مملكة آل سعود، إلى أين؟

مملكة آل سعود، إلى أين؟

منذ أن اعتلى سلمان عرش السعودية لم يتوانَ عن القرارات التي تنم عن ثقة كبيرة مردها ثلاث ركائز أساسية:

أولا: الدعم الأمريكي القوي، فالحاجة الملحة لأمريكا للإسراع في نسف كل ما كان يعيقهم من العهد السابق، دفعتهم لأن يساندوا سلمان بشدة بل ويدفعوه لاتخاذ هذه القرارات بزمن قياسي، وهو واثق أن أمريكا تسند ظهره…

ثانيا: لقد كان سلمان قبل حكمه بمثابة « مختار » آل سعود أو شيخ عشيرتهم، فكان له قضاء العائلة والحكم بينهم ومحاسبتهم وتأديبهم، فهو صاحب الكلمة المسموعة، فلم يتوان أن يعاملهم بعد ملكه كما كان قبله…

ثالثا: ولعلها الأهم، وهي المؤسفة حقا، أنه ملأ يده بشكل كبير بمجموعة من المشايخ الذين يستطيعون أن يشرعنوا كل عمل يقوم به بل ويزينوه!!

رابعا: لقد بدأ حكمه ببعض القرارات المستساغة للناس والعائلة، حتى إن بعض الناس ظنوا أن عصره سيكون أكثر « تدينا » من عصر سلفه بتقريبه للمشايخ وبإعطائهم الصبغة الدينية لحرب اليمن، ولكن أهم قراراته كان تعيين ابن نايف وليا لولي العهد ومن ثم وليا للعهد، لقد كان لابن نايف قبول لدى العائلة وحتى الناس، بل إنه كان بمثابة طمأنة لهم جميعا على مستقبل الحكم والانتقال السلس للسلطة من عهد إلى عهد دون بلبلة، ولكنه ما لبث أن قامر بذلك كله مؤخرا عندما أعفى ابن نايف وألبس ابنه ولاية العهد دون حساب لأحد، وهذا ينقلنا إلى عهد محمد بن سلمان…

لقد كان تعيين محمد بن سلمان منذ البداية قرارا غريبا بالنسبة للعائلة والناس، فهو الجديد على السياسة، المعروف بطيشه وحداثة سنه مقارنة مع الكثيرين من أعمامه وأبنائهم، ولكن أمر ولي ولي العهد لم يكن أمرا ذا بال ما دام ولي العهد المقبول نسبيا موجودا وهو الملك المتوقع، إلا أن الغرور والطمع في السلطة كانا واضحين على ابن سلمان منذ تعيينه وبدعم من أبيه ودعم من الركائز المذكورة، فأصبح يتصرف كأنه الحاكم الفعلي للبلاد ويصارع ابن عمه علنا، لكن التهور والأثر السلبي كان واضحا في جل القرارات التي يتصدى هو لإصدارها، فكان التذمر السمة العامة تجاه كل ما يأخذه من قرارات حتى أصبح يخشى من فقدان الفرصة التاريخية، فكان لا بد من الإسراع بإزاحة ابن عمه ووضع الجميع تحت الأمر الواقع، ولا أظن ذلك كان ممكنا بهذه السرعة لولا مجيء ترامب للسلطة، فليس من السهولة لأمريكا التضحية بعميل مخلص تربى بأيديهم من أجل شاب طائش قد يدمر ما بنوه في سنوات، لكن ترامب بعقلية التاجر المتهور لم يكن ليفكر بعيدا، بل عقليته: أتريد الحكم؟ إذن كم تدفع وماذا تقدم؟ وطبعا فإن ابن سلمان كان مستعدا لتقديم أي شيء من أجل هذا المنصب، فقدم الأموال والتنازلات والتغييرات، وقد بدت معالم ذلك منذ بداية عهده وستبرز بشكل أكبر في قادم الأيام، ومن أبرز هذه المعالم:

أولا: التوجه نحو الرأسمالية المطلقة في الاقتصاد، تجلى ذلك في الخصخصة، فبعد أرامكو، كانت الصحة والمطار والأندية الرياضية وغيرها، وكان ابن سلمان قد أشار لذلك في مقابلته الشهيرة حيث قال إن الاشتراكية هي من تربط كل شيء بالدولة ونحن لسنا اشتراكية، كما تجلت في محاولة التجارة في كل شيء، حتى الحج والعمرة لا بد أن يُستخدما كأداة لدر المال بشكل أكبر، وحتى الوافدين ومرافقيهم يجب أن يستخدموا كأداة لدر المال، وهكذا…

ثانيا: مزيد من الفساد والانفتاح فيما يتعلق بالفن والسياحة والحريات الليبرالية وشؤون المرأة، وقد بدأ ذلك بهيئة الترفيه وأنشطتها، وقوانين عمل المرأة ورياضتها والتساهل التدريجي باللباس الشرعي وبشكل يبدو ممنهجا…

ثالثا: تحجيم دور المشايخ وإبراز العلمانيين بشكل أكبر، يترافق ذلك مع إنهاء شبه تام لدور الهيئة وإنشاء مركز « اعتدال » لمحاربة كل فكر إسلامي لا يتسق مع سياسته والتوجه لتعديل مناهج التعليم لترسيخ ذلك، وإسكات كل صوت مخالف لهذا الاتجاه، ولعل الصبغة العامة أن السعودية « دولة دينية » لا تناسب عصر ترامب، وابن سلمان ماض في تغييرها بجدّ…

رابعا: عمل سلمان منذ استلامه على مرحلة جديدة من حكم آل سعود، ربما يصح أن نسميها مرحلة آل سلمان، بدأها بتعيين ابنه وليا لولي العهد، ثم وليا للعهد؛ ملكا فعليا بتصرفاته وملكا رسميا مرتقبا سواء بتنحي سلمان أو موته أو حتى بعزله من ابنه، ولم يترك سلمان ابنه وحيدا في ذلك الاتجاه بل عززه بتعيين جل إخوته وأبنائهم في مناصب مهمة في الإمارات أو الوزارات أو السفارات، وكي يخفف من وطأة هذا « الاحتكار » على أبناء العائلة قام بمحاولة لإرضائهم ببعض المناصب، كما أن الترقيات الأخيرة شملت ثلاثا من أهم القبائل وهي المطيري والحربي والعتيبي في محاولة لاستمالة أبناء هذه القبائل لصفِّه وأبنائه، لكن ذلك لا يغير تفرده وعائلته في المناصب المهمة، ولا يمنع أي قرارات عزل أو إلغاء مستقبلية، بل ستتجدد مع تفرد ابنه بالسلطة فهو سيعزز هذا الخط وسيعمل على التخلص من بقايا العهد القديم وكل من يمكن أن ينافسه من أشخاص أو أجهزة.

خامسا: ولأن مثل هذه القرارات ستسبب سخطا حتما، كان لا بد من إحكام القبضة الأمنية وعلى ذلك تم إنشاء جهاز أمن الدولة، وهو امتداد جديد للسلطة المطلقة التي يسعى إليها ابن سلمانفهذا الجهاز سيتحكم في المخابرات والسلطات الأمنية ويحجم دور الداخلية والحرس الوطني وإمارات المناطق، وسيسعى من خلاله لإرهاب العائلة المالكة نفسها وتهديدها بالبطش، وكذلك الحال مع كل من يفكر في إنكار تصرفاته من الناس…

ومع كل ذلك فإن الظن أن الطريق أصبحت معبدة أمام آل سلمان نحو مملكتهم الجديدة لهو ظنٌ واهٍ لأسباب عديدة أبرزها:

أولا: إن القبضة الأمنية التي يحاول سلمان وابنه فرضها على أبناء العائلة لإخضاعهم لا يمكن أن تلقى قبولا وسيظل التذمر والسخط، وبخاصة بعد الأخبار عن الإقامة الجبرية لمحمد بن نايف أو التسريبات عن إعفائه لإدمانه، وهذا أمر لا تتقبله العائلة، ولا تأمن جانبه من بعده، وقد بدأ رفض ذلك يظهر للعلن، كما أن استمراره في تحجيم صلاحيات الأمراء الآخرين وأجهزتهم، والعزل والحل بكل استخفاف لن تطيقه العائلة طويلا ولا بد أن ينفد صبرهم عليه…

ثانيا: إن طيش ابن سلمان لن يتوقف عند تنصيبه وليا للعهد أو استلامه للسلطة، فهو مستمر في قراراته التي قد تعجل بنهايته، فالمساس بالأمور الدينية أو الأمور المتعلقة بتقاليد المجتمع أو المرأة، هي خطوط حمراء لدى المجتمع لن يصمتوا طويلا على تجاوزها مهما كانت القبضة الأمنية صارمة…

ثالثا: إن الوضع الاقتصادي يزداد سوءا يوما بعد يوم، وهو إلى انهيار ما لم تتداركه الدولة، ومع سياسة محمد بن سلمان فلا أفق تدارك، وهذا أمر حساس للناس لن يطيقوا عليه صبرا طويلا…

رابعا: ربط ابن سلمان نفسه بشكل كبير بشخص ترامب، ظنا منه أن مصيره بيده، فكال له المديح في أكثر من مناسبة وهاجم السياسة الأمريكية السابقة، مع أن وضع ترامب ما زال مهلهلا ولم يستقر الحكم له بعد، فماذا سيكون مصير ابن سلمان لو تنحى ترامب أو عزل؟!…

خامسا: إن في بلاد الحرمين فئة مخلصة واعية، يزداد اتساعها ووعيها، ومع كل قرار تتخذه الحكومة يزداد انكشافها حتى باتت لا يستر عورتها سوى ورقة المشايخ، والتي ستسقط عند مزيد من القرارات المتعدية على شرع الله، وبخاصة تلك المتعلقة بالتطبيع مع الصهاينة أو المتعلقة بأساسات الشريعة المسلّمة لدى الناس، وهذه الفئة طرف مهم لا يجب إغفاله، وسيكون لها بمزيد توجيه دور مهم بإذن الله…

وختاما، فهذه خلاصة سياسة سلمان وابنه وما يخططانه للملكة السعودية (السلمانية) القادمة، وهذا ما يريده ترامب وابن سلمان وأعوانهما لمستقبل البلاد، ولكنهم يمكرون، وإن مكر الله لماضٍ، وهو سبحانه الذي يسيّر لهذه البلاد من آل سعود من يهدمون حكمهم بأيديهم، وهو سبحانه الذي سيهيئ من هذه الأمة من يقودها نحو البديل الراشد بإذن الله، فهو وحده سبحانه القادر على ذلك المهيئ لأسبابه. ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.

بقلم: محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )