لك الله يا تونس… كم سيحصد إرهاب الدولة فيك من أرواح؟

لك الله يا تونس… كم سيحصد إرهاب الدولة فيك من أرواح؟

لم يكد هذا الشعب المكلوم ينسى فاجعة، حتى يستفيق على أخرى هي أشد وطأة عليه من سابقاتها، وكأن الحكومات المتعاقبة تخوض سباقا مع الزمن في فرض العقوبات الجماعية على شعب كان له السبق في تفجير بركان غضب الأمة ضد حكام الملك الجبري، بعد أن كادت أنظمتهم تكتب لنفسها البقاء والخلود.

تونس، كانت عنوانا للأنس، منذ عهد الفاتحين الذين أسندوها هذا الاسم « تُؤنس » لما يحمله هذا البلد لأهله من أنس وألفة وراحة للبال وسكن للقلوب.

اليوم، حوّلها حكامنا إلى سجن كبير ومعتقل مُسيّج يرزح فيه أبناء « الوطن » تحت التعذيب بين الأسلاك الشائكة التي تفصله عن جسد الأمة، فصارت تونس تُؤلم وتوجعُ ولا « تُؤنس »، بل صارت تقتل وتحصد الأرواح مجسدة أشد معاني « إرهاب الدولة » انتقاما ووحشية.

جنودنا تُذبح في الجبال، وشبابنا تتقاذفهم أمواج البحار، وفلذات أكبادنا تقتلهم المستحضرات الغذائية بدم بارد، أما النساء الكادحات العاملات في الفلاحة سعيا لكسب قوت اليوم، فيلقين حتفهن في الطريق بين الحين والآخر نتيجة غياب الدولة واستقالتها التامة عن رعاية شؤون الناس، حتى صار وجودها مقتصرا على جمع الأشلاء وإضافة أسماء الضحايا إلى قائمة الوفيّات، ومن يدري علّها تضيفهم أيضا إلى قائمة المشاركين في الانتخابات…

عن فاجعة وفاة عاملات الفلاحة

جميعنا يذكر كيف حصد الأسبوع الأول من وصول يوسف الشاهد إلى رئاسة الحكومة أرواح عدد من أبناء القصرين إلى حد تفحم الجثث وذلك عند اصطدام حافلة بشاحنة وسط سوق خمودة بمنطقة فريانة، أين تم الإعلان رسميا عن وفاة الدولة من قبل أحد أهالي الجهة، في تصريح مفاجئ بثته قناة نسمة.

أما اليوم، فتأتي فاجعة وفاة العاملات في معتمدية السبالة بسيدي بوزيد صبيحة السبت 27 أفريل 2019 لتشكل وصمة عار جديدة على جبين حكومة يوسف الشاهد، التي ما فتئت تصر على سياسة الهروب إلى الأمام والتملص من كل مسؤولية. حيث لم تكد دماء ضحايا هذا الحادث الأليم تجف حتى أطلت علينا وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن نزيهة العبيدي لتصرح بأن الحكومة لا تتحمل مسؤولية هذا الحادث الذي راح ضحيته 12 شخصا (7 عاملات فلاحيات) على عين المكان وأصيب حوالي 21 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، محملة صاحب الشاحنة المسؤولية بالدرجة الأولى، مع أن عدد الضحايا نفسه كاف ليبين حجم الغياب الكلي للحكومة، إذ كيف يتم غض الطرف عن « تكديس » هذا العدد في شاحنة واحدة قابلة للانعطاف في كل لحظة، خاصة بعد أن تكرر نفس سيناريو الحادثة مرات ومرات، دون أدنى تدخل يذكر من الجانب الحكومي تجاه هذه الفئة الاجتماعية المهشمة. حتى أن منطقة القيروان قد شهدت قبل يوم فقط حادثة مماثلة راح ضحيتها امرأتان من هؤلاء النسوة اللاتي يناضلن فقط من أجل عيش كريم.

وبدل أن يتم إيجاد الحلول الكفيلة بإخراجهن من الوضعية المضنية التي يعشنها، والاعتذار عن الإساءة التي تعرضن إليها طيلة الفترة السابقة من قبل من خيّروا تجاهل الوضعية، نجد حكومة الشاهد تعمق هذا الجرح الغائر عبر التنصل مجددا من كل مسؤولية، ليساء إليهن في الحياة وبعد الممات، من قبل حكومة متمادية في غيّها دون حسيب أو رقيب.

أين « المساواة » مع الجنس الواحد؟

هذه الفاجعة التي تعكس انتهاكا صارخا لأبسط حقوق المرأة من كونها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، تقع مباشرة إثر مشاركة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في منتدى المساواة بين الجنسين الذي احتضنته تونس تحت مظلة الأمم المتحدة أيام 24، 25 و26 أفريل 2019، والذي ظل يتغنى طيلة الأيام الثلاث بتمكين المرأة وبحقوقها الكونية انتصارا لقيم حضارة غربية رأسمالية، مارست على المرأة أبشع أنواع الاضطهاد، ثم أعلن تونس عاصمة للمرأة العربية، أي منطلقا لاستهداف المرأة عربيا.

ولذلك فإن كل متابع لهذه الأحداث المتزامنة سيخلص إلى نتيجة واحدة وحقيقة ساطعة، هي أن تمكين المرأة في ظل النظام الرأسمالي، ليس سوى تمكينا للمرأة المنخرطة في المنظومة الرأسمالية والمنادية بفرضها على الشعوب، لتظل الطبقة الكادحة (نساء ورجالا) مضطهدة من قبل رأس المال، بل قابلة للقتل والطحن في كل لحظة. وهكذا فإن الحديث عن « المساواة » بين الجنسين في بلاد الإسلام ليس سوى شعارا فضفاضا تتزين به الرأسمالية لقيادة نساء المسلمين لأجنداتها الخبيثة، التي لا تخفي عداءها للإسلام وأهله.

الحل أمام غياب الدولة، هو إقامة دولة العدل

إن الإنسان في نظر النظام الرأسمالي، ليس سوى رقما في معادلة يضعها المسؤولون الكبار، ليمارسوا على الشعوب ظلم التشريع والتنفيذ، ولذلك فإن الإبادة الجماعية للشعوب، سواء بالقتل والتهجير كما الحال في سوريا، أو بالإهمال والتقصير كما الحال في تونس، لا تعتبر مشكلا في نظر النظام الرأسمالي إن لم تكن هي الحل في غالب الأحيان. ولذلك، فالأصل في هذه الأحداث الأليمة، أن تدفع الشعوب المسلمة لإنكار الظلم وإزالة أسبابه، بأقصى طاقة وأقصى سرعة، وإلا فإن ظلم الرأسمالية المتوحشة سيأكل الأخضر واليابس إن لم نعجل ببناء قواعد النظام البديل.

آن للشعب المسلم في تونس، أن يصقل وعيه بالإسلام أكثر من أي وقت مضى، وأن يستمد حلوله من أحكام دينه لا من أبواق وأفواه أعدائه، وأن يستجيب لأمر الله بإقامة شرع الله، تحقيقا لوعد الله سبحانه وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم بخلافة راشدة على منهاج النبوة تضع حدا لحالة الضياع والضنك والشقاء التي فرضتها علينا الرأسمالية.

كما آن لقوات الأمن والجيش أن تقول كلمتها تجاه « إرهاب الدولة » المسلط على رقاب الأبرياء والعزل والقوات الحاملة للسلاح في آن واحد. آن للدماء أن تغلي في عروق الصادقين المخلصين من أهل القوة والمنعة انتصارا للمظلومين والمقهورين والكادحين من أبناء هذا الشعب الكريم، وأن تنهي حكم الأيادي المرتعشة التي تنوب الاستعمار في سياساته، ولا ترتضي غير إملاءاته، لنقلع أنظمة الكفر والفجور ونقيم نظام الحق والعدل على أنقاضها بإذن الله. قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ سورة الأنفال-الآية 24.

وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )