حملة الرئيس على القضاة … لمصلحة من؟

حملة الرئيس على القضاة … لمصلحة من؟

حملة الرئيس على القضاة، شغلت النّاس وملأت واجهات الصّحف وعناوين الأخبار، يزعم الرئيس قيس سعيد أنّ القضاء في تونس يحتاج إلى عمليّة تطهير كاملة وشاملة، لأنّ القضاء والقضاة عمّهم الفساد. ولأجل ذلك دعا وزيرة العدل في أكتوبر الماضي وتحدّث عن مرسوم رئاسيّ يُعدّل قانون سير المجلس الأعلى للقضاء، وكثر الحديث عن حلّ هذا المجلس، وفي خطوته الأخيرة أصدر الرئيس مرسوما يلغي به جميع امتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، واعتبر المرسوم خطوة متقدّمة للهيمنة على القضاة وتهديدا لاستقلاليّة القضاء خاصّة وأنّ الرئيس ما فتئ يعلن أنّ القضاة موظّفون لدى الدّولة وأنّهم لا يملكون التّشريع إنّما مهمّتهم الوحيدة تطبيق القانون قانون الدّولة.

لماذا يُهاجم الرئيس القضاة؟

  • تحميل مسؤوليّة الفشل الحالي للقضاة: كلّ خطوات الرئيس منذ 25 جويلية فاشلة أو ناقصة، والأزمة تشتدّ مع مرور الأيّام وبدأ الرأي العامّ يلتفت إلى الرئيس ليُحمّله مسؤوليّة الأزمة الحاصلة، خاصّة وأنّ الأحزاب السياسيّة كلّها أبعدت عن دائرة الحكم، فعلى من ستقع التّبعة؟ لم يبق أمام الرئيس إلا القضاة والقضاء، هم إذن المسؤولون عن الفساد المستشري، القضاة هم الذين يُعطّلون سير المحاكمات، والقضاة هم الذين يتسبّبون في الإفلات من العقاب، والقضاة هم الذين يتلكّؤون في القبض على الإرهابيين (هكذا)، ولأجل ذلك فعلى التّونسيين أن ينتظروا الرئيس حتّى يُطهّر القضاء ليحقّق أهداف الثّورة. لأنّهم يحمون الفساد والفاسدين.

  • الهيمنة على القضاة: واضح من كلام الرئيس ضدّ القضاة أنّه ساع إلى الهيمنة عليهم، فواضح من تكرار الاتّهامات الموجّهة للقضاة بالبطء حينا، وبالتسبّب في الإفلات من العقاب حينا، أنّ القضاء والقضاة لا يسيرون كما يريد الرئيس، فقيس سعيّد يريد تصفية « خصومه » السياسيين قضائيّا، لكنّه لم يستطع ذلك. ففي حالة نور الدّين البحيري مثلا قال مراد المسعود أنّ ثلاثة قضاة رفضوا تعليمات من الرئيس لإصدار بطاقة إيداع بالسّجن ضدّ نور الدّين البحيري بسبب عدم توفّر أدلّة إدانة، فالقضاة ليسوا رهن إشارة الرئيس، ولذلك انطلق في كلّ مرّة يكيل لهم الاتّهامات بالفساد وبأنّهم تسلّلوا إلى قصر العدالة لخدمة أحزاب سياسيّة.

قيس سعيّد ومنذ 25 جويلية وهو يزعم أن سيصحّح مسار الثّورة، ولكنّه وبعد مرور 6 أشهر لم يزد البلاد إلا غرقا، فمن المسؤول؟ الرئيس يُحمّل الدّولة العميقة المسؤوليّة، ويلمّح أنّ كثيرا من القضاة هم جزء من هذه الدّولة العميقة فقد قال يوم الخميس الفارط « إن نظاما خفيا ما زال يحكم البلاد »، ثمّ أضاف « هناك إرهابي أطلق سراحه بعد أن قبضت عليه قوات الأمن بدعوى أن القضاء حر… وهناك جملة من القضايا التي بقيت عالقة لسنوات طويلة أمام القضاء وهناك قضايا جارية منذ 10 سنوات« .

إذن ففساد القضاء عند الرئيس « قيس سعيد » منحصر في « فساد » القضاة.

ولكن هل فساد القضاء في تونس هو مجرّد قضاة فاسدين؟

القضاء في تونس كغيره من القطاعات الحسّاسة لم يسلم من التدخّل الأجنبي الغربي. فقد وضع الأوروبيّون برنامجا أسموه « دعم إصلاح القضاء التونسي » لسنتي 2012 و2015، وهذا البرنامج أشرف على تمويله الاتحاد الأوروبي، وهو برنامج يشترط على السلطة التونسية تنفيذ جملة من الإجراءات في قطاع القضاء كي يتم التمتع بأقساط التمويل، وقد وضعت هذه الإجراءات وفق تصور الاتحاد الأوروبي لما يجب أن يكون عليه قطاع القضاء في تونس. فهل سيكون القضاء خادما لأهل تونس أم سيكون خادما للاتّحاد الأوروبي؟ هل الاتّحاد الأوروبي جمعيّة خيريّة تريد أن تساعد الشّعب التّونسيّ؟ أم هو قوى غزو واحتلال تسعى للهيمنة على الشّعوب؟ الجميع يعلم أنّ الاتّحاد الأوروبي قوّة استعماريّة نشأت من أجل مزاحمة أمريكا في اقتسام العالم والهيمنة عليه، وهذه الدّول لا تنفق يورو واحدا إلا من أجل مصالحها، من أجل الهيمنة.

يتدخل الاتحاد الأوروبي في عمل المنظومة القضائية التونسية من خلال الدعم المالي المشروط.

فكيف يمكن للقضاء التونسي أن يكون مستقلا عندما تكون موارد تمويله خاضعة للإملاءات الغربية الأجنبية؟! هذا ما سكت عنه قيس سعيّد نعم التدخّل الاستعماري في تسيير شؤون الدّولة لا تطاله المراسيم الرئاسيّة بل ترسّخه وتحميه تحت عنوان كبير هو الانتقال الدّيمقراطي وإرساء الدّيمقراطيّة الحقيقيّة.

إصلاح القضاء أم تغريبه؟

أساس البرنامج الأوروبي « دعم إصلاح القضاء التونسي » كما تنصّ الاتفاقيّات المموّلة أوروبيّا على ضمان « الانتقال الديمقراطي في تونس »، وعنوان « الانتقال الديمقراطي في تونس » هو اللازمة المتكررة بصفة آلية في جل اتفاقيات الدعم أو التعاون أو الشراكة الدولية بين تونس والاتحاد الأوروبي أو بين تونس والدول الغربية عموما.

ولا يخفى أنّ هذا العنوان هو بمثابة التأكيد على إقصاء الإسلام عن الحكم والتشريع. نعم القوى الغربيّة تدخّلت في بلادنا منذ القرن التاسع عشر، وكان أكبر همّها أن تجعلنا تابعين لها في كلّ شيء في الفكر والتّشريع والاقتصاد وغيرها من المجالات، ولكي تضمن تبعيّتنا كان لا بدّ من إزاحة الإسلام لأنّ الإسلام نظام متكامل عقيدة وتشريعات وأحكام وسياسات، وهو الذي يمثّل صدّا لكلّ اقتحام غربيّ، وعليه فكان لا بدّ من إزاحة الإسلام من التفكير والتشريع. وازداد هذا الأمر بعد الثّورة بعد أن رأت القوى الغربيّة أنّ المسلمين في تونس أسقطوا رأس النّظام الذي وضعتهتلك القوى وصار كلّ النّظام الغربي في تونس مهدّدا، فازداد تدخّلهم عمقا حتّى طال قطاع القضاء نعم الأوروبّيّون يريدون السيطرة على القضاء وضمانه كأداة للسيطرة وتنفيذ التشريعات العلمانيّة الوضعيّة التي يريدونها، ولأنّ ضمان القضاء هو ضمان لعملائهم وإبعاد لهم عن المحاسبة، وما نظام الحصانات التي ابتدعها الغربيّون وفرضوها علينا إلا وجها من وجوه هذه السيطرة القبيحة، أمّا عن نظام التّقاضي الغربي، فهو نظام معقّد بطيء يضيع الحقوق ولا يحفظها، وهو من صنيع الغرب وقوانينه وتشريعاته التي يُراد لنا أن نتّيعها، هذا عدا عن القوانين الفاسدة التي تحكم المنظومة برمّتها ويُطلب من القضاة تنفيذها.

إذن الفساد في النّظام القضائيّ ليس فسادا في أشخاص القضاة إنّما هو نتيجة للنّظام العلماني المفروض على بلادنا ونتيجة للتّدخّلات الأجنبيّة الغربيّة الاستعماريّة التي تريد من تونس أن تكون مجرّد بلد تابع لها.

 فهل حرب قيس سعيّد على القضاء من أجل إصلاحه فعلا بإنهاء السيطرة الأوروبيّة عليه؟

الجواب قطعا لا، فقيس سعيّد علمانيّ حتّى النّخاع يقدّس القوانين الغربيّة ولا يرى مانعا من التدخّلات الأجنبيّة، بل هي سنده الذي يستند إليه، وكذلك أغلب مكوّنات الجهاز القضائي في بلادنا فهي علمانيّة.

ففيم الصّراع بينهم إذن وعلى أيّ شيء ولمصلحة من؟

فإذا كانت القوانين وضعيّة تفرضها التدخّلات الغربيّة، فكلّ عمل في إطارها محكوم بشروطها، ويغدو كلّ حديث عن إصلاح القضاء من قبيل الأوهام والتضليل أو الضّلال، وكلّ حديث عن استقلال القضاء مجرّد مزاعم لا حقيقة لها.

فمتى نتحرّر؟

يتأكّد مرّة أخرى أنّنا في تونس بلد تحت الوصاية في كلّ شيء وأنّ معركة التّحرير من الاستعمار مازالت مستمرّة، وأنّ التحرير لن يتحقّق بشروط الغرب وأدواته بل يتحقّق بأن نتحرّر من قيوده عقائده الفاسدة وتشريعاته الظّالمة. وأن نعود إلى إسلامنا العظيم بعقيدته المستنيرة وتشريعاته الربّانيّة العادلة.

الأستاذ محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )