هل تجسد الديمقراطية رأي الأغلبية؟

هل تجسد الديمقراطية رأي الأغلبية؟

نلاحظ أن فكرة أن النظام البرلماني تمثل تجسيدا لرأي الأغلبية، أو أنها تمثل « حكم الشعب بالشعب » فكرة لا واقع لها، يستحيل وجودها في الواقع،

يرصد موقع:  http://www.electionresources.org  نتائج الانتخابات حول العالم، ونسبة المصوتين، والنسبة التي فاز بها المرشح.

الانتخابات التاريخ الناخبون المسجلون: المصوتون نسبة التصويت الفائز عدد الأصوات نسبة لأصوات المصوتين نسبة لأصوات الناخبين

الانتخابات الرئاسية القبرصية 17 فبراير 2013 545491 453534 83.1% Nikos Anastasiadis 200591 45.5% 36.7%

الانتخابات الرئاسية القبرصية 17 فبراير 2008 516441 462847 89.6% Ioannis Kasoulides 150996 33.5% 29.2%

الانتخابات الرئاسية الفرنسية إبريل 23- مايو 7 2017 47582183 37003728 77.8% Emmanuel Macron 8656346 24% 18.19%

الانتخابات الرئاسية الفرنسية إبريل 22- مايو 6 2012 46028542 36584399 79.5% François Hollande 10272705 28.6% 22.3%

الانتخابات الرئاسية الفرنسية إبريل 22- مايو 6 2007 44472834 37254242 83.8% Nicolas Sarkozy 11448663 31.2% 25.7%

وكانت من أكبر النسب مشاركة في انتخاباتٍ هي تلك التي في قبرص و 2008 و2013 وفي فرنسا 2007، شارك أكثر من 83 بالمائة من الذين يحق لهم التصويت في تلك الانتخابات، والجدول أعلاه يبين النسبة التي فاز المرشحون بها بالانتخابات الرئاسية، وهي نسبة الذين زُعم بأنهم أغلبية، لكنها في الواقع تمثل 29.2% و 36.7% من نسبة أصوات الناخبين في الانتخابات القبرصية، والنسبة التي فاز الرئيس الفرنسي ماكرون بها وهي نسبة 18.19 بالمائة من أصوات الناخبين، فهي قطعا ليست بأغلبية كما يزعم النظام الديمقراطي، وبناء على هذه النسب فاز المرشحون، هذا ويجدر التنويه إلى أن نسب المشاركة الطبيعية في الانتخابات في الدول الديمقراطية تتراوح عادة في المتوسط ما بين الأربعين والستين بالمائة في أحسن التقديرات، مما يعني أن ما يقارب نصف من يحق لهم التصويت يرفضون المشاركة في الانتخابات لأسباب كثيرة منها عدم إيمانهم بالخيارات المطروحة لهم أو عدم إيمانهم بقدرة الأنظمة على التغيير، أو غير ذلك، مما يعني أن الفائز بالانتخابات لن يمثل إلا أقل القلة من المجتمع، فإذا كان ماكرون قد فاز بنسبة 18% في انتخابات شارك فيها ما يزيد على الثمانين بالمائة، فكيف بمرشح يخوض انتخابات يشارك فيها خمسون بالمائة ممن يحق لهم الانتخاب؟ بأي نسبة سيفوز؟ وكيف سيمثل الأغلبية؟ معضلة صعبة الحل أمام الديمقراطية.

فكما ترى، ولا مرة كرست الانتخابات رأي الأغلبية، ولا كان الفائز بها نتاج رأي الأغلبية. فحين ترى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمثل رأي 18 بالمائة من الناخبين، فإن هذا يعني أن حوالي 82% من الناخبين لا يرونه ممثلا لهم، فكيف أضحى ممثلا لرأي الأغلبية وكرس العملية الديمقراطية تكريسا في فرنسا أم الديمقراطية؟

إذن: فالديمقراطية الحديثة، أساسها فكرة منع تحكم الأقلية في الأكثرية، وفكرة تداول السلطة، وفكرة أن الشعب مصدر السلطات، فعلى سبيل التشريع ينبغي للتشريع أن يكون نتاج رأي الأكثرية، وعلى سبيل التنفيذ ينبغي للسلطة أن تكون ممثلة لرأي الأغلبية ومنتخبة من قبل الأغلبية، وعلى سبيل القضاء والقوانين ينبغي أن تكون ممثلة لرأي الأغلبية، وعلى سبيل تحديد المصالح العامة أيضا، وإلا فإن فشلت في شيء من هذا فإنها تنقلب من ديمقراطية إلى أوليغارخية، أي تصبح أداة لتكريس تحكم الأقلية في الأغلبية. فالديمقراطية إذن نقيض ما يسمى بالأوليغارخية أي تكريس حكم الأقلية، وقد ثبت فشلها في تحقيق أي شيء من ذلك،

على أن معضلة أخرى تظهر هنا، وهي أن هذه الديمقراطية وهي تحاول منع تكريس حكم القلة، لا تنظر إلى تكريس وحماية حقوق الأفراد والأقليات، وحرياتهم، لأنها تخلو من الضمانات التي تمكنها من تحقيق ذلك، بمعنى آخر، فإن رأت الأكثرية ضمان حقوق الأقلية كان لهم ذلك، وإلا فلا، فالأكثرية هي التي تتحكم، بغض النظر عن الرأي الذي تخرج به، وعلى الأقلية الخضوع لرأي الأكثرية وإن أجحف بحقها، وعلى الأفراد الخضوع لحكم الأكثرية وإن منعهم بعض ما يرونه حقوقا لهم.

يشير « سميث وليندمان » إلى أنه إذا كان لا بد لفئة ما أن تحكم الدولة فلم لا تكون الأغلبية هي تلك الفئة؟ فالأغلبية لها حق الحكم ببساطة لأنها الأكثر عدداً ، فرأي الأكثرية في قضية اقتصادية مثلا مقدم على رأي أهل الاختصاص من الاقتصاديين حتى ولو كانت الأغلبية ممن لا دراية لهم بالاقتصاد.

ولنا أن نبحث واقعين يصبان في النتيجة ذاتها: هب أن لديك مجتمعا ديمقراطيا، فيه أكثرية عرقية معينة فيها العدد الكافي لاختيار حاكم تراه ممثلا لذلك العرق، أو قانونا يحمي حقوق هذا العرق، بغض النظر عن الأعراق الأخرى التي تمثل أقلية في ذلك المجتمع، فهذا واقع سيوصل حتما إلى قرارات لا تصب في مصلحة الأقلية ولا تراعي هذه المصلحة ابتداء، وسيوصف الحكم هذا والقانون هذا والحاكم هذا بالديمقراطي حتما لأنه مثَّلَ رأي الأغلبية.

والواقع الثاني، أن ترفض فئة من المجتمع المشاركة في التصويت والانتخاب، لمبررات كثيرة، فمثلا قد ترى الحياة السياسية موبوءة بالفساد، وأن أصواتها لا تحدث التغيير، كالحال في الانتخابات التي تجري في بلد كمصر مثلا، تتحكم فيه فئة تستغل الانتخابات لتعطي حكمها زخما جماهيريا لا تمتلكه في الحقيقة، وقد ترى هذه الفئة أن الخيارات المطروحة أمامها في التصويت تتراوح بين سيء وأسوأ.

يقول البروفيسور مايكل بارنتي: « لقد حاول أخصائيو العلوم السياسية الذين يمثلون الاتجاه السائد في أميريكا والمدافعون عن النظام الاجتماعي القائم لعدة عقود إعادة عرض كل النواقص في النظام السياسي بحيث تبدو وكأنها نقاط قوة، فهم يحاولون إقناعنا بأن الملايين ممن يحجمون عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأمريكية قانعون بالظروف الاجتماعية الراهنة، وأنه لا داعي للقلق من وجود جماعات ضغط (اللوبي) كبيرة النفوذ لأن هذه الجماعات إنما تمارس دور تزويد الحكومة بالمعلومات الحيوية، كما يجادلون بأن التركيز المتزايد للسلطة التنفيذية هو أمر جيد نظرا لأن الرئيس إنما يستجيب وبصورة ديمقراطية للمصالح الوطنية العريضة وليس للمصالح الخاصة، ويجادل المدافعون عن الاتجاه السائد بأن استبعاد وجود أحزاب ثلاثة (إلى جانب الحزبين الأمريكيين الرئيسيين) هو في مصلحة البلاد نظرا لأن وجود الكثير من الأحزاب إنما يؤدي إلى تشتت نظامنا السياسي وزعزعته »

وحين نرى نسب المشاركة في الانتخابات فإن الحالات الاستثنائية تمثل مشاركة ما يقارب الثمانين بالمائة ممن يحق لهم التصويت، في حين أن أغلبية الانتخابات تحوم حول نسبة الخمسين إلى الستين بالمائة ممن يحق لهم التصويت، وهذا يعني أن ما يقارب الأربعين بالمائة من المجتمع امتنع عن التصويت.

إن واقع الحال أن امتناع الأقلية عن التصويت في الانتخابات، أو فوز الأكثرية في تشريعِ أمرٍ رفضتْهُ الأقليةُ المعارضةُ لهذا التشريع، يعني أن على الأقلية أن تخضع لحكم الأكثرية، وأن على من امتنع عن التصويت أن يخضع لنتائج الانتخابات حتى ولو كان امتناعه لكفره بالخيارات المقدمة له، أو لعدم ثقته بالنظام السياسي برمته.

وبالتالي فإن قوام الديمقراطية يقوم على أساس إخضاع الأقلية لحكم الأكثرية لا على أساس ضمان حقوق الأقلية، ولا أن يمثل القانون الذي يجري التصويت عليه ما يرى فيه الأقلية حقوقا لهم، فلو رأوا فيه ضمانة لحقوقهم لصوتوا له، وبتصويتهم للرأي النقيض فإن ما رأوه من حق لهم في الرأي النقيض لا يحققه الرأي الذي تم التصويت له، وبالتالي فالديمقراطية لا يمكن أن تضمن حقوق الأقلية ولا حقوق من امتنع عن التصويت والانتخاب، ولا أن ترعى مصالحهم، بل عليهم الخضوع لما رأته الأكثرية بغض النظر عن صوابية الرأي الذي رأته الأكثرية أو خطئه، (الأكثرية هنا هي أكثرية نسبية قد تكون 18% ممن يحق لهم التصويت كما بينا، وسميت بالأكثرية تجاوزا! فهي أقل الأقلية في الواقع!) لأن المعيار الوحيد المراعى هو أن يمثل رأي الأكثرية ممن شارك في التصويت. والسؤال هو: ما هو المسوغ العقلي لاعتبار أن رأي الأغلبية  دائماً على حق، ويمثل العدل، وأنه ميزان الحق والباطل، ويتحرى مصلحة الجماهير؟

ثائر سلامة

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )