كيف تتحرر يا أقصى من براثن يهود؟

كيف تتحرر يا أقصى من براثن يهود؟

يدمي القلبَ ويحرقُه ما وصَل إليه عالمنا الإسلامي وكأنه ما كان له تاريخ مُشرق مشرف سطرته آلاف الكتب والمؤلفات وشهد لهذا العالم البعيد قبل القريب والعدو قبل الحبيب للإسلام ودولته؛ عقيدة مقنعة للعقل متبلورة فيه وموافقة للفطرة، ونظام جدير بأن يعالج مشاكل الحياة، ودولة حكمت بحكم رسول الله e صانت الحجر والشجر والبشر بمختلف عقائدهم وقومياتهم وطوائفهم وجنسياتهم وألوانهم، كانت أبعد ما تكون عن العنصرية أو المذهبية أو الطائفية؛ فكان الناس سواسية لا فرق بين عجميهم وبين عربيهم إلا بالتقوى، كونهم بشراً خلقهم خالق وأمرهم بالعدل والإحسان والموعظة الحسنة، فكانت حقا مثالا يحتذى به. نعم أقولها بالفم الملآن: يدمي القلب ما أصاب هذا العالم المترامي الأطراف من ضعف وهوان وذلة وصغار بعد أن كان يهابه الغرب الصليبي وترتعد له فرائصه. فما يحدث للمسلمين في كل مكان من اضطهاد وقتل وحرق في كشمير وفي بورما تعذيب حتى الموت، قطع للرؤوس وضرب بالحجارة على الرؤوس وحرق للأجساد… حتى الرضع لم يسلموا من حقد دفين ملأ قلوب البوذيين؛ فقد مورس على هؤلاء الرضع التعذيب بالكهرباء حتى الموت، أي حقد هذا وأي دين هذا وأي حيوانية وبهائمية هذه…؟؟؟

وما يحدث في الشام ليس ببعيد فما يحدث من إبادة جماعية للمسلمين على يد فرعون العصر طاغية سوريا وأعوانه أمريكا وإيران وحزبها وتركيا وروسيا ليدل دلالة واضحة على الحقد على الإسلام والعمل على حربه وإبادة أهله، أما أوزبيكستان وروسيا فحدث ولا حرج عن التعذيب والقتل؛ فكان ثباتهم وإيمانهم أعظم من القتل ذاته، إيمان الجبال الراسيات، وما يحدث في تركيا ومصر وإندونيسيا وبنغلاديش من تعسف وحظر للإسلام ودعاته ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾. أما الخليج وما أدراك ما الخليج فذل وجبن وخنوع وانبطاح للغرب وصل إلى سقف دفع الأتاوات التي بلغت 450 ملياراً رغم ما تعانيه دولهم من بطالة وفقر وفساد… وإن ما خفي أعظم، هذا كله من أجل حماية أمريكا لهم ولعروشهم، هذا وقد تبجح بذلك ترامب بكل وقاحة وخسة، وقد كان الأولى أن تدفع هذه المبالغ لشعوبهم الفقيرة أو الباطلة عن العمل أو إلى بلادهم التي تعاني العجز في الميزانية، فأي حال وصلنا لها؟!!

وأخيرا ما أقدم عليه أجبن خلق الله يهود من تدنيس للحرم القدسي واحتلاله واعتداء وقتل للمسلمين هناك وآخرها تركيب بوابات إلكترونية بهدف إذلال وإخضاع مسلمي فلسطين لهم. ترد هذه الأخبار وتجري هذه الأحداث بشكل مستمر وعلى فترات، وكلما حدث اعتداء على المسجد الأقصى تطل علينا الأقلام بكتابات من هنا وهناك وتخرج المظاهرات وتتعالى الأصوات والشعارات والأناشيد وتدمع المقل لما أصاب المسجد الأسير وتنفض الجيوب تبرعا ودعما ونصرة له، فهل أجدت هذه كلها نفعا؟ وهل حررت أقصانا الجريح؟ فلو كانت هذه كلها مجدية لحُرر الأقصى ودحر كيان يهود ولكنه لم يحدث. إذا فلماذا نعمي أبصارنا ونصم آذاننا عن الحقيقة ونستغشي ثيابنا ونصر على المهدئات بدلا من المنجيات؟

والسؤال المطروح كيف تتحرر يا أقصانا من براثن يهود؟؟؟

إن الحكام باعوا الأقصى ليس من اليوم بل منذ زمن بعيد لكيان يهود، فهم المنافقون فاحذرهم فهم العملاء فاحذرهم، فهم الخون فاحذرهم، ولا خير فيهم؛ حقيقة جلية يعلمها الطفل قبل الكبير. إن الأحزاب التي تظلها أنظمة بلاد المسلمين وتسبح الحاكم وتقدسه وتلجم فاها عن قول الحق من أجل مصالحها الدنيوية لن تحرر الأقصى ولن تحرر الأمة من عبوديتها للغرب طالما أنها أبواق لحكام المسلمين أذناب الغرب الكافر. أما ما تسمى نفسها حركات المقاومة فقواعدها مخلصة تبغي التحرير رغم أنها سطحية في تفكيرها، وهذا لا يكفي فلا بد من الإخلاص والوعي حتى تؤتي الثمرة أكلها ويكون التحرير، وهذا بخلاف قياداتها الذين يتخبطون هنا وهناك يمنة ويسرة فتغدق عليهم الأموال من كل حدب وصوب؛ من إيران إلى تركيا إلى سوريا إلى قطر إلى السعودية إلى مصر إلى الخليج… فتصبح رهينة بيد هذه الدول المأجورة والعميلة تنفذ أجندتها التي هي أبعد ما تكون عن التحرير وطريقه، فإذا كانت هذه الدول مأجورة وتابعة وعميلة فهل تبغي التحرير؟ وهل التحرير يكون بالدعم بالأموال؟ فإذا كان كذلك فلماذا لا تتحرر البلاد المحتلة ومنها فلسطين وأقصانا الحبيب؟ أم أن التحرير يكون بالجيوش والدماء والسلاح؟ وهذا هو قانون الله وسننه التي سنها في الكون فقد قال عز من قائل: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾. ويتبادر للذهن تساؤل، كيف تلتقي هذه الحركات، حركات المقاومة مثل حماس والجهاد وحزب إيران وغيرها من الحركات، مع أهداف حكام المسلمين عملاء الغرب؟؟؟ أليست هذه مفارقة عجبية غريبة؟! وخاصة أن هذه الحركات توصلت إلى هدن واتفاقيات سرية مخزية بينها وبين كيان يهود كما فعل ذلك حزب إيران مع كيان يهود وأوقف الحرب الأخيرة في عام 2006م، أما حماس فقد توصلت إلى وثيقة الاعتراف بحدود يهود عام 1967م. فأي مبدئية هذه؟ وأي تنازل هذا؟ وصدق من قال (ما بني على باطل فهو باطل).

وعندما يجري الحديث مع أبناء الأمة تحس بالمشاعر الملتهبة والقلوب التي تتمزق شوقا ولهفة للقاء يهود فتتشرف بالاستشهاد دفاعا وبسالة من أجل الأقصى بدلا من دخولهم في حرب فتنة يقتتل الأخ مع أخيه خدمة للحكام عملاء الغرب الكافر من هذا الجانب أو ذاك، ونجد هذه المشاعر بعد مدة سرعان ما تبرد لأن دافعها كان الحماس والثورة دون الوعي والإدراك على مفاتيح الحل التي تغذي دائما شعلة العمل والتحرك نحو التحرير الحقيقي والتي تتمثل بالإيمان بالمبدأ وهو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وما قبلها وما بعدها وعن علاقة ما قبلها بما بعدها؛ (عقيدة) هي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكذلك الطريقة التي تتمثل بالكيفية كيفية حمل الدعوة والجهاد وكيفية الحفاظ على المبدأ وكيفية حمله وتنفيذه وكيفية تنفيذ أحكام الإسلام، وهي خطوات عملية واقعية ليست خيالاً أو خرافات أو أوهاماً. ومن هنا نقول إن التحرير الحقيقي للأقصى وبلاد المسلمين يتم بالتغيير الحقيقي وليس بالمظاهرات والمسيرات التي تقود الشعوب وليس بتبرعاتها وكذلك ليس بالشعارات والهتافات وكذلك ليس بالاتباع الأعمى للأشخاص أو الجماعات، بل باتباع الحق أينما وجد وأينما كان، أي اتباع الشرع وإنزاله على الواقع بعد فهمه والذي يفضي للتحرير.

يا أبناء الأمة, تتحدثون أن السبب المعيق للتحرير هو الحكام! والقضية أكبر من ذلك فقد تجرأ حكام المسلمين على العباد والبلاد بعد أن تجرؤوا على الله ببعدهم عنه وحكمهم بالطاغوت ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾. وعدم حكمهم بشرعه وتسليمهم البلاد للغرب الكافر فعاثوا في الأرض فسادا في كل شيء وفي كل نظام؛ في الأخلاق وفي النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقضائي والتعليمي والعسكري…، ويضغطون على شعوبهم فلا حق في التعبير ولا حق في العيش الكريم ولا أمن اقتصادي ولا أمن غذائي ولا أمن صحي ولا أمن حضاري وثقافي، حتى التعليم يتدخل فيه الغرب. فهل قمنا بإزالة هذا المعيق حكام المسلمين؟ وهل أخذنا بالأسباب وهي سنة من سنن الله في الحياة؟ قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾.

إن التحرير لا يكون إلا بـ:

1- الوعي على أحكام الإسلام (أحكام الشرع في الاقتصاد والحكم والقضاء والمعاملات…) وهو واجب وفرض لكي نعبد الله بحق وبعلم، وبدون الوعي نعبد الله على جهل وهذا مغضب لله يستحق سخطه، والتعلم كذلك بهدف تعليم الغير فتعليم الغير فرض فرضه الله على كل مسلم ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ حتى يسود في العالم العلم بأحكام الله التي تنير لنا الطريق في حياتنا وتجنبنا من كل شر ومكروه فنستحق رضا الله علينا وجنته، وهذا ما فعله رسول الأمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما علم أصحابه رضوان الله عليهم ثم علم أصحابه عامة الناس عقيدة الإسلام وأحكامه في أول دور من أدوار التغيير، دور التثقيف بثقافة الإسلام.

2- الإدراك والوعي على الواقع السياسي، أي كشف مخططات الغرب وعملائه من الحكام والعمل على إحباط هذه المخططات والمؤامرات والرد عليها. فكشفها وفضحها هو إحباط لمشاريع الغرب وخططه في هزيمة المسلمين ومن ثم العمل على عمل مشاريع تصد مشاريع هذا الغرب الحاقد، وهذا يمثله توعية المسلمين وتدريبهم وخوضهم غمار التغيير فيكونون جند من جند الله وهذا واجب وفرض، فقد كان رسول الله يكشف مشاريع قريش فكان يرسل العيون ليعرف كم يذبحون من الإبل وليس القصد كم يأكلون وكم يشربون فالمعنى أبعد وأعمق لأنه بمعرفته لعدد الإبل يعرف كم عدد الذين يأكلون أي معرفة كم عدد أعدائه أي كشف قوة العدو. أي لا بد أن نكشف كم هي قوة العدو العسكرية والاقتصادية وكل جوانب القوة التي عنده حتى نستطيع مواجهتها وهذا يمثل جانباً مضيئا في خطط الرسول e العسكرية.

3- نشر هذا الوعي الشرعي والسياسي للأمة وهو واجب كي يزداد سواد الأمة المستنيرة والواعية ولكي لا تنطلي عليها الحيل والمؤامرات فتقع صريعة غفلة، فتوعى هذه الأمة بجميع فئاتها وشرائحها مدنيين وعسكريين وبشكل خاص العسكريين لحملهم على إزالة حكام الضرار وتنصيب من يحكم بكتاب الله وسنة رسوله e بدلا عنهم. وهذا ما فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما استعان بعد الله سبحانه بالأوس والخزرج (الأنصار) وأقام الدولة ثم سعى إلى ضم البلاد المجاورة لها لدولة الإسلام. فكان علاجه علاجا ناجعا منطلقا من شرع الله، ومن حل ليس بمؤقت ومن غير استجداء أو ضعف، نعم كان حلا نابعا من أمة آمنت برسول الله وبفكر الإسلام وبحله وبنظامه فعاشت بهذا الفكر وماتت عليه. وهذا ما ينطق به لسان حالنا أن التحرير يكون بإقامة دولة في أي قطر صالح لذلك من أقطار المسلمين ومن ثم تضم البلاد الأخرى لهذا القطر ليكون بذلك تحريرا ليس للأقصى فقط وليس لفلسطين وحدها، بل لكل البلاد التي احتلها الغرب الكافر عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا… لكل بلاد المسلمين من براثن يهود ونصارى.

أيتها الأمة الكريمة, فلتتحركي بالإسلام الذي أعزك الله به وأذلك بدونه ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾، فلتتحركوا أيها العسكريون ويا أقارب وأصحاب العسكريين للتغيير الفكري الذي يغير القناعات ويغير الأعمال فتكون أعمالاً مباركة ترضي الله ورسوله وتحقق نصرا لله ورسوله، نصرا مؤزّرا يعيد الأمجاد والفتوحات ويعيد للأمة بهجتها وهيبتها وتعيد البلاد والعباد إلى بوتقة الإسلام وتزيل تسلطا وقتلا وذبحا وتعذيبا للإسلام والمسلمين. ولتكن سيرتكم سيرة الأوائل ممن احتضنوا الإسلام وأحبوه وحافظوا عليه خير حفاظ ونشروه خير نشر وكانت أعينهم رقيبة عليه وعلى كل من يتربص به الدوائر من الكفار عليهم دائرة السوء، ولتكن أعمالكم أعمالاً مباركة بعد أن كانت هباء منثورا، أعمالا كانت لدنيا فانية, لجاه أو منصب أو مال زائل، وليكن عملكم لله وبالله وعلى الله التكلان، فتستحقوا نصر الله، وهذا لا يكون إلا للمؤمنين المتقين المخلصين العاملين الراشدين الواعين. نسأل الله أن نكون أمثالهم وأن يعزنا بعد ذلة ويرشدنا إلى الصواب بعد ضلال إنه سميع قريب مجيب الدعاء ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

أبو أحمد العامري – اليمن

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )