ميثاق الإمام الخطيب في الإسلام

ميثاق الإمام الخطيب في الإسلام

الإمام الخطيب هو لسان الأمّة الذي يعبّر عمّا يجري في المجتمع من أحداث ويدور فيه من نقاشات فكرية وسياسية وفقهية.

ولذلك كانت الخطابة يوم الجمعة مناسبة متكرّرة تتهيّأ فيها الأمّة لاستقبال المستجدات وتقف فيها على تقويم لوضعها الخاص والعام. فالخطيب هو المعلّم، والمربّي، والواعظ، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والمرشد، والفقيه والسياسي؛ لأنّه يتناول في خطبته موضوعات مختلفة تمسّ الحاجة إليها نقدا وبيانا وترشيدا. قال ابن القيم في زاد المعاد مبيّنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه: « وكان [صلى الله عليه وسلم] يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، ويكثر الذكر ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه». وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين.ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس.وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد من أصحابه، فيجيبه، ثم يعود إلى خطبته، فيتمها.وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعود فيتمها كما «نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فأخذهما ثم رقي بهما المنبر، فأتم خطبته». وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان.وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها ».

فالخطبة في الإسلام لا تقتصر على ناحية من النواحي بل تشمل كلّ شيء وكل ناحية من نواحي الحياة لشمول الإسلام ذاته؛ فتكون في العقيدة والعبادات والمعاملات، وتكون في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والحرب وغير ذلك.

وإنّ الميثاق الذي يجب على الإمام الخطيب الالتزام به هو الميثاق الذي حدّده ربّ العالمين سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}. قال البغوي في تفسيره: « {فنبذوه وراء ظهورهم} أي: طرحوه وضيعوه وتركوا العمل به، {واشتروا به ثمنا قليلا} يعني: المآكل والرشا، {فبئس ما يشترون} قال قتادة: هذا ميثاق أخذه الله تعالى على أهل العلم فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة ».

وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير:  » وعوضوه بثمن قليل، وذلك يتضمن أنهم أهملوا ما واثقوا عليه من تبيين الكتاب وعدم كتمانه، ويجوز عودهما إلى الكتاب أي أهملوا الكتاب ولم يعتنوا به، والمراد إهمال أحكامه وتعويض إقامتها بنفع قليل، وذلك يدل على نوعي الإهمال، وهما إهمال آياته وإهمال معانيه.والاشتراء هنا مجاز في المبادلة والثمن القليل، وهو ما يأخذونه من الرشى والجوائز من أهل الأهواء والظلم من الرؤساء والعامة على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة، وتأويل كل حكم فيه ضرب على أيدي الجبابرة والظلمة بما يطلق أيديهم في ظلم الرعية من ضروب التأويلات الباطلة، وتحذيرات الذين يصدعون بتغيير المنكر. وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب إلا أن حكمها يشمل من يرتكب مثل صنيعهم من المسلمين لاتحاد جنس الحكم والعلة فيه ».

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [159] إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [160]}.وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ القِيَامَةِ». أخرجه أبو داود والترمذي.

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )