كيف تفاعل الإعلام الدولي مع الاحتجاجات في تونس

كيف تفاعل الإعلام الدولي مع الاحتجاجات في تونس

انتهت الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت بعد العمل بالزيادات في الضرائب و أسعار المحروقات. ولكن تزامن هذه الاحتجاجات مع ذكرى الثورة, وسرعة انتشارها وتوسعها أعاد إلى واجهة الأحداث الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة, وحقيقة ما يسمى الانتقال الديمقراطي في تونس. وقد تباين التعاطي الإعلامي الدولي تجاه تفسير الأسباب التي أدت إلى هذه الاحتجاجات.

الصحافة الأوروبية: الجارديان. تليغراف. أر تي أل

         تميزت التغطية الاعلامية الاوروبية بالحضور المكثف ميدانيا وبالحرص على إبراز انتشار وتوسع الاحتجاجات في مختلف المدن. وقد كان واضحا اتهام صندوق النقد الدولي بكونه السبب في ما يحصل في تونس من احتجاجات, خصوصا من خلال تخفيض قيمة الدينار ووقف الانتدابات وما نتج عنهما من زيادة في الأسعار وتزايد البطالة. وقد كانت صحيفة « الجارديان » البريطانية الأكثر وضوحا في ذلك في عددها ليوم الاربعاء 17/01/2018 في مقال بعنوان « صندوق النقد يخنق تونس ولا غرابة من احتجاج الشعب ».

          هذه التغطية الإعلامية الأوروبية تختلف عن الخطاب الإعلامي المعتمد من طرف حكومة « يوسف الشاهد », والذي يحاول إخفاء ارتهان حكومته للضغوط الخارجية,  وفشله في توقع الآثار الاجتماعية لقراراته الجائرة, و يتعمد تحميل مسؤولية الاحتجاجات  لعدد من المنحرفين وبعض المعارضين. وتبيّن القلق الحكومي من هذه التغطية من خلال المضايقات المقصودة التي تعرض إليها مراسلو الصحافة الأجنبية من طرف القوات الأمنية, وهو ما زاد في إبراز الصورة القمعية للحكومة.

الصحافة الأمريكية: واشنطن بوست, نيويورك تايمز

         أما الصحافة الأمريكية ومراكز البحوث القريبة من الدوائر الأمريكية فقد تميزت تغطيتها الإعلامية للاحتجاجات, بتجنب الحديث عن قرارات صندوق لنقد الدولي ودورها في تخريب الوضع الاقتصادي, بينما كان تركيزها الأكبر عن تراجع ما يسمى ب » المسار الديمقراطي » في تونس وعودة الدولة القمعية المركزية على النحو الذي كان موجودا زمن « بن علي ». و قد أوردت الصحف الأمريكية  أخبار الاعتقالات كدليل على تراجع الحقوق الأساسية. كما أثارت كبريات الصحف الامريكية ما ورد في تقرير « مجموعة الازمات الدولية » الاخير حول تونس من عودة النهج التسلطي في إدارة شؤون البلاد والتدخلات المتكررة لرئيس الدولة في مختلف القضايا السياسية, وما حصل منه من ضغوط من اجل تمرير قانون المصالحة المرفوض شعبيا, واستمرار العمل بقانون الطوارئ لأكثر من سنتين, والتأجيل المتكرر للانتخابات البلدية رغم مرور سبع سنوات على الثورة.

 هذا التراجع في المسار الديمقراطي اعتبرته « مجموعة الأزمات الدولية » في تقريرها الصادر يوم 11/01/2018 الدولية تهديدا بعودة العمليات الإرهابية أو حدوث أعمال شغب خارجة عن السيطرة..! ! !

       من جهة أخرى أعادت منظمة « فريدم هاوس » الأمريكية في تقريرها الصادر بتاريخ 16/01/2018 نفس الملاحظات الواردة بتقرير « مجموعة الأزمات الدولية » حيث ذكرت أن تونس وإن كانت البلد العربي الوحيد المصنف كبلد حر من طرف المنظمة بعد ثورة 2011, إلا أنها شهدت في السنة الأخيرة تراجعا حادا على مستوى الحريات الأساسية وان استمرار هذا التراجع بنفس الوتيرة يمكن أن يفقدها المكانة التي اكتسبتها.

الإعلام الغربي والاصطفاف السياسي

         إن تعامل الإعلام الأوروبي مع الاحتجاجات الحاصلة في تونس يختلف عن تعاطي كبريات الصحف ومراكز التفكير الأمريكية, فالإعلام الأوروبي وبعض الباحثين بمركز « شاتام هاوس » البريطاني كل منهما يعتبر أن التحدي الذي تواجهه تونس هو الاقتصادي بالدرجة الأولى, وان ما حصل من احتجاجات كان بسبب سياسة التقشف التي فرضت على تونس من صندوق النقد الدولي ومن يقف وراءه.

         هذا التقييم فيه قدر كبير من تخفيف  المسئولية السياسية عن الطبقة السياسية الحاكمة المعروفة بولائها الأوروبي,  وفيه أيضا تغافل عن  التدهور الاقتصادي الكبير والحاصل ابتداء جراء اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي  منذ سنة 1971 و 1995 والتي دمرت النسيج الصناعي, والتي يراد توسيعها لتشمل القطاع الفلاحي والخدمات.

          أما الصحف الأمريكية ومراكز البحث  ك »مجموعة الأزمات الدولية » ومركز « فريدم هاوس », وخلافا للصحافة الأوروبية, فقد خلت تقاريرهم من أي ذكر لدور لصندوق النقد الدولي لما يحصل في تونس, وبينوا بأن الأزمة التي تعيشها البلاد هي سياسية بالدرجة الأولى, وهي متعلقة بالتراجع في المسار الديمقراطي وسلوك الحكام الحاليين. وأن هذه الأوضاع تساهم في تنامي الخطر من عودة العمليات الإرهابية وحدوث أعمال شغب. وهكذا يتم إقحام موضوع « الحرب على الإرهاب » للضغط على الطبقة السياسية الحاكمة من اجل الدفع نحو تحرير العمل السياسي, وما يمكن أن ينتج عنه من  إمكانية بروز نخب مصنعة جديدة موالية للغرب يمكن الرهان عليها في رعاية المصالح الأمريكية.

          إن التعامل الإعلامي الأوروبي – الأمريكي من الأحداث الواقعة في تونس يكشف عن تأثر واضح لتلك الوسائل بسياسية الدول التابعة لها, وهي مواقف تبرز فيها القيم الرأسمالية النفعية والتنافس على النفوذ الاستعماري. لذلك ينبغي الحذر من هذه المواقف والاعتماد على قوى الأمة الذاتية في فهم الواقع السياسي وعلاقته بالتجاذبات السياسية الدولية.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )