقامة دولة الاسلام. دولة الخلافة.. وبموجب الثورة لم يعد بمقدور تلك الدمى أن ترفع عصى البطش صراحة. بل استعاضتها بعصى تؤدي نفس الدور دون أن تترك أثرا يدل على أن هناك جرما أقترف في حق من صدح بالحق وأمسك باللص متلبسا وهو يجوس خلال ديارنا.

فمن بين ما يربو عن مائتي حزب في تونس لم يقع التضيق إلا على حزب التحرير فهو ممنوع من الاعمال الجماهرية, وممنوع من ايصال رأيه في ما يقع من أحداث للناس. والسبب جليّ ولا يحتاج إلى توضيح. فهو وكما أسلفنا الذكر سنده الوحيد هو وجهة نظر الاسلام دون سواها. فكل مواقفه وآرائه منطلقها ومنتهاها وجهة نظر الاسلام. ولهذا لا تجده يلتفت مطلقا لما لم ينبثق عن العقيدة الاسلامية. ولهذا أخفقوا في جعله يولي وجهه شطر ما أوحت به شياطين الغرب لبعض المتأسلمين. فلبسوا الحق والبطال, وزعموا افكا وبهتانا بأن جعلوا من الديمقراطية جزء لا يتجزأ من الاسلام, وأن الحرية الشخصية وحرية المعتقد من صلب ما جاء به الاسلام. فافعل ما شئت إن الاسلام يسمح لك بذلك. تماما كما هو في العلمانية والنظام الديمقراطي.

كما أنهم استعصى عليهم تدجينه وجعله من المتمسحين على أعتاب السفارات الأجنبية يطلب مَنّها وفضلها كما هو حال باقي الأحزاب وخاصة من هم في الحكم. والسبب الأهم في التضييق على حزب التحرير هو سعيه الدؤوب إلى التغيير وقلع النظام الحالي من جذوره. فلا قبول بأنصاف الحلول ولا مكان في منهجه إلى الركون والاستكانة. فهو حزب مفاصلة لا حزب مداهنة. وهذا هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي حذره المولى عز وجل من مغبة الركون للذين ظلموا. وهذا ما لم يقوى غير حزب التحرير على اتباعه. فأطراف الحكم ينشدون مع مرضاة الله مرضاة المسؤولين الكبار للدول الاستعمارية فلبسوا الحق بالباطل. وحرفوا الكلم عن مواضعه طمعا في متاع قليل لا يغني عنهم من الله شيئا.

فمثلا خرج الكثيرون معبرين عن رفضهم لتقرير لجنة المساواة والحريات الفردية. واستنكروا ما جاء فيه من مخالفات للآيات قطعية الدلالة وخاصة في ما يتعلق بالمواريث. جميعهم عبروا عن رفضهم لما جاء في التقرير ولم تمنعهم وزارة الداخلية. واختفت تعلة البلاد في حالة طوارئ. تماما مثلما اختفت لما نظم  دعاة الشذوذ الجنسي والمجاهرون بالإفطار في رمضان وقفات في قلب العاصمة, وحظيت تلك الوقفات الرافض منظموها لما جاء في تقرير لجنة الحريات بتغطية اعلامية واسعة ولم يعترض عليها لا المسؤول الكبير ولا أذنابه. والسبب أن جميعهم احتكم في رفضه للتقرير إلى ما هو أشد فظاعة منه, بل المفسدون التسعة استندوا على افكهم وافترائهم على الله في ما ورد فيه وما كفله لهم. انه الدستور.

على عكس حزب التحرير الرافض لكل ما يخالف العقيدة الاسلامية وأول ذلك هو الدستور الذي هو الخط الأمامي للصد عن سبيل الله, لذلك منعوه لما خرج للناس رافضا لتقرير لجنة المساواة والحريات الفردية. منعوه لأنه يريد الاسلام دون تحريف أو تزييف. منعوه لأنه لا يرضى أن يعبد مع الله الاه أخر. وهو ما قامت به قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقريش لم تجد ضيرا في أن يعبد الله دون أن تترك عبادة الأوثان, وقد دعت رسول الله إلى ذلك. وهؤلاء لا يجدون حرجا في أن يطالب البعض بتطبيق بعض أحكام الاسلام لكن شريطة أن يرفع لواء الديمقراطية والتقيد بالدستور الوضعي إلى حد التقديس.. لقد رفض رسول الله مطلب قريش مما جعل عتاتها والقائمين على نظامها يشنون عليه وعلى من اتبعه حربا شعواء. وسخروا كل طاقاتهم لمنع وصول دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس. وحزب التحرير الذي لم يتخذ ولن يتخذ غير رسول الله اسوة. لم يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه. ولم يخشى في دعوته إلا الله سبحانه. لهذا ضيقوا عليه وعملوا كل ما في وسعهم على فصله عن الناس. لأن ما يدعو اليه يرعبهم وترتعد له فرائسهم. إنه الاسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. غير معدل ولا مبدل. وكما اسقط من ايدي قريش وعتاتها, سيسقط من يدي كل مسؤول كبيرا كان أم صغير. وسيرد على عقبيه خاسئا هو وأذياله الذين يمكرون بالليل والنهار بحزب التحرير.

ولهؤلاء نقول, إن استطعتم أن تمنعوا الشمس من البزوغ. وأن تمنعوا الهواء. امنعوا حزبا من بلوغ غايته. فغايته هي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن وكالهواء الذي يتنفسه الناس. هو الاسلام الذي أراد له الله أن يظهر على الدين كله ولو كره أعداءه وأذيالهم. وحزب التحرير حريص على ذلك, فاقضوا ما أنتم قاضون.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )