الإعلام وإشاعة الفساد

الإعلام وإشاعة الفساد

أشاد كثير من الناس بمكسب حرية الإعلام في تونس بعد الثورة، وأكّدوا على أنّ الإعلام التونسي يتمتّع بحرّية غير مسبوقة مقارنة بعديد البلدان العربية والإسلامية الأخرى. ولكن ما هي الحرّية الظاهرة في وسائل الإعلام وما هي مجالاتها وما هي مقاصدها وأهدافها.

الحقيقة، أنّ الحرّية التي تمتّع بها وسائل الإعلام هي حرّية نشر الفاحشة والفجور ومحاربة التديّن ومظاهره. فنحن نرى الكثير من البرامج الإعلامية التلفزية على وجه الخصوص تتناول قضايا « التابوات » والمحرّمات، وتطرح مسائل العرض والشرف بكيفية تهدف لضرب قدسيتها عند الناس وتجرّؤهم على انتهاك المحارم عبر نشر الفضائح وقصص الخيانات الزوجية والعلاقات المحرّمة. كما نرى الكثير من البرامج تتعمّد الضحك والسخرية والإلهاء فهي موجّهة للتمييع لا للتثقيف، مع ما يتخلّلها من نكت فاضحة ورقص خليع وإبراز للمفاتن. وأمّا البرامج المسماة بالجدّية فهي تسير في اتجاه واحد وهو ضرب التيار الإسلامي ومقاومة الأسلمة في المجتمع عبر نشر الأكاذيب والافتراءات وتقصّد الظاهرة الدينية بطريقة تنمّ عن كره وحقد. ولهذا لا تستغرب أن ترى قنوات تلفزيونية تتطرّق لفتح مدرسة قرآنية وكأنها خلية إرهابية، أو تتناول قضية مجتمعية دينية من زاوية واحدة كقضية المساواة في الإرث التي عتّمت وسائل الإعلام عن موقف علماء الشريعة فيها أو موقف الأحزاب الإسلامية وكأنّها غير معنية بالأمر. والملاحظ أن أغلب وسائل الإعلام التونسية تقلّد برامج الغرب (اقتباسا وسرقة) مما يدلّ على عدم مقدرتها على الإبداع وعجزها عن الابتكار، وليس هذا فقط بل تحقّق هدف الغرب في تغريب المجتمع؛ إذ تتمّ عملية العلمنة والتغريب بلسان تونسي وأدوات تونسية.

صورة تونس في العالم العربي والإسلامي

هناك مسألة أخرى يتجاهلها الإعلام التونسي وهي صورة تونس في العالم العربي والإسلامي؛ إذ أصبحت تونس مثال الفساد والفجور، وأصبحت مضرب الأمثال في التفسّخ والانحلال، نظرا لما يشاهده العالم من « ميوعة » وجرأة على الفاحشة قولا وفعلا، ولا أدلّ على هذا من برامج من أمثال « عندي ما نقلك » أو « مع علاء » أو غيرها، ولا ننسى أيضا أن أغلب الأفلام التي أنتجتها تونس مصنّفة ضمن خانة « للكبار فقط ». فهل هذه هي صورة تونس التي يحلم بها ويروّج لها دعاة الحداثة والعلمنة؟ وهل هذه هي غاية حرّية التعبير والإعلام؟

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. قال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير: « شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدبّ بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة ». وعليه، فإنّ وسائل الإعلام بتركيزها على قصص وحكايات معيّنة، وعلى مواضيع معيّنة، تتعلّق كلّها بالزنى والخيانة تشيع الفاحشة في المجتمع من باب ضرب قدسيتها حتى تتجرّأ النّاس عليها. ونتيجة هذا العمل قرّره ربّنا سبحانه وتعالى بقوله: {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}.

وأمّا الذي يشارك في هذا العمل من عامة الناس فقد قال في حقّه الرسول صلى الله عليه وسلم: « كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ، إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ».

وأمّا الذين ينفقون أموالهم ويستثمرونها في الإعلام المشيع للفاحشة محاربة لله ورسوله، فقد قال في أمثالهم ممن سبقوا ربنا سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)}. فمهما صال الباطل وجال فهو إلى زوال، وتبقى كلمة الحقّ قائمة إلى قيام الساعة مصداقا لقوله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. قال الإمام الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: « وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل، يقول: إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله كالزبد الذي يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل وكخبث هذه الأجسام فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه. فهذا مثل الباطل وأما الماء الذي ينفع الناس وينبت المراعي فيمكث في الأرض، وكذلك الصفو من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه، وهو مثل الحق. قال الزجاج: فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كل شيء، وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا بها، ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذي يذهب جفاء، وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذي لا ينتفع به ».

ياسين بن علي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )