أزمة الحكم: الطبقة السياسية في تونس تجدّد خيار التيه على نظام الإسلام العظيم

أزمة الحكم: الطبقة السياسية في تونس تجدّد خيار التيه على نظام الإسلام العظيم

تكون الأزمات في حياة الشعوب، ولدى عقلاء أبنائها، محطات وعي وقوادح فكرية ترشد المستنيرين منهم إلى عوامل ضعف الواقع وأسباب ترديه، وتكشف عن مسالك الخلاص الحقيقية، وتدل على الأفق الذي يفتح أمام جمهور الناس حتى يكونوا طاقة إيجابية وعاملا حيويا في تجاوز تلك الأزمات، وتأسيسا للواقع الجديد المتسق مع كرامة الإنسان التي فطر الناس عليها قبل أن يضللهم عنها الفجرة والطغاة.

   إلا أن تونس، ابتليت، وهي تجهد للانفكاك من واقعها الأليم، بمن امتهن مهمة تضليلها عن سبيل الخلاص الجذري، بالعمل على الإرتكاس بها في درك التبعية والخضوع لأعدائها بتمكينهم من استباحة مقدراتها وأسرها فيما يحدده لها هؤلاء الأعداء من ناحية، وفيما هو أخطر وأشد عليها من ناحية أخرى، وهو العمل على تكريس الثقافة الغربية في عقول أبنائها وسلخ الناس عن معتقداتهم وثوابتهم وتشكيكهم في دينهم، كالسيطرة مثلا على مناهج التدريس وكل النشاطات الثقافية لإنشاء جيل مسخ منسلخ عن ثقافة الأمة يرى في الغرب وقيمه المادية الوحشية مثالا ونموذجا يحتذى.

 فقيس سعيد الذي وصل إلى السلطة في ظروف تبقى للدراسة والتحليل، استغل بصورة فضيعة الأوضاع التي تمر بها البلاد، تحت سلطة وسط سياسي نزل بها إلى أقسى درجات المهانة والتدني بلغت حد المزايدة السياسية الرخيصة على مواضيع ما كان ليفترق فيها خصمان كالموقف من الحقبة الاستعمارية، أو العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بين أهل الإسلام، والأوضاع التي جُرَّت إليها البلاد بتطبيق أحكام الكفر في بلاد الإسلام، كالانهيار الاقتصادي وما جره على الناس من تفش للبطالة وفقدان لمواطن الشغل وغلاء أسعار، وتفش للفساد المالي والسياسي الذي نخر كل المؤسسات العامة حتى بدأ الشارع يستعيد أجواء فجر الثورة بالتنادي إلى إسقاط المنظومة السياسية الحالية والعمل على إرساء بناء جديد يقطع مع ماض مذل ويؤسس لعمل جذري يقتلع جذور الفساد، ويجري المُحاسبة الحقة على أسس العدل الشرعي.

استغل قيس سعيد كل ذلك ليضع خصموه تحت طائلة الضغط الشعبي وعمل على الانفراد بالسلطة  بإعلانه عن « تدابير استثنائية » انفرد إثرها بالحكم وأزاح السلطة التشريعية وانخرط في إجراءات عشوائية استفحلت بها أزمة البلاد وعمقتها، وصار المتابع لا يمكنه إدراك الوجهة التي يسلكها، بل إنه عجز عن أن يجابه الرأي العام بتعيينه لرئيس حكومة كما تقتضيه القوانين التي يعتمدها، ولم يوضح برنامجه السياسي والاقتصادي وكيفية الحكم في المرحلة المقبلة، بل يكاد المتابع يجزم أن لا برنامج له، لا سياسي ولا اقتصادي، وهو المراوح بين السخرية بمن سأله عن خارطة طريقه لحل معضلة البلاد السياسية بقوله: « من يتحدثون عن خارطة طريق عليهم العودة إلى كتب الجغرافيا ». ووعوده التي بلا واقع يذكر, ومنها أن الحكومة « سيتم تعيينها قريباً ولكن الدولة مستمرة وماضية في تقديم خدمات للمواطنين ».

مما فتح لأبواب اليأس منه لدى من علق عليه الأمل بالتغيير، وفسح الطريق للوسط السياسي الذي وضعته تحركاته يوم 25 جويلية أمام المساءلة الشعبية من العودة إلى الواجهة وإكراه الناس على القبول والرضا بما كانوا يسوسونهم به، والأوضاع التي كانت تلف البلاد والعباد والتي فرضتها الطغمة الماسكة بالسلطة، أو ما تطالب به المعارضة من أن « إنهاء منظومة الحكم الفاسدة لا يمكن أن تعوض بسياسة التردد والضبابية، وغياب برنامج عمل واضح وشفاف، للفترة القادمة ومحدد بسقف زمني »، وأن التغيير يجب أن « يبنى على نقاش مجتمعي واسع، تسهم فيه مؤسسات المجتمع المدني، والقوى الديمقراطية، والوطنية في البلاد، بعيداً عن الحوارات المغشوشة والالتفافية والشعارات الاستعراضية.

وهكذا وُضع الأهل في تونس تحت وطأة ضجيج الدعوة إلى التبعية الفكرية والسياسية التي تثيرها أحزاب الحكم والمعارضة، وما يسمى منظمات المجتمع المدني، التي تتحكم في أرسنتها المنظمات والمخابرات الغربية بالتمويل والتكوين والتوجيه. فهم أريد بهم الخيار بالعيش مع حياة التمثيل النيابي الذي يقوم فيه النائب مقام الرب في التشريع من دونه, تحت وهم النظام البرلماني بدعوى ضمان التمثيل الحقيقي، أو بالعيش تحت سلطان الحاكم بأمره رئيس « الجمهورية النظيف العفيف »

 إلا أن المنافسة على السلطة والثروة في تونس بين الإنجليز والأمريكان والفرنسيين وما لدى كل من الدول الثلاث مما تخلط به الأوراق للظفر لحلفائها بنصيب من السلطة، قد دفعت بأعوانها إلى خلط الأوراق، وإرباك الوضع المجتمعي بل والمغامرة بالدفع نحو الصراع الداخلي المنذر بالخطر والاحتراب والدفع نحو المجهول. والأخطر من كل ذلك العمل على هدم الرابط الفكري الذي يجمع الناس على فهم للحياة، والقائم على عقيدة لا إلاه إلا الله محمد رسول الله.

 لا مجال اليوم لترك المبادرة للمتاجرين بآلام الناس للعبث بمصير الناس، ولا مجال للتطلع إلى السلطة إلا على طريق إقامة بالخلافة الإسلامية علي نهج النبوة، وعلى هذا يكون خطابنا للناس بعد كل هذه التضحيات والخسائر والمعاناة، أن يرفضوا القيادات الفاشلة والزعامات الزائفة التي سلمت بلادنا للغرب الكافر يعبث فيها كما يشاء، وأن يتبنوا بأنفسهم حل قضاياهم من خلال الالتفاف حول الصادقين المخلصين العاملين على إخراج البلاد من مربع الاستعمار السياسي والتبعية الفكرية، ومعالجة الأزمة من خلال استنباط أحكام شرعية من مبدأ الأمة وعقيدتها وحسب، حتى تكون حياة الناس سهلة وبلا تعقيدات بضمان الأحكام الشرعية للحقوق، وإلزام الواجبات، ولا تقييد لسلطة الحاكم بما يريده البشر إنما هي حكم الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This