قارب النجاة الوحيد, الهجرة إلى نظام الإسلام

قارب النجاة الوحيد, الهجرة إلى نظام الإسلام

افتتح القسم الأول من سوق بيع الأوهام قبل أوانه وهرول كل تاجر على عجل إلى مصطبته يرتب بضاعته ويتفنن في عرضها بالشكل الذي يغري الوافدين على السوق ويجعلهم يقبلون عليها ويغنم منهم ما يمكنه من ولوج قصر قرطاج ويقيم فيه بوصفه رئيسا للبلاد. وسيتم افتتاح القسم الثاني من السوق بعد شهر تقريبا والغاية من الانتصاب هي تأثيث قصري القصبة وباردو ويكتمل حينها المشهد.

القسم الأول عنوانه الانتخابات الرئاسية والثاني اسمه الانتخابات التشريعية, والقسمان معا يشكلان سوقا موحدة هي الانتخابات في النظام الديمقراطي الوضعي وبمجرد أن تنفض هذه السوق وتوضع الصناديق في المستودعات ويزول الحبر من الأصابع ويخفت الضجيج والجلبة. ينصرف التجار المحرزون على قصب السبق إلى الانتصاب في سوق أخرى يمارسون تجارتهم بعيدا عن الأعين في غرف مظلمة يديرها المسؤول الكبير من وراء البحار. وما يعرض في هذه السوق هو ثروات البلاد وأمنها وسيادتها, وكل ما يطمع فيه أي مسؤول كبير على رأس أية قوة استعمارية كانت.

تلبيس الحق بالباطل

حين تسمع لهم وعرضهم في ذروته تخال نفسك أمام رجال دولة بالفعل يستحقون أن يمنحهم الناس ثقتهم وتشعر بالحزن والأسى لأنه لا يمكن انتخابهم جميعا. حين الخوض في مسألة فكلهم يقسم بأغلظ  الأيمان بأن غايته الوحيدة من وراء لهثه وراء كرسي الحكم هي ضمان سيادة البلاد والذود عن هيبتها. وحين التطرق إلى موضوع الفقر وغلاء المعيشة وتدهور البنى التحتية في جميع القطاعات. تجدهم سباقين في تشخيص الداء, وكلهم يقرون بأن الوضع كارثي, وكلهم ينخرط في حملة لعن وشتم من تسبب في تلك الأوضاع الكارثية ثم يجزم بأن الخلاص آت على يديه هو وحزبه.

مثلا داخل هذه السوق من أكثر الأشياء التي تسمعها الرفض المطلق لإملاءات صندوق النقد الدولي وشجب التعامل معه والحال أنهم كلهم سواء كان في الحكم أو في المعارضة لم نسمع لهم ركزا حين كانت بعثات صندوق النقد الدولي تقتحم علينا الأبواب تسلخ جلودنا وتطحن عظامنا بشروط وإملاءات ما كنا لنكتوي بلظاها لو لم  يزحف هؤلاء الرويبضات على بطونهم نحو صندوق النقد ليقترضوا منه بعد أن فرطوا في ثرواتنا في كل المزادات العلنية وغير العلنية مستندين على أكذوبة كاهنهم الأكبر « بورقيبة » وهي أن تونس لا تملك من الثروات إلا الذكاء. نعم هم يعدون بما هو حق وبما يجب على الحاكم فعله, لكن بمجرد الافتراق بعد أن تم بيع الأوهام على الوجه الذي يريدونه يعودون سيرتهم الأولى ويعكفون على خدمة مسؤوليهم الكبار ويقلبون لنا ظهر المجن. والشيء الذي يجعلهم في حِلّ من كل تلك الوعود والعمل بعكس ما ظلوا يرددونه طيلة حملاتهم الانتخابية هو أن هذا النظام الديمقراطي الوضعي لا توجد فيه محاسبة البتة. فالمتسللون من ثقوب صناديق الخداع نحو كراسي الحكم يمنحهم هذا النظام الوضيع حصانة لا يمكن لأحد بأي حال من الأحوال محاسبتهم على جرائمهم في حق البلاد والعباد, فالمحاسبة لا وجود لها في أية دولة في العالم وحتى تلك التي يسبحون بحمدها كالولايات المتحدة الأمريكية وأشياعها أقصى ما يقومون به تجاه الحاكم إن رأوا أنه أخطاء هو المسألة ولا شيء غيرها. يتعرض للمسألة أمام مجلس النواب – له أن يقبل أو يرفض- ثم يعود من حيث جاء مزهوا بحصانته التي منحها له النظام الديمقراطي وكأن شيئا لم يكن.

المحاسبة في الاسلام أسّ لا غنى عنه

لا يمكن لخليفة المسلمين كائنا من كان ولا بأي حال من الأحول أن يتقاعس أو يتخاذل في تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة برعاية شؤون الناس أو تلك التي تحدد علاقة دولة الخلافة بغيرها من الدول الأخرى. وليس بمقدوره وإن كان يرغب في التفريط في ذرة تراب هي ملك للمسلمين وإن حصل وخالف حكما شرعيا واحدا تقوم الدنيا ولا تقعد وتتم محاسبته وإن لزم الأمر يعزل. فالحصانة الوحيدة التي تمنعه من العزل هي التزامه بالأحكام الشرعية. والمحاسبة في الإسلام واجب فرضه الله سبحانه وتعالى, وهي ما يطلق عليه شرعا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالخليفة خلال الانتخابات لا ينثر الوعود هنا وهناك. كل ما يفعله هو ابرام عقد مع الامة حين انتخابه خليفة ومحور هذا العقد هو أن يرعى شؤونهم بما فرضه الله على الحاكم, وأن يطيعوه إن هو التزم بتطبيق أحكام الله دون زيادة أو نقصان, وإن التزم بذلك له حق الطاعة ويحرم الخروج عليه. وفي حالة اخلاله بالعقد المبرم بينه وبين الأمة وجبت محاسبته إلى أن يفئ إلى أمر الله وإن تمادى في غيه وجبت منازعته وعزله. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وهذا نقيض ما هو موجود في النظام الديمقراطي الوضعي. وقد بلغت صفاقة بعضهم امتطاء ظهر الكذب أكثر من مرة, فمنهم من مرت أكاذيبه عن الناس وصال وجال كما أراد في ساحات الفساد والافساد وها هو يعيد الكرة ويقدم نفسه على أنه هو منقذ البلاد من وضعها المزري والحال أنه وحزبه وراء كل المصائب والكوارث السياسية والاقتصادية. فجل المتناحرين اليوم على الحكم كانوا على سدته في أحد القصور الثلاثة, وجميعهم ساهموا في جعل البلاد ملكا مشاعا للقوى الاستعمارية الغاصبة, وجميعهم تمسحوا على أعتاب المسؤول الكبير, وجميعهم من تشكيلات الطابور الخامس الذي حارب الإسلام وأحكامه, وجميعهم اليوم يطمعون في مواصل خدمة المستعمر الكافر بإطالة عمر النظام الديمقراطي الوضعي. ولهذا تقتضي الضرورة وقبلها الواجب أن تكون الهجرة نحو نظام الإسلام فهي السبيل الوحيد للنجاة في الأخرة والأولى أما عدى ذلك فضنك وشظف عيش وغضب من الله أكبر.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )