ذكرى انطلاق الثورة… بطعم الاستبداد

ذكرى انطلاق الثورة… بطعم الاستبداد

      عاشت تونس يوم أمس إحياء الذكرى السابعة لانطلاق الثورة على وقع اعتقالات ومداهمات لمقر حزب التحرير « بسيدي بوزيد« , فالدولة العميقة التي تظاهرت بتبني الحراك الثوري لا تستطيع إخفاء وجهها الحقيقي تجاه أي من مكتسبات الثورة ولو كان احتفالا بسيطا لإحياء ذكرى الشرارة الأولى للثورة التي أمتد لهيبها في سرعة مذهلة الى العديد من أطراف الامة في مصر وليبيا واليمن وسوريا, وأرعبت بنتائجها عديد حكام البلاد الاسلامية الاخرى.
تونس الشرارة الاولى
        ما حصل في تونس كان الشرارة أو القادح الذي احدث مفعوله في منطقة قابلة للاشتعال وهي المنطقة الإسلامية التي تعيش منذ عشرات السنين تحت وقع احتلال عسكري تبعه احتلال حضاري , ودول قطرية قومية اسسها الاحتلال بداية وستمر على رعايتها وكلاء الاحتلال وعملاؤه من الحكام. كانت دول تابعة للمستعمر مفروضة على الامة والمجتمع رغم الشعرات التي ترفع فكانت نتائجها كراثية على مدى سنين حكم فلا بنت أوطانا يطيب فيها العيش ولا أعادت كرامة مسلوبة انتهكها الكافر المستعمر منذ احتلاله المباشر ولا أعادت أرضا مسلوبة ومقدسة لا نزال نشهد فصول تدنيسها بإعلانها عاصمة لكيان يهود. هذا التراكم المتواصل من التردي السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو الذي أدى الى هذه القابلية للاشتعال والتي وجدت طريقها الى الاشتعال في سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010.
       المسكونون بنظرية المؤامرة والجاهلون بطبائع الامم أذهلتهم سرعة انتشار لهيب الثورة من تونس الى بقية البلدان فسارعوا الى الطعن في مصداقيتها واتهامها بأنها تدار من الخارج, هؤلاء فاتهم أن للأمم العريقة قدرة على التحمل وأنها لا تموت خصوصا عندما يتعلق الامر بالأمة الاسلامية التي تحمل مفاهيم العزة والكرامة المستمدة من العقيدة الاسلامية وتحمل معاني والجهاد والموت في سبيل طاعة الله وان الله أكبر من كل طاغية ومتجبر.
إسقاط النظام: المطلب الاساسي للثورة
       إن أكثر الشعارات الشعبية التي لهجت بها حناجر الناس في عموم الامة كانت » الشعب يريد اسقاط النظام », مطلب اسقاط النظام كان الغالب على كل الشعارات لأنه كان يلخص كل المعانات وكان الدليل الواضع ان الوعي العام لدى الناس أن هذه الدولة ساقطة وانها لا ترقى الى تطلعاتهم. كل الاطياف الواعية بالأمة تدرك ان هذه الدولة اسسها الاحتلال العسكري الغربي المباشر واستمر على تأسيسها بورقيبة وبن على برعاية المحتل بشكل غير مباشر, لذلك كانت دولة دولة المستعمر التي تحمل الالتزام بالولاء له ولمصالحه ولمصالح الطبقة الحاكمة من الحكام ورجال الاعمال الموالية له ولسياسته قبل الالتزام بمصالح عموم اللأمة ومشاغلهم الاقتصادية والاجتماعي لذلك سقطت هذه الدولة من وجدان وعقول أبناء  الامة في تونس في وغيرها من البلاد الاسلامية.
         سقط رأس النظام في تونس, وأجبر رأس النظام على التنحي في مصر, وكان التوجه العام في تونس يسير نحو مجلس تأسيسي أي ان الدولة الساقطة حكما تحتاج الى إلى إعادة تأسيس. فهل حصل تغيير وإعادة تأسيس للدولة؟
الثورة المضادة ومحاولة إجهاض الثورة
          أن المتتبع لما تم من متفاهمات تمت داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف ألثورة والتدخلات الخارجية التي لم تتوقف أثناء الفترة الانتقالية وعند صياغة الدستور الذي  أنجزه المجلس التأسيسي, والهزات الامنية التي  تعرضت لها البلاد بفعل الاغتيالات السياسية والهجمات ضد القوات العسكرية وتوابعها السياسية, وما تم من محطات انتخابية لاحقة كل ذلك يؤكد أن ما حصل في تونس بعد هروب راس النظام هو انقلاب على الثورة كان للدولة العميقة الدور الاكبر في قيادته مع تواطؤ واضح من بعض الاطراف الوافدة بعد الثورة.
أن عملية إعادة تأسيس الدولة التي هي وظيفة المجلس التأسيسي يجب ان تتم عبر تأسيس النظام السياسي الذي يعبر عن هوية الامة وحضارتها والتي لا غني ولا حياد عنها ألا وهي الإسلام, وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر اسقاط اسس النظام القديم القائم على القطرية والتبعية السياسية والحضارية للكافر المستعمر. أما إذا كان الامر متعلقا بتعديل بعض الفصول من النظام القديم فهذا يعني ان الثورة لم تنجح في فرض واقع جديد يفصل مع دولة المستعمر.

عندما تكيّف الثورة مع الضغوط الخارجية سواء منها السياسية أو الاقتصادية والأمنية ومع شروط المؤسسات المالية الدولية وتقدم دستورا ترضى عنه الدولة العميقة والمستعمر, فمعنى هذا ان ما حصل هو انقلاب ناعم على الثورة من داخلها.

عندما يبنى نظام سياسي ديمقراطي وتبقى الدولة العميقة بولاءاتها وأسسها وقواعدها وعلاقاتها مع المجتمع كما هي, فمعنى هذا أن ما حصل هو تحويل ديمقراطي لواجهة النظام من وجه استبدادي الى وجه ديمقراطي, وما العودة الانتقائية للمحاكمات السياسية ومحاكمة المدونين ومنع الندوات وتوزيع البيانات السياسية, واستفحال الفساد في كل اجهزة الدولة والشركات الوهمية إلا بعض دلالاتها, وما حصل يوم أمس من تعطيل نشاط حزب التحرير في « سيدي بوزيد » إلا دليل على الطبيعة القمعية والتي تحاول الدولة إخفاءها بأعذار شتى.
        ان ما هو حاصل في تونس من استمرار التبعية السياسية والاقصادية للغرب المستعمر ولو بطريق غير مباشر واستمرار التدهور السياسي والاقتصادي والبحث عن الاعذار الامنية والاقتصادية الدولية للضغط على المجتمع ومنع حيويته هو اجهاض للثورة وإعادة للمجتمع الى الوضع الذي كان عليه قبل الثورة, ولن تفلح التحسينات الشكلية في مجال الصحافة  ولا الوعود الفارغة ولا الاعذار الدولية والأمنية في اخفاء العودة التدريجية للدولة الجبرية القاهرة المرتبطة عضويا ووظيفيا بالغرب الرأسمالي المتوحش المعادي لهوية الامة وحضارتها الاسلامية.

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )