دعوة إلى إبطال الاتفاقية الاستعمارية  المتعلقة باستغلال السّباخ والملاّحات

دعوة إلى إبطال الاتفاقية الاستعمارية المتعلقة باستغلال السّباخ والملاّحات

نظم الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين (فرع تونس) بالاشتراك مع « جمعية مناهضة الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية » مؤتمرا صحفيا تحت عنوان « قضية إبطال الاتفاقية الاستعمارية المتعلقة باستغلال السّباخ والملاّحات » المنشورة لدى المحكمة الإدارية تحت عدد (157470)، وذلك صباح يوم الأربعاء 30/10/2019، بنزل الماجستيك بالعاصمة، وقد شهد المؤتمر حضورا صحفيا وإعلاميا مكثفا إلى جانب عدد من المحامين ورجال القانون.

         افتتح المؤتمر الأستاذ فتحي بن مصطفى الخميري، عضو الاتحاد الدولي للمحامين ومنسق هيأة الدفاع في ملف القضية، موضحا أن ملف هذه الدعوى قد تم رفعه لدى المحكمة الإدارية بتونس، منذ تاريخ 30 أفريل 2019، وضمن تحت عدد (157470) وذلك نيابة عن « جمعية مناهضة الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية« .

         وقد وضح الأستاذ موضوع الدعوى بكونها تتعلق بطلب إصدار حكم يصرح ببطلان الاتفاقية، المؤرخة في 2 أكتوبر 1949 والممضاة من قبل ممثل الدولة التونسية آنذاك وهو فرنسي الجنسية منصب من سلطة الاحتلال وممثل الشركة الفرنسية « كوتيزال » « COTUSAL ». ويتعلق موضوعها بإسناد رخصة الاستغلال الحصري للملاحات والسباخ لفائدة الشركة المستفيدة.

         فالاتفاقية تكون بذلك قد تم إمضاؤها في وضع استعماري ظالم مبنيا على الغصب والإكراه والظلم وهو ما يصادر ركنا أساسيا من أركان العقد المتمثلة في الرضاء والأهلية، كما أن طرفا الاتفاقية، باعتبارهما فرنسيين يمثلان الاستعمار، قد تعاقدا بخصوص ثروة تعود بالملكية إلى أمة أخرى، مع العلم أن بلادنا كانت حين ذلك التاريخ تعتبر « إيالة »، أي ولاية تؤول بالنظر إلى السلطة المركزية للخلافة العثمانية، فلم تكن لها سيادة ولا أهلية لإبرام الاتفاقيات مع الأجانب، لذلك فهي اتفاقية باطلة بطلانا مطلقا.

         ومن جهتها أشارت الأستاذة حنان الخميري – المحامية لدى التعقيب – وعضوة الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين، أنه طالما وأن الاتفاقية موضوع القضية كانت معيبة بالبطلان المطلق، فإن جميع موادها وشروطها تكون باطلة ولا عمل عليها. وتأسيسا على ذلك كشفت الأستاذة أن رسالة التنبيه الموجهة إلى حكومة يوسف الشاهد بتاريخ 18/02/2019، تعتبر رسالة باطلة، لأنها تقديت بشروط الفصل الثالث من الاتفاقية التي توجب ضرورة توجيه تنبيه مسبق بأجل عشرة سنوات قبل إيقاف العمل بالاتفاقية. وهذا الشرط المجحف والظالم هو شرط باطل باعتباره يشكل جزءا من اتفاقية باطلة. فتفعيل العمل بهذا الشرط يعتبر إقرارا صريحا باتفاقية ظالمة وخدمة مجانية قدمها رئيس الحكومة لفائدتها. وفي نفس السياق أشارت الأستاذة حنان الخميري إلى كون محضر التنبيه الموجه من قبل حزب التيار الديمقراطي بتاريخ 07/03/2018 إلى رئيس الحكومة، يندرج بدوره ضمن هذه المغالطة والتضليل باعتباره يطالب الحكومة بالالتزام بشرط التنبيه المسبق الذي يعطي للشركة الناهبة أجل عشر سنوات للمزيد من النهب والاستغلال لإحدى عناصر الثروات الطبيعية للبلاد!!! وفي هذه المواقف والمطالبات مغالطات وتضليل عن حقيقة الخلفية الاستعمارية الظالمة لتلك الاتفاقية والتي كان ينبغي أن يتخذ بشأنها إجراءا وحيدا وموقفا وحيدا وهو إلغاؤها بصفة كلية وفورية وليس انتظار مرور عشر سنوات أخرى من الظلم والنهب لفائدة الشركة المستغلة.

         وفي مداخلة أخرى تناول الأستاذ عماد الدين حدوق بعدا آخرا للقضية ملاحظا أن ملف هذه الدعوى يمثل شجرة من غابة، والموقف يستدعي استحضار جميع ملفات النهب التي تتعرض لها الثروات الطبيعية لبلادنا في مادة النفط والمناجم وذلك من قبل الشركات الاستعمارية الناهبة سواء منها الفرنسية وخاصة الانقليزية مثل شركة « بريتش قاز ». وقد حمل الأستاذ حدّوق النظام مسؤولية استباحة خيرات الأمة وثرواتها. مضيفا أن قيام « الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين » برفع قضية في إبطال الاتفاقية الظالمة موضوع الملف لا يعني أن حل الوضعية الاستعمارية لبلادنا وكذلك سائر بلاد المسلمين يمكن أن يمر عن طريق القضاء، مؤكدا أن المخرج الوحيد لهذا الواقع الاستعماري لا يمكن أن يكون إلا سياسيا بقيام دولة تحمل مسؤولية الرعاية والحماية لثروات الأمة. أما القضية الواقع نشرها فإنها تمثل جهدا قضائيا يقع بذله بغاية إثارة الوعي لدى الرأي العام بالواقع الاستعماري للأمة.

         وبعد عرض مختلف الجوانب القانونية لملف القضية تنازل الكلمة السيد الأزهر السمعلي – الخبير الدولي في المناجم والنفط – وهو كذلك رئيس « جمعية الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية » التي تم رفع القضية لدى المحكمة الإدارية نيابة عنها، وقد تولى السيد الأزهر السمعلي، عرض الجانب الفني للملف، وتميّزت مداخلته، بوصفه خبير مختص، بزخامة المعلومات والأرقام المبنية على دراسات علمية تكشف حقيقة الخسارة اللاحقة باقتصاد البلاد جراء استفراد شركة « كوتيزال » باستخراج مادة الملح. والصلاحيات الواسعة الممنوحة لها إلى جانب غياب آليات الرقابة والمحاسبة، وهو الوضع الذي حرم اقتصاد البلاد من رافد هام للتنمية يذهب إلى جيوب مسؤولي الشركة المذكورة. ولاحظ السيد الأزهر السمعلي أن شركة « كوتيزال » تروج لمزاعم باطلة، يعاضدها في ذلك السفير الفرنسي وأبواقه المحلية، ومفاد تلك المزاعم أن ثروة الملح غير ناضبة وغير متناهية (inépuisable). وكشف أن تلك الأراجيف لا أساس لها من الصحة باعتبار أنه ثبت علميا أن الملاحات تشكل مناجم مهددة بالنضوب والشيخوخة تحت ضغط عمليات الاستنزاف المتواصلة لمدخرات البلاد من الأملاح المعدنية التي تمتاز بنسبة ملوحة قياسية. وأدلى في هذا الصدد بأرقام ومعطيات علمية مبنية على دراسات قامت بها مراكز أبحاث مختصة أجنبية ووطنية. وقد وصف الخبير السيد الأزهر السمعلي شركة « كوتيزال » بأنها « أخطبوط عابر للقارات » باعتبار تمدد أضلعها عبر مناطق متعددة في العالم، وبذلك اكتسب قوة تدميرية ضاربة  للاقتصاديات المحلية والتحكم في القرارات السياسية للبلدان مستحضرا عديد الأمثلة الواقعية في هذا المجال. يجدر التذكير أن السيد الأزهر السمعي – الخبير المعروف في مجال النفط والمناجم – قد سبق أن تعرض للاعتقال والسجن في عهد المخلوع، وذلك خلال سنة 2009 بسبب كتابته لمقال يحمل عنوان « إنتاج الملح في تونس: التنمية المبددة والسيادة المهدورة » وخصصه لفضح حجم النهب والاستغلال الذي تقوم به شركة « كوتيزال » في ظل تغطية وصمت مريب من النظام القائم، وقد تم نشر ذلك المقال على صفحات جريدة « الموقف » بتاريخ 31/07/2009.

         وبعد استكمال مداخلات المؤتمر تم فسح المجال للنقاش وإلقاء الأسئلة حول السند القانون للقضية ومآلتها المنتظرة إلى جانب طرح أسئلة ذات بعد فني تتعلق بانعكاسات الاتفاقية على اقتصاد البلاد، ومدى الخسارة الفادحة التي حرم منها منوال التنمية بفعل هذه الاتفاقية.

         وفي الختام لاحظ فريق الدفاع أن إبطال هذه الاتفاقية كان يفترض أن يتم إنجازه فور الإعلان عن الاستقلال المزعوم أي منذ أكثر من ستين عاما، لكن الحفاظ على هذه الاتفاقية يقوم شاهدا على أن هذا الاستقلال لم يكن حقيقيا، بل إن حكومة ذلك الاستقلال المزعوم بعدما عمدت إلى الانقلاب على السلطة الشرعية القائمة آنذاك وإعلان الجمهورية في 25/07/1957، أصبحت وريثة الاستعمار في القطع مع هوية الشعب التونسي وقيمه الأصيلة في مقابل التمديد للاتفاقيات الاستعمارية. واليوم بعد الثورة، تم رفع شعار « الشعب يريد« ، والأكيد أن شعبنا يريد أن يتحرر من الاستعمار والاستغلال والتبعية شأنه شأن بقية الأمة الإسلامية، الأمر الذي يقتضي من حكام اليوم اتخاذ قرارات فورية بالقطع مع الاستعمار وأدواته الناهبة لثروات البلاد. فالأكيد أن السياسة ليس تصريحات وأقوال وإنما هي أعمال ومواقف، « فالشعب يريد » نعم، لكنه يراقب وينتظر، والله تعالى على الجميع رقيب حسيب.

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )