ماذا وراء زيارة وزير المستعمرات البريطاني إلى تونس؟

ماذا وراء زيارة وزير المستعمرات البريطاني إلى تونس؟

 أليستر بورت، هو الوزير البريطاني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مرّ من تونس يومي 02 و03 أوت 2017 في إطار جولة في المنطقة بدأت بالجزائر، والهدف المعلن من زيارته « مواصلة دعم تونس وتطوير علاقات التعاون والشراكة بين البلدين، خاصة على المستوى الأمني وفي المجال الإقتصادي« .        
وبين أن اللقاء الذي جمعه صباح الخميس بوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، تطرق إلى الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد والجهود المبذولة في هذا الإطار    .
كما أعلن أن المملكة المتحدة وتونس ستوقعان قريبا مذكرة تعاون في مجال مكافحة الفساد، مؤكدا أنّ بريطانيا ستوفر الوسائل التقنية الناجعة في هذا المجال.

ولم ينس أليستر بورت أنّ « نجاح » تونس في محاربة الإرهاب كان بفضل « العمل الدؤوب للسلطات التونسية بالتعاون مع الحكومة البريطانية وجهودهما المبذولة على المستوى الأمني لمكافحة الإرهاب وتحسين وتأمين سلامة السياح الوافدين من كل أنحاء العالم« .    .
أمّا خميس الجهيناوي وزير الخارجية (سفير تونس السابق في لندن) فقد أكّد ضرورة مواصلة التعاون بين البلدين في المجال الأمني وأن بريطانيا قد ساعدت تونس ودعمتها في هذا المجال، عبر تأمين العديد من المراكز وتقديم المساعدة الفنية، مضيفا في الآن ذاته أنه تم الإتفاق مع الجانب البريطاني حول بعض الخطوات لتعزيز وتفعيل التعاون في عديد المجالات، بما في ذلك المجال الاقتصادي.
أمّا الهدف الثاني من زيارة الوزير البريطاني فيتعلّق بالمسألة الليبيّة (وفق الجهيناوي، الذي صرّح بأنّ لقاءه يوم الخميس 03/08/2017 بالوزير البريطاني قد تطرق إلى الأوضاع في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وخاصة في ليبيا والخطوات التي تمت في الفترة الأخيرة واللقاءات التي جدت بين مختلف الفرقاء الليبين.
وأكد تطابق وجهات النظر وجود نفس التوجه في هذا الجانب لدفع الليبيين لمواصلة المباحثات وتخطي خلافاتهم للوصول إلى حل سلمي لمصلحة ليبيا ومصلحة دول الجوار، بما في ذلك تونس.
ويذكر أن وزير الخارجية خميس الجهيناوي سيزور بريطانيا يوم 9 أكتوبر 2017.

لا تخطو الحكومة في تونس خطوة إلا بتدخّل أجنبي مباشر ولا تترك بابا أو نافذة أو كوّة إلا فتحتها للدول الطامعة في بلادنا، لتسلّمهم البلاد. قد يُقال أنّ في هذا الكلام مبالغة أو تحريضا على الحكومة. فلنستعرض بعض الوقائع:

1- أليستر بورت هذا هو الوزير البريطاني لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعني أنّه المكلّف بضمان مصالح بريطانيا في المنطقة ومعلوم عند المتابعين أنّ بريطانيا دولة استعماريّة وتاريخها حافل ولا تزال إلى اليوم تحلم بإعادة المجد إلى التّاج البريطاني لتعود الإمبراطورية التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس. وهذا يجيز لنا أن نسميه وزير المستعمرات البريطاني.

2- حكّام تونس لا دور لهم إلا تنفيذ سياسات الجهات الاستعمارية بدليل أنهم سلّموا اقتصاد البلد لصندوق النّقد الدّولي وسلّموا حقول الغاز والبترول للشركات البريطانيّة وأهمّها حقل ميسكار (الذي يُعدّ من أكبر حقول الغاز في إفريقيا)، وسلّموا للسفارة البريطانيّة رئاسة الحكومة لتصوغ هيكلها الإداري و »تدرّب » رؤساء المصالح فيها على استراتيجيّة تضعها لهم بريطانيا للسنوات الخمس القادمة من أجل وضع تصوّرات للسياسات العامّة. وسلّموا أمن البلاد تخطيطا وتشريعا وتمويلا وتنفيذا، لبريطانيا بمساعدة الاتّحاد الأوروبيّ. ولم يكن هذا التسليم سرّيّا من وراء الأبواب المغلقة كما كان من قبل، بل صار علنيّا بحضور وسائل الإعلام وفي مقرّات وزارات « السّيادة » وباتّفاقيّات وقّعها وزراء حكومات « ثوريّة ». ففي الخامس من نوفمبر 2015 أعلن السفير البريطاني حينها « هامش كاول » (بحضور وزير الدّاخلية السابق « ناجم الغرسلي ») عن انطلاق نشاط وحدات التخطيط الاستراتيجي التابعة لوزارة الدّاخلية التونسية، سطّرت برنامجها بريطانيا تحت اسم « برنامج القدرات حول التخطيط الاستراتيجي »، والغرض المعلن من هذه الاتّفاقيّة التنسيق الاستخباراتي والميداني (إن لزم) مع أوروبا وعلى رأسها بريطانيا. وفي اليوم نفسه 2015/11/05 أعلن الاتحاد الأوروبي منح تونس 23 مليون يورو لتمويل « برنامج دعم إصلاح وتحديث قطاع الأمن » فوقع ناجم الغرسلي وزير الدّاخليّة اتفاقية التمويل مع « لاوراباييزا » سفيرة الاتحاد الأوروبي. وقالت السفيرة الأوروبية أن الهدف من هذا التمويل هو « تطبيق إصلاح قطاع الأمن عبر تطوير عقيدة تتناسب مع القيم الديمقراطية… »، معتبرة ذلك « تحدياً كبيراً« .

3- واليوم يأتي أليستر بورت في أوّل أيّام تسلّم مهمّته ليتفقّد ما آلت إليه الاتّفاقيّات مع تونس ومن ثمّ ليواصل تسيير تونس بل كامل المنطقة. وإلا فما شأن بريطانيا الشؤون الدّاخليّة لتونس؟ وما شأنها وليبيا؟ يدّعي أليستر بورت أنّه يدعم تونس في مكافحة الفساد، مع أنّ بريطانيا هي التي أسست للفساد في تونس. فكيف سيطرت بريطانيا على قطاع الطّاقة في تونس؟ أليس بالفساد؟ ألم يهب بن علي حقل ميسكار للشركة البريطانيّة لتستأثر به من دون أهل البلد؟ ثمّ ألم تستول شركة بتروفاك البريطانيّة على حقول الغاز في جزيرة قرقنة بالرّشوة؟      
حكّام تونس اليوم يسلّمون البلد لبريطانيا باتّفاقيّات كما سلّمها البايات من قبل لفرنسا باتّفاقيّة الحماية سنة 1881م. فبريطانيا التي أدارت تغيير الوضع السياسي في البلاد، كي تضمن مصالحها وكي تبقى تونس تحت سيطرتها، رأت أنّ ضعف الحكومة أصبح ظاهراً للعيان، وأنّ أهل تونس فقدوا ثقتهم في أغلب السياسيين. لذلك لجأت بريطانيا للظّهور العلنيّ لربط تونس باتّفاقيّات تكبّلها مهما تغيّرت الحكومات والوجوه والعناوين، وهذه الاتّفاقيّات:

  • تجعل بريطانيا المسيّر الفعليّ لتونس، أمّا حكّامنا فمجرّد موظّفين عندهم ينفّذون ما يؤمرون. فلا يضرّ تغييرهم أو سقوطهم.
  • تجعل بريطانيا ومعها الاتّحاد الأوروبي يصوغ العقيدة الأمنيّة لأجهزة الأمن عندنا. وكأنّها أجهزة أمن بريطانيّة أو أوروبيّة لا يعنيها من حفظ الأمن إلا حفظ مصالح شركات بريطانيا وأوروبا.
  • تجعل الأجهزة الأمنيّة في خدمة الرّأسماليّة (الديمقراطيّة) لا في خدمة أشخاص الحكّام الذين تنذر الأحداث القادمة بالثورة عليهم مرّة أخرى وبتغييرهم وعندها لا يهمّ الأجهزة الأمنيّة سقوط الأشخاص أو تغيّرهم لأنّ مهمّتهم الموكولة إليهم حماية النّظام وخدمة « الجمهوريّة » التي صنعتها بريطانيا وأوروبا على مقاسها.
  • فالعقيدة التي يريدون غرسها هي تحقيق « الاستقرار » الذي لا يعني إلا إسكات أصوات الثائرين المطالبين بحقوقهم، (ألم ينزعج سفراء بريطانيا والاتّحاد الأوروبي حين خرج شبابنا مطالبين بحقّهم في ثروتهم (في حملة « وينو البترول؟ »)؟
  • تجعل الشركات البريطانيّة والعالميّة تنهب البلاد في « أمن وأمان » بأيدي أبناء تونس الذين ستسخّرهم الاتّفاقيّات (قروض صندوق النقد ومنح الاتحاد الأوربي المسمومة، وقانون الشراكة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ والمخطّط الخماسي…) يدا عاملة رخيصة تشقى بالليل والنّهار لينعم المستعمر وشركاته.

إن حقيقة تحكُّم بريطانيا بتونس ماثلة للعيان لكنّ الحكّام والسياسيين يصرخون بأن صداقتهم مع الدّول الغربيّة هي لمصلحة البلاد، زاعمين أنّ تونس في حاجة إلى الغرب. ولكن الحقيقة هي أنّ الغرب هو المحتاج إلى تونس لينهب ثرواتها وليجعلها جسرا وبوّابة يهيمن بها على المنطقة، وشركاته هي المحتاجة إلى تونس تسخّر لها اليد العاملة الرّخيصة، وهي المحتاجة إلى برلمان تونس ليمنحها الامتيازات الضريبيّة لتغدو تونس « جنّة ضريبيّة لهم »، والحقيقة أنّ المحتاج إلى الغرب هم فقط حفنة من الحكّام والسياسيّين والانتهازيين – عديمي الحياء – انسلخوا عن أمّتهم، كي يظلوا في السلطة ولو ضدّ مصالح الناس جميعا حماية لمصالح بريطانيا وأوروبا.
إن من يعانق بريطانيا كمن يعانق الأفعى التي لا تقترب منك إلا لتلدغك. يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [الممتحنة: 2].
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:  «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين». وإنّنا في تونس لم نلدغ من نفس الجحر مرتين بل مراتٍ ومراتٍ من جراء التحالف مع بريطانيا وأوروبا، التي تجاهر بعدائها للإسلام والمسلمين! أليس من العار أن تراق الدماء الزكية في سبيل تمكين أوروبا بزعامة بريطانيا من فرض سيطرتها عليكم وتقسيم بلادكم وجعلكم جنودا لها تتصدّون لإخوانكم إذا خرجوا يريدون تطبيق شرع الله الذي يكفل حقوقهم في الدنيا وفوزهم في الآخرة؟

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )