عندما تتحول المحفظة إلى أداة للتعبير عن رفض التعلم

عندما تتحول المحفظة إلى أداة للتعبير عن رفض التعلم

نفذ تلاميذ المرحلة الثانوية إضرابا عبروا فيه عن رفضهم لنظام السداسية نظرا لتدهور نتائج بعضهم السنة الفارطة ولا يزال الإضراب قائما في بعض المعاهد إلى حد كتابة هذه الأسطر.

التعليق:

إن الناظر في واقع هذه الإضرابات يلمس رفض التلاميذ للنظام التعليمي القائم في تونس اليوم بعد أن ثبُت فشله في الإحصائيات العالمية في جودة التعليم, لكن الذي يحز في النفس هو أن ترى جل التلاميذ المضربين عن الدراسة يجهلون سبب الإضراب وأنّ همهم عدم حضور الدرس, وهذه والله المضحكة المبكية والعظيمة العظمى في آن, فعندما يرفض التلميذ حضور الدرس بل يرفض الدخول إلى المعهد أصلا يتجلى لنا أن الإضراب أبعد من أن يكون بسبب الثلاثية والسداسية أو حتى الامتحانات وعند التأمل والتفحص في هذا الجنوح والعزوف عن الدرس يتبين أن أسبابه مفعمة ودوافعه كثيرة محكمة, يكفي أن نذكر منها :

1  –  يأس التلاميذ من التعليم وانسداد الأفق أمامهم وأن آخرة المطاف البطالة والتسكع في المقاهي وقد حق لهم ذلك, كيف لا وشهادة الباكالوريا لم يعد معترفا بها في عديد الدول, حيث تم تصنيف تونس في المرتبة الرابعة والثمانين في جودة التعليم عالميا علاوة على أن السلطة  قد أغلقت كل منافذ الحياة وسبل الارتزاق أمام الشباب, حتى من كان ينوي أن يتم دراسته ويهاجر أو (يحرق) إلى بلاد الغرب ليعوض سنين البؤس التي عاناها في هذا البلد الظالم حكامه, عَدل عن هذا الرأي بعد أن عمدت خافرة من جيش البحر بأمر من الدولة إغراق المهاجرين وقتلهم في الآونة الأخيرة.

2 – تفاهة الدروس وعدم جدواها بالنسبة للتلميذ فعندما يدرس الشعر الغزلي والشعر الجاهلي ومجون الشعراء في مادة العربية ويُغيب عنه عظماء الشعر أمثال الشافعي وعلي بن أبي طالب وحسان بن ثابت…الخ. فمن البديهي أن يمل التلميذ من الدرس. وهناك من جمع مع الملل الرغبة في إتباع أولئك الشعراء « تطبيقا للدرس ». كذلك فرض اللغات الأجنبية الهجينة على التلميذ, مقابل تغييب لغته الأم, إذ قد تتساوى ضوارب اللغة العربية مع ضوارب اللغة الفرنسية والانجليزية في العملية الحسابية للمعدّل, وفي بعض الحالات يفوق ضارب اللغة الأجنبية ضارب اللغة العربية. وهنا يتساءل التلميذ ما فائدة دراستي لبعض المواد التي لا أخرج بها إلى الجانب التطبيقي لأفيد وأستفيد؟ أليس الأولى أن أدرس عن الطاقات الذرية والعلوم الصناعية التي بها ينهض القطاع العلمي وترتكز عليها قوة البلاد ومهابتها في الداخل والخارج ؟ أليس الأولى أن أتعلم كيفية صناعة الروبوتات والطائرات؟  فيما سأفيد بلدي وأمتي بدراستي لهذا الشعر؟

3 –  مخالفة الدرس لما جُبل عليه التلميذ واعتقده, إذ يدرس في مادة التاريخ مثلا أن الاستعمار الفرنسي حماية, وأنّ الخلافة العثمانية احتلال وغزو… لهذا سيبغض المدرسة ويحمل في داخله تشوّها فكريا من شأنه أن يُنشئه على فكرة خبيثة مدمرة هي ( اكره تاريخك), وحيث أن العائلة والمجتمع هم أول نواة يتعلم فيها الطفل, وهم بالنسبة له محل ثقة وأمانة, تسقُط تلك الثقة وتلك الأمانة عند اجتيازه لمرحلة التقبّل السلبي ودخوله في مرحلة التفكير فيما يتلقّاه, حيث سيكتشف زيف ما تعلّمه وما فيه من مغالطات, سيّما ما يتعلق بشخصيته وكيانه وسط أمته وعائلته الكبرى. إذ تُسلّط عليه دروس فكرية تسطو على ملكة التمييز عنده وتفرض عليه التوجّه صوب سيولد الانخراط في حركات العلمانية وقد يسير في موجات الإلحاد خصوصاً وأنها يُشار لها في دروس معينة مثل ما يدرس في مادة الفلسفة التي انحاز بها المشرفون على البيداغوجيا من البحث على الحقيقة إلى الخوض في ما من شأنه إبهار التلميذ وجعله وفي وردة فكرية فد تؤدي به إلى التشكيك حتى في ما هو من فطرته اعتقادا وإيمانا.

في الختام وجب علينا التذكير بأنّ الغاية من العملية التعليمية برمّتها هي تكوين شخصيات إسلامية متكاملة المدارك والمعارف, عالمة بماضيها وحاضرها, قادرة على الفعل, متمكنة من أدوات التقدم والتعامل مع متغيّرات العالم, وأجيال تنشأ على فكر القيادة والرعاية قولا وفعلا, ولا يمكن أن يكون ذلك في نظام يجعل من العملية التعليمية صفقة بين التلميذ والوزارة تكون ثمرتها في النهاية إيصال الشاب إلى مرحلة البحث عن العمل لتحقيق متطلباته الشخصية في الحياة لا غير, بل يكون في نظام نابع مما يعتقِده الناس ويصدقونه ويطمئنون له وهذا النظام لا يمكن أن يكون إلا نظام الإسلام الذي يعيد للأمة عزها ومجدها وسالف عهدها.

أحمد عامر

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )