قراءة في بيان الحكومة لمشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2018

قراءة في بيان الحكومة لمشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2018

أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 خلال كلمة ألقاها أمام مجلس نواب الشعب بمناسبة انطلاق الجلسات العامة المخصصة لمناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2018عن مبادرات حكومية لدفع النمو والاستثمار, والتي تتلخص في العديد من المحاور المتعلقة بعدد من الاجراءات منها : رفع الحواجز لدعم الاستثمار، وتحسين تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتعزيز البنية التحتية وتقديم مقاربة جديدة للمشاريع الكبرى من خلال إعداد مخطط مديري للمشاريع المزمع تنفيذها في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وغيرها, وأكد أن نجاح هذه المبادرات يتطلب قبل كل شيء إعطاء الأولوية لدعم المؤسسات ومحاربة كل توجه لشيطنتها, وأنّ حكومة الوحدة الوطنية ستعمل كل ما في وسعها في هذا الاتجاه. وقال إن مشروع قانون المالية لسنة 2018 يقوم على أربع محاور رئيسية تتمثل في إجراءات لدفع الاستثمار والتشجيع على الادخار ومساندة المؤسسات الصغرى والمتوسطة وإجراءات للتصدي للتهرب الجبائي ومكافحة الغش في الميدانين المالي والجبائي, وإجراءات لدعم الموارد الذاتية وتكريس العدالة الجبائية, وأخيرا إجراءات اجتماعية لتحسين الخدمات والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن, والتخفيض من نسبة البطالة. وتوعّد بالضرب على أيادي المحتكرين بتسليط أقصى العقوبات عليهم مؤكدا أن الحرب التي أطلقها مؤخرا للتصدي للمحتكرين وعمليات الاحتكار حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن التونسي ستتواصل, وقال: ” لن نسمح للمحتكرين بالتلاعب بقوت التونسيين, وسنواصل الحرب, وحملات المراقبة ستكون في الأيام القادمة بشكل تصاعدي..” وفق تعبيره. وفي سياق متصل أشار الشاهد أيضا إلى أن الحرب على الفساد وحملة الاعتقالات التي ستكون في إطار القانون متواصلة وستواصل الحكومة الضرب على أيادي الفاسدين لحماية الوطن من الأضرار التي ألحقوها به.
ومن جهة أخرى استعرض بعض المؤشرات التي تشير إلى التقدّم, رغم الصعوبات الاجتماعية مثل الزيادة في إنتاج الفسفاط وارتفاع الصادرات وارتفاع عدد السياح، هذا مجمل حديث الشاهد، والملاحظة الأولى عليه هي أنّه خطاب متكرر, ليس فيه جديد سوى مزيد من الإصرار على المضي قدما في تنفيذ حرفي لشروط صندوق النقد الدولى والبنك الدولي, لاسيما عند تقديم مشروع حكومته لميزانية السنة المقبلة المثيرة للجدل، فإنّ ما طرح في أبواب مشروع قانون ماليّة 2018 وفصوله في الواردات والنفقات لا يختلف عن قوانين الماليّة التّي سبق سنّها من قبل, فهي امتداد لسياسة تخفيض نفقات الدّولة وزيادة الضرائب لتخفيض حجم العجز في الموازنة, سعيا وراء التحكّم في نسبة التّداين التّي من المتوقّع أن تبلغ السبعين بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنة 2018. ولذلك ستلجأ الدّولة في المستقبل إلى المزيد من الاقتراض من أجل التمكن من سداد الدّيون.
إنّه من الأكيد أن تمرير مثل هذه  الميزانية لا يمثل أية مشكلة بالنسبة للشاهد ولا لحكومته لوجود أغلبية برلمانية مريحة  ونتيجة تحكّم ترويكا الحكم على المشهد السياسي في تونس، ولكن المشكلة الحقيقية هي تمرير مثل هذا المشروع لدى الرأي العام وقبول الشارع له، وهذا أمر فيه نظر، فجميع الأطراف تراه كارثيا, حتى الداعمين له لا يريدون تحمّل مسؤولية خيارات وضعت كاهل الشاهد حالة رفض الناس لها، ليتركوا لأنفسهم خطّ رجعة خاصّة وأنّ الانتخابات يمكن أن تكون على الأبواب, ولأنّ علامات الفشل ظاهرة للعيان لا تخفيها سوى محاولة الشاهد الظهور بصورة الواثق بنفسه , وهو يلقي كلمته أمام جموع النواب، علاوة على أنّه – أي الشاهد – في سبيل ترضية الجهات المالية الدولية فرض عليه أن يحمل التبعة وحده، فإتحاد الشغل تقمّص دورالمعارض لإجراءات الحكومة في ما يتعلق بكبرى الملفاّت, بداية من إيقاف الانتداب, مرورا بإصلاح المنظومة الاجتماعية, والزيادة في سنّ التقاعد, وخوصصة القطاعات العمومية, وموضوع الشراكة بين القطاع العام والخاص لآثاره الوخيمة على الخدمات الاجتماعية في مجال الصحة والنقل والتعليم وغيرها، وكذلك الشأن بالنسبة لإتّحاد الأعراف، فرجال الأعمال والمستثمرون المحليون, أبدوا معارضة تامة لمشروع المالية ولموازنة الدولة للسنة المقبلة، لما تجره هذه السياسة المعتمدة من تبعات كارثية على مؤسساتهم المرهقة بالزيادات السنوية في الأداء الضريبي على المداخيل والأرباح بشكل غير مسبوق، مما يعطل دورها في النمو الإقتصادي ويلحق الضرر البالغ بالمؤسسات الصناعية والتجارية الصغرى والمتوسطة خاصة، وتضع المؤسسات الكبرى في منافسة غير عادلة مع المستثمرين الأجانب الذين أذنت لهم الدولة بتسويق إنتاجهم في السوق المحلية بنسبة تقارب الثلاثين بالمائة، وهم في نفس الوقت محميّون من قبضة الضرائب و »الواجب الجبائي« ، وهذا ما تمّ التأكيد عليه بوضوح في قانون مجلة دفع الاستثمار، فالشركات الأجنبية لا تمسّها هذه الإجراءات الحكومية بل على العكس فإنّ الدولة تنفق عليهم بتوفير البيئة اللازمة للاستثمار من بنى تحتية وغيرها وفترة إعفاء جبائي تام تصل إلى خمس سنوات، ممّا يعني أنّ تونس أصبحت ملاذا وجنّة ضريبية لهم، في حين يتحمل المستثمر المحلي تبعة سياسة اقتصادية خرقاء لاتفتح أمامه أيّ أفق ولا توفر له أيّ مناخ استثماري إيجابي إضافة للهبوط الحادّ لقيمة العملة المحليّة وما يترتب عن ذلك من ازدياد التضخّم وارتفاع الأسعار .
    لايزال إصرار الشاهد و حكومته على اتباع نفس السياسة بتقديم ذات الأهداف التي يعد بتحقيقها كالرفع في نسبة النمو و التخفيض في مستوى البطالة و نسب الفقر و الحطّ من مستوى التداين باعتماد ذات الآليات التي ثبت عقمها والتي تكررها الحكومات المتعاقبة: التخفيض في الإنفاق العام  والرفع في الأداء والإستثمار الخارجي… رغم الفشل المتكرر في تحقيق المعلن من الغايات وبذريعة شحّ الموارد المالية لوقوعه وعامة الوسط السياسي تحت نير ضغط القوى الإستعمارية وشركاتها الناهبة والتي وضعت يدها على مقدرات البلاد من الثروات الباطنية كالنفط والغاز والفسفاط وسائر مصادر الثروة وأصول التمويل لكل دولة تملك إرادتها وتتحكم في مواردها وتملك قرارها، والتي لايملك الشاهد ولا غيره من الساسة أمثاله، القدرة على التصرف فيها أو اعتبارها من الحقوق الطبيعية لسلطته ومورد مالي يحق له التصرف فيه أو توظيفه واستثماره.
    وأمام نذر الفشل لسياسة تحمل عوامل خيبتها في ثنايا فصولها، وأمام عوامل الإحتقان الشعبي الذي تتراكم سحبه فهل أعدت حكومة الشاهد لتكون كبش فداء؟
 
محمد زروق

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )