معالم خارطة الطريق العسكرية الأمريكية في تونس

معالم خارطة الطريق العسكرية الأمريكية في تونس

اختتم وزير الدفاع الأمريكي « مارك اسبر » جولته المغاربية يوم الجمعة 02 أكتوبر2020 بدولة المغرب، بعدما استهل زيارته لتونس يوم الأربعاء 30 سبتمبر ثم الجزائر يوم الخميس 01 أكتوبر، وقد تم توقيع ما سمي بوثيقة خارطة طريق لآفاق التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولتي المغرب وتونس في مجال الدفاع بالنسبة إلى العشرية القادمة، زعموا أنّها لمجابهة التحديات الأمنية، وخاصة مُحاربة ما يسمى بالإرهاب الذي يأتي على رأس مجالات التحالف، وهو ما أكّده الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي عبّر عن أهمية التعاون بين بلاده وواشنطن في مواجهة التحديات المشتركة، وفي مقدمتها الإرهاب.

وتأتي زيارة مارك اسبر إلى تونس بعد خمسة أعوام من زيارة الباجي قايد السبسي إلى واشنطن وتوقيع اتفاقية مع واشنطن  تمنح  تونس وضعية «الشريك المميز للولايات المتحدة الأمريكية من خارج حلف الناتو»، كما تأتي هذه الزيارة بعد6 أشهر فقط عن الاستعراض الجوي العسكري الذي نظمه البنتاغون في مطار جزيرة جربة السياحية بحضور الرئيس قيس سعيد وقيادة الأركان للجيش التونسي.

اهتمام أمريكي متزايد بتونس

لقد تعاظم اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتونس منذ توقيع الاتفاق المشؤوم الذي جعل من تونس حليفا رئيسيّا لأمريكا من خارج حلف الناتو، فتعددت زيارة العسكريين الأمريكيين لتونس، ففي التاسع من سبتمبر 2020 زار الجنرال « ستيفن تونسند » قائد القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا « أفريكوم » قصر قرطاج والتقى بالرئيس قيس سعيد في إطار زيارات مكوكية أدّاها تونسند ومساعدوه خلال الثلاثية  الماضية شملت الدول المغاربية عقدوا خلالها جلسات عمل مع الرئيسين قيس سعيد وعبد المجيد تبون ومع العاهل المغربي ومع رئيس حكومة طرابلس فايز السراج  ومع وزراء الدفاع وقادة الأركان في الدول المغاربية ومع القيادات العسكرية الليبية، وهو ما يؤكد أن خارطة الطريق مهّد لها قادة عسكريون وعلى رأسهم القائد العام لقيادة القوات الأمريكية في أفريقيا – افريكوم – الجنرال ستيف  تونسند          وكان هذا الجنرال قد اتصل في 28 ماي 2020 بوزير الدفاع السابق عماد الحزقي ليعرض عليه إمكانية « استخدام لواء أمريكي لمساعدة قوات الأمن » في تونس على خلفية الأنشطة العسكرية الروسية في ليبيا، وهو ما يعني نيّة أفريكوم زيادة نشر قوات قتالية في تونس تحت غطاء تدريب قواتنا الأمنية والعسكرية، وقد أكّد مارك اسبر هذا في تصريح له من قرطاج بوصف تونس بالشريك المتميز لواشنطن، مضيفا في هذا الإطار أهمية الدعم المقدّم من جانب واشنطن في مجال أمن الحدود ومساهمتها في تركيز منظومة المراقبة الإلكترونية بالحدود الجنوبية الشرقية والغربية لتونس وفي تطوير القدرات العملياتية للجيش التونسي.

والجدير بالذكر أن عدد العسكريين والمدنيين الذين شاركوا منذ 2011 في دورات  تدريب مع البنتاغون والمؤسسات الراجعة إليه بالنظر يعتبر الأكثر مقارنة بنظيراتها من دول المنطقة

خارطة طريق أمريكية متعددة الأهداف

وبالرغم من تكتم السلطات التونسية عن تفاصيل هذا الاتفاق العسكري الأمني الاستراتيجي وطبيعة التسهيلات التي تقدمها للجيش الأمريكي مقابل المساعدات الأمريكية التي بلغت أكثر من مليار دولار حسب أفريكوم، لما تمثله هذه التسهيلات من خيانة لله ولرسوله وللمسلمين، فإن صحفا أمريكية كشفت عن وجود عشرات الضباط من سلاح الجو الأمريكي تتمركز بقاعدة سيدي أحمد الجوية ببنزرت التي تنطلق منها الطائرات المسيرة للتجسس على المسلمين في دول الجوار، أو لاستعراض عضلاتها في المنطقة من خلال العروض الجوية العسكرية كالتي نظمتها في شهر مارس الفائت في جزيرة جربة.

لقد كشف مسؤول عسكري أمريكي في تصريح له لوكالة « فرانس برس » معالم خارطة الطريق العسكرية الأمريكية، بقوله: إن هدف زيارة إسبر إلى تونس هو تعزيز العلاقات مع هذا الحليف « الكبير » في المنطقة ومناقشة التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، على هذا البلاد، إضافة إلى « الاضطراب الإقليمي الذي تفاقمه الأنشطة الخبيثة للصين وروسيا في القارة الإفريقية ».، وهو ما أكّده إسبر في قرطاج عندما بيّن أن الهدف هو مواجهة « المتطرفين والذين يمثلون تهديداً » وأيضاً « منافسينا الاستراتجيين الصين وروسيا » بسلوكهما « السيئ ». فهي تشمل أهداف متعددة من بينها:

  • الهدف الاستراتيجي

إن الهدف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في العالم ومنها إفريقيا هو الهيمنة الكاملة وذلك بالسيطرة على منابع البترول والثروات ومراقبة كل الممرات البحرية في العالم من جهة، وتعويض النفوذ الاستعماري القديم المهترئ لتحلّ هي مكانه، والحيلولة دون تحرّر الأمّة الإسلاميّة وإقامة دولة الخلافة. فالاستراتيجيّة الأمريكيّة إذن إخضاع كلّ العالم لسيطرتها والاستمرار في امتصاص الدماء ونهب الثروات.

وبما أن أمريكا تدرك أن الوسط السياسي في تونس تحت السيطرة الأوروبيّة، عمدت إلى وسائل أخرى غير الأعمال السياسية المعتادة مع الوسط السياسي للنفاذ إلى المنطقة، ومن أبرزها أمران:

  • الأول موضوع الإرهاب واستغلاله لإيجاد نفوذ عسكريّ بالاتفاقيات العسكرية والنفاذ لقيادات الجيش بدعوى التدريب والمساعدات العسكرية ثم القواعد العسكرية إن أمكن.

  • والثاني المساعدات الاقتصادية والمؤسسات الدوليّة التابعة.

  • إنشاء قاعدة عسكرية لأفريكوم

 وكان من محاولات إنشاء القواعد القرار الذي اتخذه جورج بوش الابن بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية في إفريقيا “أفريكوم” في السادس من فيفري 2007، ومع أن هذه القيادة مصنوعة أصلاً للهيمنة على أفريقيا ونهب ثرواتها واستعمار أهلها إلا أن أمريكا على عادة المستعمرين حاولت أن تُظهرها كما لو كانت لحماية أفريقيا.

  • محاربة الإسلام باسم مقاومة الإرهاب

إن مشروع “أفريكوم” قد تم تسويقه بحجة الحرب العالمية على “الإرهاب”، إلا أن هذا المشروع يحمل في طياته الكثير من الأهداف التي تصب كلها لتكريس الهيمنة الأمريكية على العالم، فهو ليس لحماية أفريقيا من مخاطر “الإرهاب”.

  • التصدي للتمدد الروسي الصيني

أما التمدد الروسي والصيني الذي وصف بالخبيث فلا يعدو أن يكون شماعة جديدة تستخدمها واشنطن لدفع دول المنطقة لتقديم التسهيلات العسكرية لجيوشها بما فيها قاعدة عسكرية لقوات أفريكوم كما استخدمت البعبع الإيراني لجعل دول الخليج ترتمي في الأحضان الأمريكية، فروسيا لم تدخل ليبيا إلا بضوء اخضر أمريكي لإزاحة الأوروبيين من أمامها بجعل حل القضية الليبية بين تركيا وروسيا في استنساخ واضح للسيناريو السوري الذي حوّل محادثات الحل من جنيف إلى سوتشي وأخواتها. أما الصين فهي عبارة عن تاجر جبان ينسحب من المعركة بمجرد التهديد والوعيد.

  • ليبيا أولوية أمريكية

ولا شك أن الملف الليبي يعد من الأولويات في السياسة الأمريكية في شمال إفريقيا في الوقت الراهن، من أجل إحكام السيطرة على ليبيا ومقدراتها، لذلك تشمل زيارة وزير الدفاع وخارطة الطريق التي وقعها مع تونس الملف الليبي وذلك بالتنسيق الأمني والعسكري بين تونس وأمريكا تحت يافطات عديدة من بينها «حماية الحدود البرية والموانئ البحرية والجوية ومكافحة الإرهاب في الدول المغاربية ودول السّاحل والصحراء الافريقيّة.

المنصف باي سليل العائلة الحسينية يرفض والرئيس قيس سعيّد يستسلم

ومن المفارقات أن وزير الدفاع الأمريكي إسبر ألقى خطاباً في المقبرة العسكرية الأمريكية في قرطاج، أين يرقد العسكريون الأمريكيون الذين سقطوا في شمال إفريقيا خلال الحرب العالمية الثانية. وكأنه يريد تذكيرنا بالغزو الصليبي لبلادنا سنة 1942 زمن المنصف باي رحمه الله الذي رفض بشكل قاطع طلب الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت السماح لقواته وقوات الحلفاء بالتنقل داخل تونس للقضاء على قوات المحور في شمال إفريقيا، اتخذ هذا الموقف بالرغم من أن تونس ترزح تحت الاستعمار الفرنسي والألماني، وبالرغم من أنه لم يمض على اعتلائه العرش واستلام الحكم سوى أشهر معدودة، ما أدّى إلى الإطاحة به عندما انتصر الحلفاء (أمريكا بريطانيا فرنسا…) على دول المحور (الألمان…)، حيث داهمت القوات الإنجليزية قصره بحمام الأنف في 10 ماي 1943 ووقع نفيه إلى الجزائر ثم فرنسا بعد رفضه التنحي عن الحكم. أما الرئيس قيس سعيد فبعد الزيارة الفضيحة لفرنسا واعتبار الاستعمار الفرنسي هو حماية وليست احتلالا، ها هو اليوم يُمكّن للجيش الأمريكي الصليبي الذي فتك بأهلنا في العراق وأفغانستان، يُمكّنه من بلادنا بمعاهدة ظالمة يستحق فاعلها الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

خاتمة

إن أمريكا دولة عدوة للإسلام والمسلمين وإن “أفريكوم” صُنعت أصلاً لمحاربة الإسلام بذريعة محاربة الإرهاب وللهيمنة على أفريقيا، وإن زيارة قائد أفريكوم ووزير الدفاع الأمريكي المحسوب على المحافظين في حكومة ترامب ليدل على أن أمريكا لا تريد من تونس أن تسمح لها بقاعدة عسكريّة بل هي ماضية تريد أن تجعل من كلّ تونس قاعدة متقدمة لقواتها في شمال إفريقيا، وإن مساعداتها المسمومة ليست سوى رشوة وسمّا في الدّسم وشرا مستطيرا، فالجيوش الأمريكية إذا دخلت بلدا أفسدته وجعلت أهله أذلة، وما فعلوه في العراق يغني عن المقال، وقد حرّم الله علينا موالاة الكفار فقال: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أ َوْلِيَاء﴾ وحرّم علينا أن نجعل للكفار علينا سبيلا فقال: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، وإن دول الكفر وعلى رأسها أمريكا لن يستأصل وجودها من بلادنا إلا دولة الخلافة على منهاج النبوة، وإننا ندعوا المخلصين من أهل الرأي والفكر والقوة للعمل معنا لإقامتها فينالوا عزّ الدنيا وأجر الآخرة.

د. الأسعد العجيلي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )