كم تحتاج الثّورة من وقت لتُحقّق أهدافها؟

كم تحتاج الثّورة من وقت لتُحقّق أهدافها؟

ماذا تحقّق بعد 11 سنة من الثّورة؟

سؤال حائر يُطلقه الكثيرون، ماذا حدث؟ ألم يسقط النّظام؟ لماذا عجزنا عن تحقيق أبسط متطلّبات العيش؟ ماذا جرى؟ الجميع يريد مغادرة البلاد والهجرة نحو المجهول، آلاف الكفاءات من كلّ الاختصاصات تهاجر إلى بلاد الغرب، شباب معطّل يُلقي بنفسه إلى الموت طمعا في المجهول…

جواب الفئة السياسيّة في تونس:

  • هكذا هي الثّورات، فهي لا تُحقّق مرادها إلا بعد عشرات السّنين، ويستعرضون أمثلة عن الثّورة الفرنسيّة والبلشفيّة … ويذكرون كلّ حركات التغيير الجذريّ في العالم إلا ما فعله الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، لا يذكره حتّى من تلبّس بالصّفة الإسلاميّة.

  • أمّا فعلهم فهو التّوجّه نحو الدّول الغربيّة يتسوّلون على أعتابها يستجدون رضاها، وهم حكّاما ومعارضة ومؤيّدين للرئيس ومعارضين للرئيس كلّهم في الأمر سواء. تفكيرهم واحد وتقديسهم للغرب واحد لكنّ قلوبهم شتّى، ونفوسهم مريضة مهزومة.

جوابُنا:

  • النّظام في تونس لم يسقط، فأنّى للثورة أن تحقّق أهدافها؟ ما حدث كان تغيير في بعض الوجوه، أمّا النّظام فقد بقي بل هو يتجذّر، ونقصد بالنّظام الأسس الفكريّة التي يصدر عنها السياسات والتشريعات من دستور وقوانين. فالأسس الفكريّة التي تحكم تونس هي من وضع المستعمر قبل أن يغادر وتبّنّاها بورقيبة وجماعته ثمّ بن علي ومن بعده الحكّام الجدد لتونس، وهذه الأسس الفكريّة هي فصل الدّين عن الدّولة، وتبنّي دساتير وقوانين من صنع الغربيين فالدّساتير التي وُضعت لتونس إلى اليوم هي صناعة غربيّة ولو كانت بأياد تونسيّة، أمّا القوانين فكلّها منقولة نقلا وأمّا ما يزعمون أنّهم أخذوه من الإسلام فمنزوع عن أصله ومقتلع من سياقه (حتّى عاد جثّة هامدة لا تصلح لشيء)، أمّا عن السياسات فحدّث ولا حرج فكلّها (الاقتصاديّة والتعليميّة والاجتماعيّة…) من وضع الدّوائر الغربيّة وما عمل الحكّام المسلّطين على رقابنا إلا التنفيذ.

  • فإذا لم يتغيّر النّظام فكيف تتبدّل الأحوال؟ أمّا عن انتظار السّنوات والعقود لتُحقّق الثورة أهدافها فخداع وتضليل ومكر يُراد من ورائه تأبيد استعباد تونس وأهلها لفائدة أعدائها.

  • لا تحتاج الثّورات الحقيقيّة إلى زمن طويل، فكلّ من همّ بعمل لا بدّ أن يُحقّق هو بنفسه الهدف من أعماله وإلا عُدّ غير جادّ، وعمل تغيير حياة الشّعوب هو من أجلّ الأعمال وأخطرها فكيف يعمل العامل للتغيير ثمّ يقول إنّ التغيير لن يحصل إلا بعد عقود؟ هذا يعني عدم الجدّيّة بل هو الإحباط بعينه، والقائل بأنّ طبيعة الثّورات تحتاج عقودا هو كاذب مخادع أو هو مخدوع مضلّل، وفي أحسن أحواله مثبّط للهمم يضرب معنويّات الثّائرين في مقتل.

  • يستدلّون بالثورة الفرنسيّة، فهل هي الحجّة علينا؟ هل نحن فرنسيّون؟ فلئن كان الفرنسيّون ضالّون فهل ينبغي أن نضلّ نحن أيضا؟

ألسنا مسلمين؟ فمن هو قدوتنا؟ يقول ربّنا جلّ وعلا: (لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، رسولناالكريم صلّى الله عليه وسلّم بعثه الله تعالى لغيّر حال البشريّة، فأقام دولة أسقط بها النّظام السّائد في الجزيرة العربيّة، وأرسى أساسا فكريّا جديدا قوامه (إن الحكم إلّا لله) ثمّ كانت التّشريعات كلّها من عند ربّ العالمين وكذلك السياسات في جميع جوانب الحياة، فكم تطلّب الأمر من وقت؟ إن هي إلا بضع سنوات حتّى صارت الدّولة التي أسّسها الرسول صلّى الله عليه وسلّم الدّولة الأولى في العالم واستطاعت في سنوات قليلة أن تُسقط أعظم امبراطوريّتين في زمانه الفرس والرّوم.

  • قد يتذرّعون بأنّ الزّمان غير الزّمان، نقول هذا ذريعة الجاهلين الذين لا يعرفون سنن الله في صناعة الحياة والحضارات، فقد أقام الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دولته بإمكانيّات بشريّةلا معجزات فيها، فهاجر ليستلم الحكم في المدينة وهو مطارد، فخطّط وأعدّ وتخفّى وضلّل أعداءه ومطارديه، ثمّ واصل المسيرة الشّاقّة المضنية متخفّيا حتّى وصل المدينة المنوّرة واستلم الحكم، ومن هناك بدأ بوضع السياسات الرّاشدة التي هي وحي من ربّ العالمين. ولم تمض 8 سنوات حتّى فتح مكّة ومن ثمّ وحّد جزيرة العرب ثمّ أرسل الرسل والسّفراء إلى حكّام الأرض في زمانه، ولم يلتحق صلّى الله عليه وسلّم بالرّفيق الأعلى إلا وبعث أسامة في الطّريق لمحاربة الرّوم.

  • أمّا عن موازين القوى، فالمسألة تناسبيّة فقد كانت في زمان الرّسول امبراطوريّات كبرى جيوشها ضخمة وكانت كلّ القبائل العربيّة خاضعة لها لا تستطيع بل لا يُفكّرون أصلا في منافستها أو الاستقلال عنها فضلا عن محاربتها في ميادين القتال، وأنّى لهم ذلك؟ واليوم نحن نعيش بين قوى استعماريّة جيوشها ضخمة وأسلحتها فتّاكة، ولكن فات هؤلاء العاجزين المنهزمين أنّ هاته القوى الاستعماريّة لم تستطع بعد سنوات الاستعمار الطّويلة أن تهزم الشّعوب الإسلاميّة، فأمريكا في أفغانستان منذ عشرين عاما، فلم تستطع شيئا وخرجت ذليلة مدحورة وها هي تُحاول من بعيد بالمكر والدّسيسة أن توقع بالأفغانيين، وأمريكا في العراق منذ تسعينات القرن الماضي، فلم تستطع شيئا ولم تُحقّق مرادها، وما نراه اليوم أنّ الجيش الأمريكي فقد كلّ سند شعبي أمريكي في حروبه الظّالمة العبثيّة ضدّ المسلمين، وما عاد يُمكنه أن ينتصر علينا. هذا ونحن المسلمين لا تجمعنا دولة بل يتحكّم فينا عملاء لأمريكا وأوروبا، نعم الغرب كلّه ما عاد قادرا على الانتصار علينا وما عاد يستطيع أن يتحكّم في بلادنا لولا حفنة من العملاء السياسيين والفكريين. الكلّ شهد وشاهد أنّ أعتى الجيوش الغربيّة انهزمت وتراجعت أمام قلّة من المجاهدين، وكان ذلك زمن الاستعمار العسكري في بداية القرن العشرين وهو كائن إلى اليوم في فلسطين والشّام والعراق وأفغانستان، هذا في غياب دولة حقيقيّة تجمعهم على الحقّ وتوحّد جهودهم وجهادهم. فما بالك لوكان للمسلمين دولة منهم قرارها بأيدي قادتها لا عملاء ولا ضعفاء بل رجال دولة يقودون المسلمين قيادة راشدة سطّرها الوحي نفس الوحي الذي أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الوحي الذي حفظه الله لنا حيث يقول وهو أصدق القائلين: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) نعم هو الوحي الذي نؤمن به وأمرنا باتّباعه.

وعليه نقول إنّ الثّورة لن تُحقّق أهدافها حتّى يتّبع الثّائرون خطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي خطى بشريّة بإمكانيّات بشريّة عاديّة أو أقلّ في خضمّ عالم تملأه قوى الشّرّ، وأراد الله لها أن تكون بشريّة حتّى لا يقول قائل ذلك خاصّ بالرّسل والأنبياء.

واذكروا إن شئتم قوله تعالى:

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

هذا وعد الله لعباده المؤمنين، فهل يحتاج إلى سنوات طويلة وعقود مديدة حتّى يتحقّق؟ كلّا بل هو الضلال والمكر، فلا يحتاج الأمر من الثّائرين إلّا أن ينزعوا هاته الطّبقة السياسيّة العلمانيّة التي حرمتنا من ديننا وإسلامنا العظيم، ويتحرّوا قيادة راشدة رشيدة اتّخذت من الإسلام دين ربّ العالمين قيادة ومن سيرة أكرم المرسلين قدوة. نعم ليس بيننا وبين تحقيق مرادنا من العزّة والكرامة إلا أن نعلنها عالية مدوّية، لا للعلمانيّة الضّالّة لا للرأسماليّة المجرمة لا للدّيمقراطيّة العاجزة… الله ربّنا… محمّد صلّى الله عليه وسلّم رسولنا والإسلام ديننا وفيه حياتنا وعزّتنا.

( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون)

أستاذ محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )