مأزق لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة الحكومة تتحسّس خطّ رجعة حفظًا لماء وجهها

مأزق لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة الحكومة تتحسّس خطّ رجعة حفظًا لماء وجهها

حدّث أبو ذرّ التونسي قال: لقد تضمّن تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة جرعة زائدة من الجراءة على الله ورسوله انحطّت به إلى درك الاستئناف على الفتح الإسلامي لتونس: فقد أتى على البقيّة الباقية من البهارات الإسلاميّة وطال النّاس في (السّميغ) العقائدي الذي يذكّرهم بانتمائهم الحضاريّ مع شحنة مقزّزة من الصّفاقة تجاوزت خطوطا حمراء لم تتجرّأ عليها حتّى أعتى الأمم المتهتّكة أخلاقيًّا (هولندا ـ السّويد ـ الدّنمارك ـ الولايات المتّحدة…) بحيث حرّك في الشعب غريزة التديّن وغريزة البقاء مَعًا وأذكى فيه هواجس الخوف من مستقبل مُبهم يُنذر بانخرام القيم وشيوع الفوضى والانفلات…فقد أطلق واضعو التقرير العنان لأنفسهم المريضة وجعلوا منه حلبة لتصفية حساباتهم الايديولوجيّة المقيتة مع الإسلام و (إنهاء المعركة الأخيرة مع الموروث الدّيني) حسب تعبير رئيسة اللّجنة بشرى بلحاج حميدة و أغرقوا في النّزعة المساواتيّة المتطرّفة دون مراعاة للفروق الفيزيولوجيّة والسلوكيّة والاجتماعيّة بين الرّجل والمرأة، وضربوا عرض الحائط بمكوّنات الشخصيّة القاعديّة للشعب التونسي ولما استقرّ في موروثه الحضاري من أعراف وتقاليد… كما طفح كيل تقرير اللجنة بمقترحات صادمة للمشاعر الإسلاميّة خادشة للحياء العامّ منافية للفطرة الإنسانيّة السويّة من قبيل ( عدم تجريم اللّواط والسّحاق ـ السّماح للشواذ بتكوين أسرة وتبنّي الأطفال ـ إلغاء عقوبة ممارسة البغاء وشرب الخمر وتعاطي المخدّرات ـ إلغاء عقوبة ازدراء الأديان والاعتداء على المقدّسات والتعدّي على الأخلاق الحميدة ـ إباحة المجاهرة بالإفطار وفتح المقاهي والمطاعم في شهر رمضان ـ حذف المعجم الإسلامي من القوانين والدساتير والخطاب الدّيني في المساجد ـ منع الختان باعتباره شكلاً من أشكال التّعذيب ـ رفع ولاية الأب والزوج والأخ والعمّ والخال عن المرأة وجعلها في حلٍّ من أيّ اعتبار معنوي للمحارم بحيث تفعل ما تشاء كما تشاء بما في ذلك الزّنا والشّذوذ في البيت الأسري وتسجيل إبنها اللّقيط باسمها…)…إنّها باختصار دعوة صريحة إلى تحطيم ركائز المجتمع ونسخ طبيعة العلاقات في الأسرة الإسلاميّة وهدم أركانها وتدمير مناعتها والتحرّر من عباءة الإسلام نحو جنّة العلمانيّة المتوحّشة الموعودة حيث لا تحريم ولا منع ولا (عُقد) بما يجعلنا نتساءل مشدوهين: هل أنّ رئيسنا السّبسي أم (علي شورّب)…؟؟

رفض شعبي كاسح

إزاء هذا الاستهداف الفضّ والوقح والصّادم والمستفزّ لعقيدة النّاس وأمنهم واستقرارهم ومستقبل أبنائهم وأسرهم عمّت موجة تسوناميّة من الامتعاض جميع شرائح المجتمع التونسي وأطيافه الفكرية والسياسيّة اتّخذت لها أشكالاً تعبيريّة متفاوتة من حيث التعقّل والتشنّج: من السّباب والشّتم والوصم والتّهديد والوعيد، إلى التحليل السياسي العميق والرّد الفقهي الشرعي الرّصين، مرورًا بالخطب والنشرات والعرائض والنقاشات الساخنة التي لم يخل منها مكان عامّ أو خاصّ…وقد مثّل فضاء التواصل الاجتماعي حلبة واسعة لتصفية حسابات الشعب التونسي المسلم الأبيّ المطعون في شرفه وعقيدته مع اللّجنة وتقريرها، حيث فاضت بتعليقات الرّفض والاستهجان والسُّخط والتبرُّء…وبصرف النّظر عن الانفعالات المنفلتة المغالية فإنّ تلك التعليقات تمحورت حول ثلاث نقاط كبرى تشي بمدى الوعي والنّضج الذي بلغه التّونسيّون… أوّلاً: التغطية على أولويّات الشعب الاقتصاديّة والاجتماعيّة وشواغله الحارقة ـ خاصّةً فئة الشّباب ـ وفي مقدّمتها البطالة وفتح الآفاق لأصحاب الشّهائد العليا…ثانيًا: محاولة وقحة لتمرير المشروع الجندري الماسوني الصّهيوني وراءها أطراف مرتهنة إلى الغرب فكرًا وولاءً تروم الاستقواء بسلطة الدولة السياسية لفرض خياراتها الشاذّة على الشعب…ثالثًا: مناورة سياسيّة وراءها الحكومة الغرض منها تعبئة النّساء لانتخابات 2019 وإحراج (الحليف اللّدود) حركة النّهضة وابتزازها وامتحان درجة مدنيّتها وإحراجها أمام قواعدها وناخبيها…ورغم اختلاف زاوية النظر للمسألة، فإنّ هذه النّقاط تعكس رفض أصحابها الواسع والقاطع والباتّ لما جاء في تقرير اللّجنة وتثير جملة من التّساؤلات حول الموقف المنتظر لحكومة العمالة والعار، والمآلات المنتظرة للجنة وتقريرها (عدا مزبلة التاريخ طبعًا)…

خطّ رجعة

لقد دفعت البراغماتية السياسيّة بالحكومة ـ ومن ورائها أوروبا ـ إلى القيام بانحناءة بسيطة ـ لا بدّ منها ولا بأس بها ـ لكي تمرّ عاصفة الرّفض الشعبي دون خسائر…فأخذت تتحسّس خطّ رجعة يحفظ لها ماء وجهها وهيبتها أمام الشعب والوسط السياسي ويقلب المعادلة من إسقاط المشروع تحت ضغط الشعب المسلم، إلى تأجيله أو تنقيحه لأسباب موضوعيّة إجرائيّة…من هذا المنطلق وفي تبادل للأدوار بين النّداء والنّهضة أطلقت الحكومة العنان للأصوات المنتقدة والمتحاملة والمتبرّئة والرّافضة للمشروع سواء من العلمانيّين الحداثيّين أو من المحسوبين على الخطّ الإسلامي ـ دكاترة وعلماء وصحفيّين وسياسيّين وجمعيّاتيين ـ وقد دشّن هذه الحملة المهدي بن غربيّة الوزير الكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدّستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان حيث استقال من هذه الوزارة الحاضنة للمشروع والتي من المنتظر أن تُلغى وتُحوّل مهامّها إلى ديوان رئاسة الحكومة…ثمّ تلاه صلاح الدّين الجورشي عضو لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة (المتنطّع) الذي أدلى بتصريحات صادمة من على منبر مؤسّسة التميمي بتاريخ 07/07/2018 حيث تبرّأ من اللّجنة (الّلعينة المترنّحة تحت قصف المجتمع المدني) ومن تقريرها، وكشف أنّ معظم السّفراء الأوروبيّين تواصلوا مع اللّجنة وأنّ سفير فرنسا طرح مسألة المثليّة الجنسيّة وشجّعهم على تبنّيها…كما أبدى تحفّظات حول تركيبة اللّجنة (المتكوّنة من طيف سياسي معروف بعدائه المبدئي للإسلام) وحول استقوائها بمؤسّسات الدّولة لفرض التغيير على المجتمع وحول استهدافها للأسرة التقليديّة ومحاربة كلّ نفس ديني فيها،…ثمّ كرّت مسبحة الإنتقادات التي لم تخرج في مجملها عمّا كشفه الجورشي، وما فتئت وتائر هذه الحملة تتسارع مع تعاظم الرّفض الشعبي والغليان الذي ينذر بالانفجار بمشاركة العديد من الرّموز لا سيما المحسوبة على اليسار الإسلامي من قبيل (محمّد القوماني ـ سامي براهم ـ محمّد الحمروني) وغيرهم (عبد اللّطيف الهرماسي ـ محمّد التومي ـ رضوان المصمودي)…

النّهضة على الخطّ

من جهتها أوعزت حركة النّهضة للأيمّة الموالين لها وللجمعيّات المنضوية تحت جبّتها بمهاجمة اللّجنة وتقريرها والتركيز على مخالفته للقرآن والسنّة والترويج لجملة من العرائض المندّدة بالتقرير والمطالبة بسحبه، وذلك في حركة سياسيّة خبيثة هدفها اكتساح المساحات وسدّ الفراغات وسحب البساط من تحت أي تحرّك جماهيري أو حزبي جدّي وامتصاص غضب الشعب واستنفاذ طاقاته في أعمال استعراضيّة تسيطر على الوضع وتمنعه من الانفلات…كما أوعزت النهضة أيضًا إلى المؤسّسات الشرعية المحسوبة عليها (ديوان الإفتاء ـ جامعة الزيتونة ـ الأساتذة والمشائخ الزّيتونيّين) بالنّفخ في كير الحملة المستهدفة للّجنة وتقريرها، هذه المؤسّسات التي التزمت الصّمت طيلة 03 أسابيع من تاريخ نشر التقرير، بل إنّ ديوان الإفتاء كان قد بارك خطاب السبسي الذي أذن فيه بإحداث لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة سنة 2017 واعتبره (أستاذًا وأبًا لكلّ التونسيّين) واعتبر مقترحاته (تدعيمًا لمكانة المرأة وتفعيلاً لمبدأ المساواة الذي نادى به الدّين الحنيف)…أمّا وقد سمحت لهم الحركة فقد انخرطوا في مهاجمة اللّجنة وتقريرها (المناقض لصريح القرآن والمخالف لأحكام الأسرة القطعيّة بما يشيع الفاحشة في المجتمع) وتبرّؤوا من أي مسؤوليّة علميّة أو أخلاقيّة عمّا جاء في التقرير…كما رأى الدّكتور الخادمي في مقترحات اللّجنة (ضعفًا وخلطاً وتلبيسًا ومغالطة اجتهاديّة مقاصديّة وانتصارًا لمقولات علمانيّة استئصاليّة)…

الدستور خطّ أحمر

إنّ ما تضمّنه تقرير لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة من المقترحات هو في الواقع مشروع استعماري مبدئي لا مَحيد عنه يستهدف الأمّة الإسلاميّة في مقوّمات هويّتها بُغية مسخها وحرفها عن عقيدتها وتصفيتها بالكليّة، ناهيك وأنّ وراءه البرلمان الأوروبي والمجلس العالمي لحقوق الإنسان وضغوطات صندوق النّقد الدّولي بالإضافة إلى الانخراط الأوروبي الكلّي في وضع لمسات التقرير الأخيرة عبر القناصل والسفراء…فالتخلّي عن هذا المشروع كليًّا غير مطروح ما دام هناك صراع بين الحقّ والباطل: وبما أنّ المناط السياسي ليس مناط تخلٍّ بقدر ما هو مناط تأجيل وتنقيح فقد رُسم لهُ ـ في تلافيف خطّ الرّجعة ـ خطّ رجعة مضادّ أي خطّ عودة عن الرّجعة يتمثّل في تركيز مقولة (عُلويّة الدّستور) بما هو الرّحم التي اعتمل فيها تقرير اللّجنة وتمخّضت عنها مقترحاته…فإبقاء الوسط الفكري والسياسي في حلبة دستور 2014 هو الكفيل والضمانة لتمرير مضمون التقرير بصرف النّظر عن التوقيت والأطراف والأدوات وطبيعة الطّرح…من هذا المنطلق فإنّ نفس الأطراف التي شنّت حملة خطّ الرجعة  وُظّفت أيضًا للتطبيل لدستور 2014 مع أنّه بيت الدّاء وأصل العلّة، ناهيك وأنّ عمل اللّجنة برمّته يتنزّل في إطار ملائمة التشاريع والقوانين مع مقتضيات دستور 2014…لذلك فقد مثّل هذا الدّستور كلمة السرّ وبيت القصيد والمشترك الذي أجمع عليه جميع المنتقدين والمتهجّمين على اللّجنة: فجماع مؤاخذات العلمانيّين تتمحور حول مخالفة تقرير اللّجنة للدستور لاسيّما في بنده الأوّل الذي يُعلي من شأن الإسلام باعتباره دين الشعب والدّولة…أمّا عن الطّيف الإسلامي فقد نادى صراحةً إلى الاحتكام لدستور 2014: إذ طالبت جامعة الزيتونة ومشائخها بسحب التقرير وإلغائه (استنادًا إلى ما ورد في الفصل الأوّل من دستور 27 جانفي 2014)، واعتبر الدّكتور الخادمي أنّ التقرير (مخالف للمعلوم من الدّستور وصريحه ) علمًا وأنّ الخادمي يشغل خطّة رئيس (التنسيقيّة الوطنيّة للدفاع عن القرآن والدّستور)…كما طالبت العرائض المروّجة بين النّاس بسحب مبادرة اللّجنة (التزامًا بأحكام الإسلام وبما ورد في الدّستور)…

المصائر والمآلات

بناءً على كلّ ما سبق ما هو المصير الذي ينتظر اللّجنة وتقريرها، وما هي المآلات المحتملة لهذا المشروع الاستئصالي الاستعماري بالوكالة المستهدف للهويّة الإسلاميّة لتونس..؟؟ إنّ المصادقة على هذا المشروع في ظلّ الاحتقان الشّعبي والمأزق الذي انحشرت فيه حكومة النّداء أمر مستبعدٌ جدًّا ـ وإن كان مطروحًا من باب الهروب إلى الأمام ـ ولكن منطقيًّا فإنّ أمام التّقرير احتمالين لا ثالث لهما: الأوّل يتمثّل في تنقيح البنود الواردة فيه وتقديم أكثرها استفزازًا لمشاعر المسلمين (المثليّة) كبش فداء لتمرير بقيّة البنود، وهذا ما لمّح إليه عضو اللّجنة (المتنطّع) صلاح الدّين الجورشي في منتدى التميمي حيث قال (المثليّة الجنسية أضرّت بالتقرير الذي يحتوي على مسائل كثيرة مهمّة وإيجابيّة للمجتمع، ولكن حشر المثليّة فتح الأبواب على مصراعيها لاتّهامنا بالقضاء على نمط الأسرة التقليدي)…الاحتمال الثّاني يتمثّل في تأجيل المشروع مع السّعي إلى تلافي أخطاء النّسخة القديمة شكلاً ومضمونًا، وذلك عبر إثراء تركيبة اللّجنة المحسوبة على الطّيف الحداثي وإشراك الإسلاميّين فيها، والحرص على تمرير البنود بغطاء اجتهادي مقاصدي بعيد عن الاستفزاز، ومزيد العمل مع القواعد الشعبيّة حتى لا يكون المشروع مسقطًا منبتًّا عن الشارع، ثمّ تمكين مؤسّسة الزيتونة من دور يرضي غرورها ويورّطها في أخذ القرار…وقد عبّر الجورشي عن ذلك أيضًا في نفس النّدوة حيث توجّه بتلك المطالب إلى رئيس الدّولة بما يفضي إلى تعويم المسؤولية عن الجريمة وتوريط الإسلاميّين في اقترافها وتفريق دم الأحكام الشرعية بين القبائل الفكريّة والفقاقيع الحزبيّة التي تؤثّث المشهد السياسي في تونس، وصدق الله العظيم حيث قال (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)…

بسّام فرحات

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )