لماذا أقصيَت تونس من المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا؟

لماذا أقصيَت تونس من المشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا؟

في وقت تتأهب فيه القوات العسكرية والمستشفيات بالجنوب التونسي الواقعة على الحدود مع ليبيا لأي طارئ، أعلنت ألمانيا عن قائمة المدعوين لحضور مؤتمر ليبيا في العاصمة برلين اليوم الأحد 19 جانفي 2020، الذي اقتصر على رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، ورجل أمريكا خليفة حفتر، وممثلين عن الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية والاتحاد الافريقي والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والصين والإمارات وتركيا والكونغو ومصر والجزائر، في حين استبعدت تونس من المشاركة، مما أحدث تساؤلات عن أسباب وتداعيات هذا التغييب، لا سيما أن تونس معنية أكثر من غيرها وتضررت بشكل أكبر على مدى السنوات الماضية من انهيار الأوضاع الأمنية في جارتها، مقارنةً بمصر والجزائر.

ما وراء اجتماع برلين

بعد سيطرته على الشرق الليبي بمساعدة سيسي مصر، أطلق خليفة حفتر معركة طرابلس في الرابع من أفريل 2019 للسيطرة على المنطقة الغربية لليبيا الخاضعة لحكومة السراج، إلا أن حملته فشلت في السيطرة على المدينة بفعل المقاومة الشرسة التي أبدتها القوى المدافعة عن العاصمة، فلم ينجح حفتر في دخول المدينة بالرغم من مساعدة عملاء أمريكا له وإشراف فرنسا على غرفة عملياته العسكرية.

إلا أن حفتر جدد حملته في 12 ديسمبر 2019، حاثا قواته على التقدم باتجاه قلب طرابلس لخوض المعركة الحاسمة حسب قوله، وكان ذلك بتدخل ودعم روسي مباشر عبر مرتزقة الشركة الأمنية الروسية « فاغنر » المقربة من بوتين والتي تتعاون مع الجيش الروسي ويوكل إليها المهمات القذرة، مما دفع السراج، لعقد اتفاق مع تركيا للتدخل العسكري لصالح رئيس حكومة الوفاق، فكان لدخول روسيا وتركيا على الخط سببا دفع أوروبا للتحرك ودعوة ألمانيا لاجتماع برلين.

أقطاب الصراع في ليبيا

بعد مساعدة السنوسي في طرد الغزاة الإيطاليين من ليبيا سنة 1944، ثم انقلابها عليه في سبتمبر 1969 عن طريق القذافي الذي صنعته في سلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح المشاة في هايث، كينت، قامت بريطانيا بمساعدة ثوار ليبيا للإطاحة بالقذافي بعد الاجتماع الشهير الذي جمع السفير البريطاني بقادة ثورة فبراير 2011 في بنغازي وعلى رأسهم مصطفى عبد الجليل، ولم يكن لأمريكا آنذاك أي نفوذ في ليبيا.

بدأت أمريكا بالتحرك في ليبيا بعد وصول عميلها السيسي الذي أطاح بحكم الاخوان في مصر في صيف 2013، وكان ذلك عن طريق رجلها اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أطلق في منتصف مايو/ أيار 2014 عملية عسكرية تدعى « كرامة ليبيا » ضد مجموعات وصفها بـ “الإرهابية” في بنغازي، وانتقلت العملية لاحقا إلى العاصمة طربلس، وهكذا منذ سنة 2014 إلى اليوم والصراع الدولي مشتد بين قطبين رئيسيين هما أمريكا وبريطانيا مع وجود دول أخرى تتقلب بين القطبين حسب مصالحهم.

أما دخول روسيا وتركيا مؤخرا فلا يمكن أن يكون إلا بضوء أخضر أمريكي، ليضطلعا بنفس الدور الذي لعباه في سوريا، حيث أبديا نجاحا منقطع النظير في وأد الثورة السورية والحيلولة دون سقوط بشار عميل أمريكا، وهو ما يعد من أشد الاختراقات التي حققتها أمريكا في ليبيا، حيث أصبحت روسيا وتركيا، (وهما في صف أمريكا) من الفاعلين في مفاوضات الحل.

إقصاء تونس من اجتماع برلين

وبالرغم من طلب حكومة الوفاق الليبية السلطات الألمانية بدعوة تونس وقطر إلى مؤتمر برلين، إلا أن ألمانيا تجاهلت طلب تونس للمشاركة في المؤتمر، وقد أكد سفير ألمانيا بتونس اندرياس رينكيه يوم الخميس 16 جانفي 2020، أن عدم تشريك تونس في قمة برلين بخصوص الازمة الليبية كان قرارا صعبا وأن “الهدف الاول من القرار كان التقليص من عدد الجالسين إلى طاولة التفاوض باعتبار أن الغاية الأولى هي إقناع المتدخلين الخارجيين بمغادرة ليبيا وتركها لليبيين”.

إن تصريح السفير الالماني يؤكد أن انطلاق مسار مؤتمر برلين كان يستهدف أساسا القوى الأجنبية المتداخلة عسكريا في ليبيا، وبخاصة روسيا وتركيا، للمحافظة على النفوذ الأوربي من النفوذ الأمريكي الذي يريد أن يستخدم العصى الغليضة الروسية لتأديب حكومة الوفاق وترويض القوى التي تدافع عنها من خلال الاختراق التركي الذي نجح أيما نجاح في احتواء فصائل الشام، ويؤمل منه أن يفعل نفس الشيء في احتواء فصائل ليبيا الاسلامية كفجر ليبيا وغيرها.

ولا شك أن تونس لا يمكن أن تلعب أي دور في هذا المضمار لأن تونس ليست دولة فاعلة في الصراع الدولي على النفوذ في ليبيا حتى يكون لوجودها تأثير، وهي لا تختلف في ذلك عن مصر والجزائر فكلهم أدوات بيد القوى الغربية، حتى اتفاق الصخيرات الذي شاركت فيه تونس وانبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني كان بإشراف بريطانيا وبطلب منها.

ليبيا إلى أين

سيبقى الصراع محتدما بين القوى الدولية للسيطرة على ليبيا وثرواتها، ولن تتخلص ليبيا من هذا الصراع المحموم إلا إذا تحرك الشعب الليبي وتصدى لهذه المخططات. فالشعب الليبي بقواه الحية وحده القادر على إفشال مساعي الدول الكبرى في السيطرة على ليبيا ومقدراتها، وذلك إذا ما تحركت سريعا في عملية تجميع للقوى تحت قيادة سياسية مخلصة وواعية تملك مشروعا حضاريا إسلاميا تحرريا من كل القوى الاستعمارية، فالدول الكبرى تنجز مشاريعها على أكتاف العملاء والأغبياء من أبنائنا, ونحن نستنهض همم المخلصين من أحفاد عمر المختار أن ينبذوا العملاء ويتوقفوا عن سفك دمائهم، وأن يوجهوا بنادقهم للإستعمار البغيض، خاصة وأن الوقت أصبح مناسبا لقلع النفوذ الأجنبي وأدواته المحلية.

قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

د, الأسعد العجيلي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )