إلى وزير المالية: إغراق البلاد في الديون جريمة كبرى

إلى وزير المالية: إغراق البلاد في الديون جريمة كبرى

على إثر الانتقادات الواسعة على سياسة التداين التي تتبعها الحكومة، قال وزير المالية بأنه ليس هناك حل أمام تونس غير التداين من الخارج. وهو بذلك يكرر ما قاله وزير التنمية، زياد العذاري، في ختام جلسة برلمانية انعقدت في جوبية 2018 للمصادقة على قرض من البنك الدولي بقدر ب 492 مليون دولار: « إن ايقاف التداين الخارجي في تونس يشكل تعطيلا لعجلة التنمية »، داعيا المشككين في الاقتراض إلى تقديم حلول غير التوجه الى الاقتراض.

ما يعني أن التداين من المؤسسات المالية الدولية هي سياسة دولة و ليس اجتهاد وزير.

أيها الوزير،

إن المشكلة الاقتصادية ليست في قلة الثروات في تونس ولا في زيادة الاستهلاك ولا الاستيراد، ولا في فقر البلاد، فتونس تملك مصادر اقتصاد غنية؛ فالمساحة الإجمالية للبلد 16.4 مليون هكتار، ومساحة الأراضي الفلاحية 10,5 مليون هكتار، منها حوالي 5 مليون هكتار قابلة للزراعة، و5.5 مليون هكتار غابات ومراعي، وتنوّع المناخ ينتج محاصيل متعددة ومتنوعة، وتملك تونس ثروة حيوانية هائلة من الأغنام والماعز والأبقار والإبل، وثروة سمكية تقدر بـمئات الالاف من الاطنان سنويا، وحسبما تسرب من دراسات فإن تونس تملك مخزون من الغاز يقدر بسبعة مرات ما تملكه قطر، فحقل ميسكار وحده يوفر لتونس 60% مما تحتاجه البلاد من الطاقة ولكنكم سلمتموه للشركات الاجنبية وتدفعون لهم ملياري دينار بالعملة الصعبة مقابل ما تنتجه أرضنا من الغاز، كما تملك تونس احتياطي هائل من النفط تشهد بذلك عشرات الشركات الأجنبية المنتشر في طول البلاد وعرضها وتنهب النفط دون عدادات ودون حسيب ولا رقيب، وتملك جبال تونس المعادن الثمينة وغير الثمينة، ولها موقع استراتيجي هام، وأما الجهد البشري فعدد سكان تونس يزيد على 11 مليون نسمة؛ أغلبهم في سن العطاء، ولهم كفاءات علمية وصناعية وتكنولوجية قادرة على احداث ثورة صناعية، وتملك تونس شاطئاً طوله أكثر من 1000 كم، ومصانع للإسمنت والحديد، وبعض الخدمات التي تحتاج إلى تطوير، ورغم تلك الإمكانيات والمقدرات إلا أن أهل تونس يعيشون في حالة الفقر والعوز!!

أيها الوزير،

إن المشكلة الأساسية تكمن في النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يعطي الفرد مطلق الحرية في التملك، فقد سن قوانين تجعل المال يتركز عند فئة قليلة من رؤوس المال، في حين أن غالبية الشعب يعيش الفقر المدقع، فنتجت الطبقية المقيته.

وقد استغل الحكام ومن لف حولهم من رؤوس المال الفاسدين قوانين النظام الرأسمالي لإحكام سيطرتهم على ثروات البلاد، فباسم الخصخصة تم تحويل ملكية الدولة والملكية العامة إلى ملكية أشخاص أو شركات معظمها أجنبي، وحرمان الشعب من ثرواته وملكياته.

هذا بالإضافة إلى النفوذ الغربي في بلادنا الذي ينظر لتونس على أنها سوقا لسلعه ومنتجاته، وقد أدت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي التي وقعها المخلوع بن علي مع الاتحاد الاوروبي سنة 1995 إلى تدمير النسيج الصناعي التونسي وتحويل 500 ألف عامل إلى معطلين عن العمل، أما توسعة هذه الشراكة تحت مسمى الاليكا التي وعد يوسف الشاهد الاتحاد الأوروبي بتوقيعها هذه السنة، ثم جمدها لأسباب انتخابية، لتشمل المجال الفلاحي والخدمات، فستدمر الزراعة وتقضي على صغار الفلاحين الذين يوفرون لتونس 80% من اكتفائها الذاتي.

أما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان تعتمد عليهما الحكومة في الاستدانة، فهما مؤسستان استعماريتان للدول الكبرى للتدخل في شئون دول العالم بإغراقها في دوامة الديون وفرض التبعية الاقتصادية عليهم، فقد ازداد الفقر وتضاعفت المشاكل حيثما حلا، فتونس لم تتحصل على أقساط القرض الممدد، إلا بعد سيرها في تطبيق املاءات صندوق النقد الدولي، المسماة بالإصلاحات الكبرى وعلى رأسها: تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، والضغط على النفقات العمومية، وزيادة أسعار المحروقات، وزيادة موارد الميزانية عن طريق فرض الضرائب؛ وبيع المنشأة والمؤسسات العامة للقطاع الخاص (شركات محلية أو شركات أجنبية) لتمويل الموازنة، وهى سياسة فرضها هذا الصندوق الاستعماري، ولم تزد الناس إلا فقرا، و الميزانية إلا عجزا، حيث بلغ إجمالي ديون تونس ما يزيد على 76 مليار دينار (زهاء 29 مليار دولار)، تمثل 71.45% من الناتج المحلي الإجمالي.

بالإضافة إلى أن نسبة هامة من القروض التي تتحصل عليها تونس ستوجه إلى دعم الميزانية لسداد القروض القديمة، كما حصل مع القرض الأخير فقد استخدم لتسديد دين أمريكي يقدر ب 500 مليون دولار.

فهل اغراق تونس والاجيال القادمة بالديون هو الحل الوحيد أيها الوزير

إن العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية هو في تبني نظام الإسلام العظيم الذي بين أن المشكلة الاقتصادية تكمن في سوء توزيع الثروة على أفراد المجتمع، ولذلك ركزت تشريعاته على إشباع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد وتمكينهم من إشباع الحاجات الكمالية.

وإليكم بعض الخطوات العملية التي يمكن القيام بها للخروج من الازمة وفق أحكام الاقتصاد الاسلامي:

إستعادة القرار والتحرر من هيمنة المؤسسات المالية

إعتماد الدولة في موازنتها على مصادرها الذاتية ورفض الاستجابة للضغوط الدولية ورفض المساعدات الدولية وقروض بنوكها، وهو ما يؤدي إلى امتلاكها لقرارها وبالتالي إنفاق الأموال على المشاريع المنتجة التي توفر المال الكافي لرعاية شؤون الناس، وهذا يحتاج إلى تغيير النظام الرأسمالي العلماني بنظام الاقتصاد في الاسلام الذي يقضي على أساس الفساد، التي نبتت منها كل الشرور، من مؤسسات ربوية، ونظام احتكاري، وبارونات مال تحكمون بالأسعار والاجور.

علاج المديونية

علاج المديونية يكون بالامتناع عن تسديد فوائد الدين (الربا) والاقتصار على تسديد أصل الدين، لأن الفوائد ربا، والربا حرام في ديننا، ويمكن تسديد أصل الدين من فائض أموال كل من شارك في الحكم منذ الاستقلال وتسبب في رهن البلاد، فكل من شارك في الحكم ولوحظ عليه الثراء بسبب موقعه في الحكم يؤخذ ما زاد عن حاجته، لأنه ألحق ضررا بالناس برهنه البلاد، والضرر وجب رفعه ويتحمل تكاليف إزالته كل من شارك في جلبه، وهم الحكام.

إسترجاع الثروات الطبيعية

استرجاع الثروات الطبيعية من الشركات الناهبة وإدارتها بأنفسنا استخراجا وتسويقا. لأن هذه المواد هي من الملكية العامة التي لا تملك الدولة شرعا خصخصتها وإنما تشرف على استخراجها وتصنيعها لصالح الرعية، فإذا ما استرددنا هذه الثروات من الشركات الاستعمارية وأدرناها بأنفسنا إنتاجا وتسويقا فسنوفر السيولة اللازمة لبعث المشاريع الاقتصادية المنتجة كالتصنيع والزراعة، خاصة وأن كل عوامل النجاح متوفرة, فالأرض أرضنا والثروة ثروتنا, والقوى العاملة المدربة من خبراء ومهندسين وعمال هم أبناؤنا وموجودون على الأرض ولا ينقصهم إلا حسن الإدارة والتسيير, أما المنشآة فيمكن شراؤها من الدول الغير طامعة في بلادنا وهي كثيرة, ويمكن تغطية نفقاتها مما تدره الثروات الطبيعية من بترول وغاز وفسفاط وملح واسمنت وجبس وغيره من المعادن التي تزخر بها أرض الخضراء.

السير في المشاريع الانتاجية

التوقف فورا عن المشاريع الإنشائية كبناء الجسور ومد الطرقات والاقتصار فقط على ما هو ضروري، حتى نوفر المال اللازم لبعث المشاريع الطموحة كالصناعات الثقيلة، وذلك لتوفير ما يلزمنا من آلات نحتاجها في الزراعة وفي مصانعنا الفرعية.

تحقيق السياسة الزراعية في الاسلام

الاهتمام بالزراعة الإستراتيجية كزراعة القمح وغيره مما تحتاجه البلاد احتياج ضرورة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير ما زاد فوق الحاجة لتوفير العملة الصعبة، ويكون ذلك بتوزيع ملايين الهكتارات المعطلة على جيوش المعطلين عن العمل وتوفير ما يلزمهم من مياه وبذور، والتشجيع على توسيع إحياء الأرض الموات، لقوله صلى الله عليه وسلم من أحيى أرضا فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين، فالسياسة الزراعية في الاسلام أن الارض وجدت لتنتج وبأعلى مستوى، فكل من أهمل الارض أكثر من ثلاث سنين متتالية تؤخذ منه وتعطى لغيره بشكل يوجد التوازن الاقتصادي في البلاد.

السير في التصنيع

تنمية البلاد صناعياً، وإدارة هذه الصناعة مباشرة إن كانت قائمة على الملكية العامة كالنفط والمعادن… أو كانت قائمة على ملكية الدولة. وكذلك تنشيط ودعم المصانع الخاصة غير القائمة على الملكية العامة وملكية الدولة. وهكذا توجد تنمية صناعية نشطة في شتى المجالات الضرورية، كمجال الطاقة، فبلادنا حسب تقرير الشركة التونسية للكهرباء والغاز سنة 2016، تمتلك تونس 100 كلم مربع من الاسطح التي يمكن تجهيزها بالألواح الشمسية ويمكن أن توفر للبلاد 17 مليار كيلواط في السنة مقابل استهلاك بحوالي 15 مليار كيلوواط، كما يمكن استغلال الصحراء لتوسيع مثل هذه المشاريع حتى تصبح تونس مصدرة للطاقة النظيفة للدول المجاورة.

تمويل المشاريع

تمويل المشاريع الإنتاجية التي تقوم على الكفاية الصناعية والزراعية مما توفره الموارد الطبيعية من غاز وبترول ومعادن وفسفاط وثروات زراعية وحيوانية وسمكية وبشرية، فإذا كان يترتب على عدم وجود هذه المشاريع ضرر؛ سواء على الدولة أم على الأمة، فإنه يجب على الدولة إيجادها وتمويلها من موارد البلاد، كإقامة الزراعات الاستراتيجية كالقمح مثلا لتوفير قوت الناس، فإذا لم تفي موارد البلاد بالحاجة، فعلى الدولة أن تفرض ضرائب على الأغنياء بقدر الحاجة لإقامة هذه المشاريع الضرورية.

معالجة مشكلة النقد

اتخاذ النظام النقدي المعدني من ذهب وفضة عملة للبلاد، وهو ما سيجعل عملة البلاد، عملة صعبة تنافس الدولار الامريكي والفرنك السويسري من أول يوم، وذلك للثقة الموجودة في المعدن الاصفر، ما سيقضي على التضخم وتذبذبات سعر الصرف، وأما الطريقة العملية والتقنية لاتخاذ هذا الاجراء فيمكن شرحها في ملحق اخر.

أيها الوزير، هذا غيض من فيض مما يمكن فعله إذا توفرت الإرادة السياسية، وإذا أردتم المزيد فطريقه معلوم لديكم.

والحمد لله القائل: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} النحل112

الأستاذ الدكتور الأسعد العجيلي، عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )