حكومة التحالف تضع تونس أمام كوميسيون مالي جديد

حكومة التحالف تضع تونس أمام كوميسيون مالي جديد

إن القروض الخارجية لتمويل المشاريع كانت ولا تزال من اخطر السياسيات على البلاد, ولطالما عانت الأمة منه من البلاء ما عانت, وكانت طريقا لاستعمار البلاد, وما احتلال فرنسا لتونس إلا عن طريق الديون.

فقد اتجه الباي للاستدانة من أوروبا نزولا عند نصيحة من « أصدقائه » الغربيين, وفي أقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك, فاتخذت الدول الأوروبية ذلك حجة للتدخل. واقترحت فرنسا تشكيل لجنة مالية ووافقتها بريطانيا وايطاليا وصدر مرسوم من الباي سنة 1870م بتشكيلها من فرنسيين وانجليز وايطاليين يرأسها موظف فرنسي. وجعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين. لينتهي بها المطاف تحت الحماية الفرنسية بإمضاء معاهدة باردو في 12 ماي 1881م ثم الانتقال من كونها محمية فرنسية إلي مستعمرة بعد إمضاء اتفاقية المرسى في 8 يونيو1883.

واليوم وبعد القرن ونصف يبدو وكأن التاريخ تعيده نفس الأيادي أو شبيهاتها, إذ تعيش البلاد التونسية أزمة اقتصادية ومالية حادة. تجاوزت نسبة المديونية 63%   سنة 2017 ومن المتوقع أيضا تجاوز خدمة الدين 5.3 مليار دينار منها 1.85 مليار دينار لفوائد الدين و 3.28 مليار دينار أصل الدين . كما تم حصر العجز في ميزانية الدولة لسنة 2016 في حدود 3.8 % من الناتج المحلي الإجمالي .

في ظل ظروف كهذه من الهشاشة الاقتصادية والمالية القصوى تواصل حكومة التحالف بقيادة « نداء تونس » سياسة الباي في الاتجاه إلى الاستدانة من الدول الاستعمارية. والدليل علي ذلك ما فرضه صندوق النقد الدولي من إصلاحات هيكلية تهم أساسا رسملة البنوك العمومية, وتدعيم « استقلالية » البنك المركزي والشراكة بين القطاعين العام والخاص, ومراجعة منظومة الدعم, والتحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرف العمومي والمصادقة على المشروع الإصلاح الجبائي.

اجتهدت حكومة التحاف الحاكم في تنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي اجتهاد التلميذ المتفاني لتتم في 06 أوت 2015 المصادقة على رسملة البنوك العمومية, وفي 13 نوفمبر 2015 على قانون شراكة بين القطاع عام والخاص والإعلان في ميزانية 2016 عن إيقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية والمضي قدما في التقليص من دعم المحروقات . كما تم في 11 أفريل 2016 المصادقة على مشروع قانون النظام الأساسي للبنك المركزي . و في 10 ماي 2016 تم تغيير جدول أعمال مجلس النواب لمناقشة والتصويت على مشروع القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية دون احترام الآجال القانونية المحددة في النظام الداخلي للمجلس, تحت دعوة اشتراط صندوق النقد الدولي لإصدار هذا القانون قبل موعد انعقاد جلسة الصندوق المقررة يوم 13 ماي 2016 التي درس فيها منح تونس قرضا بقيمة 2.8 مليار دولار. بغض النظر عن البحث في نجاعة الحلول والإصلاحات المفروضة من الصندوق النقد الدولي من عدمها, فان تطبيق التحالف الحاكم بقيادة حزب الرئيس السبسي شروط هذه المؤسسة المالية الدولية قد بين مدى استعدادها للتخلي عن سيادة البلد ومقدراته, خاصة أن الأمر لا يقتصر على الارتهان لشروط و برامج صندوق النقد الدولي فقط, ذلك أن الحكومة قد عهدت بالسهر على تنفيذ و تسويق للمشاريع التي يتضمنها المخطط الخماسي لتونس 2016 – 2020 لدومينيك ستروس المدير السابق لهذا الصندوق و المتعلقة به شبهة فساد أخلاقي و مالي بعد إفلاس البنك LSk الذي أسسه مع تيري لينيس .

هذا وتسعى حكومة التحالف الحاكم بقيادة حزب السبسي إلي إمضاء اتفاقية التبادل الحر المعمق مع الاتحاد الأوروبي وقد بدأت المفاوضات بالفعل مع 28 مفوضا من الجانب الأوروبي يوم 28 أفريل 2016. لم تكتفي الحكومة في رهن البلد بتنفيذ ما يمليه صندوق النقد الدولي أو بالدخول في مفاوضات يفرضها الاتحاد الأوروبي لإمضاء اتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي بل ترغب في تركيز مسؤولين من وزارات أمريكية مختلفة داخل الوزارات والمؤسسات العمومية التونسية وذلك حسب ما جاء في التقرير الأخير حول ميزانية الحكومة الفيدرالية الأمريكية المخصصة للشرق الأوسط لسنة 2017 لمنظمة « مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط « . كما تحدث التقرير عن وجود مستشار دائم من وزارة الخزانة الأمريكية داخل البنك المركزي.

ارتفاع نسبة المديونية, وإخضاع البلاد في أمنها الاقتصادي والاجتماعي لبرنامج صندوق النقد الدولي والتفاوض في سرية وبشروط الاتحاد الأوروبي وقوانينه ووجود موظفين أمريكيين يراقبون ويسهمون في رسم السياسات بالوزارات والمؤسسات الحكومية التونسية واتفاقيات تعاون عسكري غير متكافئة, كل هذه المظاهر تعيد لأذهان الشعب التونسي أحداث درسوها في حصص التاريخ عن النكبة عاشتها البلاد تلتها سنوات عانى فيها أجدادهم هول المستعمر وظلمه.

بعد كل ما جرته علينا القروض الخارجية من ويلات الاستعمار والتحكم في مقدراتنا وبعد كل هذا التهديد بالفقر نجد حكومة التحالف المتأرجحة بقيادة السبسي لا ترى لنا تنمية ولا ازدهار إلا تحت وصاية الغرب الاستعماري ومنظماته ودوائره ولوبيات الفساد المحلي التي تدعي محاربتهم والانتصار لمصالحهم على حساب أحلام هذا الشعب المقهور, بعمل ومسكن لائق ومعيشة كريمة ومستقبل لهم ولأبنائهم, فهل ستكون معركة التحرر الحقيقي من ربقة الاستعمار والهيمنة الغربية الأوروبية بالأخص من نصيبهم؟ أم نذر عاصفة حراك تلوح نسائمها الأولى في الأفق والسيادة للشرع, واسترداد الثروات, والقضاء على الفساد.

محمد علي الغرايري

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )