الحكومة التونسيّة تُرضي صندوق النقد الدولي على الاحتجاجات الشعبية

الحكومة التونسيّة تُرضي صندوق النقد الدولي على الاحتجاجات الشعبية

يعرّفون الديمقراطية على أن السيادة فيها للشعب والشعب هو مصدر السلطات، ويقولون بكل كبرٍ وغرور أن الديمقراطية هي أفضل نظام سياسي عاشته البشرية ويمكن له أن يضمن السعادة للإنسانية ، إلا أن المتمعن والمدقق في اغلب بلدان العالم  يرى ويعيش وبصفة مستمرة يومية، الاحتجاجات الاجتماعية، والتحركات الشعبية، والمطالب المعيشية التنموية، تصرخ وتنادي بأعلى صوتها  ضد هذا النظام و تطالب بتغييره وإسقاطه

وهنا نتساءل، كيف لشعب أن يثور ويحتج على نظام هو السيد فيه؟؟؟؟؟ وهل حقا الديمقراطية هي حكم الشعب وهو مصدر السلطات؟؟؟؟

اليوم في تونس، بان بالكاشف أن حكومة الشاهد وكل الحكومات من قبلها، وفيّة كل الوفاء، لا لمطالب الثورة واستحقاقاتها من تشغيل وتنمية وحق العيش الكريم، بل هي وفيّة كل الوفاء لأوامر وشروط و املاءات صندوق النقد الدولي فهو صاحب اليد العليا والحاكم الحقيق والذي لا يرد له طلب.

مطالب وشروط صندوق النقد الدولي

كل هذه الحكومات وان اختلفت أسماءها وأصحاب الكراسي فيها إلا أنها اشتركت وتقاسمت نفس فلسفة الحكم ونفس النظرة والتوجهات لتسيير دواليب الدولة

واتخذت من تقارير المؤسسات المالية العالمية الاحتكارية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مشربا و مصدرا أساسيا للإلهام والتفكر .

وما رسالة الذل والتبعية التي وجهها وزير المالية ومحافظ البنك المركزي سنة 2013 وتم دعمها برسالة أخرى في ماي الفارط إلى مديرة صندوق النقد الدولي، أين أعلنا فيها وتعهدا بالخضوع التام لهذه المؤسسة الاحتكارية الرأسمالية، والرجوع إليها أو بالأحرى استئذانها في كل الإجراءات والإصلاحات الهيكلية التي تمس جميع القطاعات وعلى رأسهم السياسة النقدية و الاقتصادية

ومن أهم الشروط الواجب تنفيذها من قبل الحكومات التونسيّة كان من كان في الحكومة، والتي جاءت في البيان عدد 87 و 168 و 238 لسنة 2016 لصندوق النقد الدولي تتلخّص في:

رسملة البنوك العمومية

تدعيم استقلالية البنك المركزي

الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص

مراجعة منظومة الدعم

التحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرّف العموميّة

التخفيض من قيمة الدينار

المصادقة على مشروع مجلّة الاستثمار الجديدة

إصلاح القطاع البنكي والمؤسسات المالية

المصادقة على مشروع الإصلاح الجبائي

إعادة هيكلة المؤسسات العمومية

موقف الحكومة من شروط صندوق النقد الدولي

« أحنا مشينا لصندوق النقد موش هو جانا »،   » لن نخل بمعاهداتنا مع صندوق النقد » هذه بعض التصاريح لمن يزعم الحكم في هذه البلاد، وهو في حد ذاته إذعان وإقرار ضمني للرضوخ التام لأوامر صندوق النقد الدولي

 وفي هذا الصدد، فان كل الحكومات المتعاقبة علينا والحكومة الحالية استفرغت كل ما في وسعها لتنفيذ هذه الشروط، وتطبيقها على ارض الواقع

قانون رسملة البنوك : تمت المصادقة عليه في 6اوت 2015 وذلك بضخ مبلغ 757 مليون دينار لفائدة الشركة التونسية للبنك و110 مليون دينار لفائدة بنك الإسكان، طبعا تم ذلك دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقية لعجز وإفلاس هذه البنوك . في هذا الإطار نذكر ما أعلنه المقرر العام للجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد نجيب مراد، أنّ 126 رجل أعمال تحصلوا على حوالي 7 مليارات دينار من البنوك العمومية في عهد بن علي دون إرجاعها

قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ : تمت المصادقة عليه في 13 نوفمبر  2015 وهو قانون يفتح الباب على مصراعيه لرؤوس الأموال وخاصة المقيمين منهم تحت قبة مجلس النواب للسيطرة على الاستثمار العمومي (25 نائبا من مجلس النواب هم من رجال الأعمال المعنيّين بهذا القانون)

قانون النظام الأساسي للبنك المركزي: تمت المصادقة عليه في 12 افريل 2016 ويعزز هذا القانون استقلالية البنك المركزي عن الدولة ويعمق تبعيته لصندوق النقد الدولي من ذلك ما أفادت به صحيفة JEUNE AFRIQUE في مقال لها أن أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي اقترحوا في زيارتهم الأخيرة لتونس وضع فريق من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يسير بشكل مباشر في مقر البنك المركزي.

قانون البنوك والمؤسسات المالية: تمت المصادقة عليه في 9جوان 2016 ، هذا القانون يصب باتجاه استبعاد الدولة من كل ماله علاقة بالعملة والقطاع المالي ككلّ،والسعي لفتح السوق المالية أمام رأس المال الخاص المحلي والأجنبيّ،

 التحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير والتصرّف العموميّة: من ذلك غلق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية

إلغاء الدعم على أسعار السلع الغذائية والمواد الضرورية: وما تسبب من زيادة في الأسعار وغلاء في المعيشة خاصة في حكومة المهدي جمعة

 تخفيض سعر الدّينار التونسيّ: وما يتبعه من تدهور في القدرة الشرائيّة لتتوسّع دائرة الفقر

ومن المنتظر خلال الأسابيع القادمة ان يشرع مجلس النواب في النظر في مشاريع القوانين المتبقيّة تجاوبا مع طلب الحكومة التسريع في تمرير هذه القوانين في أقرب الآجال تماشيا مع إرادة صندوق النقد الدولي. من ذلك مشروع المصالحة أو الطوارئ الاقتصادية…

سبب الاحتجاجات الشعبية

الجواب على هذا السؤال يأتينا من تطاوين والكاف وحاجب العيون و المكناسي وسيدي بوزيد و القصرين و بنقردان ومن العديد من المناطق التي تعيش احتجاجات واضطرابات متواصلة، والتي تصب أغلب مطالبها في حق العيش الكريم وحق العمل و حق الرعاية الاجتماعية الأساسية والتي تتضارب بصفة مباشرة مع روشتة صندوق النقد الدولي

غلاء المعيشة

يشترط صندوق النقد تقليل معدلات الدعم بشكل عام، وضمناً تخفيض دعم أسعار السلع الأساسية كالخبز والسميد والشاي والسكر والزيت ، وهذا يؤدي إلى المزيد من عدم قدرة الفقراء والمواطنين المحدودي الدخل على مواجهة متطلبات الحياة اليومية

إلغاء دعم الطاقة

صندوق النقد الدولي مثل أي دائن يحتاج إلى الاطمئنان على سداد القرض الذي يمنحه. ولهذا يتعرف الصندوق على كل كبيرة وصغيرة في اقتصاد الدولة وموازنته، ويطالب بتقليل الدعم وخاصة دعم الطاقة، حتى تتوفر فوائض لسداد القرض ولذلك الدول تتجه إلى خفض الدعم الموجه للكهرباء والبنزين والمشتقات البترولية، مما يؤدي إلى زيادة الأعباء على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل. وهذا ما لمسناه في الفترة الأخيرة من ارتفاع سعر الكهرباء والغاز .

 التقشف ومخاطره

سياسة التقشف كإجراءات تستهدف تقليص الإنفاق العام على القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي وبالمقابل زيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالكهرباء والمياه والنقل والاتصالات وما شابهها لمعالجة العجز في الميزانية العامة للدولة، هو بالتعبير الأخير، ترك العنان لليد الخفية الغاشمة لعصابة رأس المال لتقرير كل شيء حسب مصالحها الضيقة أي فرض تحميل الأغلبية نتائج فساد النظام الرأسمالي العلماني وضمان أكثر ما يمكن من العوامل لمواصلة تحقيق نفس معدلات الأرباح وهو ما أنتج في كل مرة وفي كل مكان حالات التوزيع غير العادل للدخل وتركز الثروات بيد الأقلية صاحبة النفوذ الاقتصادي والسياسي مقابل تفاقم البؤس و التفقير والتشريد

تحرير العملة

يشترط الصندوق في تعاملاته مع الدول المقترضة أن تحرّر سعر عملاتها، وهو ما يعني مزيداً من الارتفاع في سعر السلع والمنتجات في الأسواق الداخلية

كما ان التضخم يؤثر وبشكل مباشر على الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل والمتوسطة، خاصة أنه، مع تراجع قيمة العملة المحلية، تنخفض القدرة الشرائية للعملة المحلية وبالتالي يواجه الفقراء صعوبات كبيرة في شراء السلع الأساسية.

الخصخصة
من أهم شروط صندوق النقد الدولي  هي ضرورة إلغاء مزيد من القيود وتحرير أوسع والمضي قدما في عملية خصخصة مشاريع عامة من قبيل المستشفيات والمدارس والجامعات، والموانئ البحرية والجوية، والسكك الحديد وشركات الطيران العمومية، وما سوى ذلك من مرافق عامة إستراتيجية

على صعيد آخر، تكفل صندوق النقد الدولي برعاية العولمة كتحرير القطاع المالي من التوجيه الحكومي، وذلك من خلال رسملة البنوك والعمل على خصخصتها وفيما مهدت هذه السياسات الطريق أمام المصارف والشركات العملاقة، للوصول إلى أقصى ربوع المعمورة، فإنها أسفرت في الدول النامية عن فقر مدقع ومجاعات قاتلة وتدهور عظيم في النظامين الصحي والتعليمي، وفي مستلزمات الرعاية الاجتماعية.

موقف الحكومة من المطالب الشعبية الاحتجاجية

« الدولة ليست لها حلول  » « قادمين على قرارات قاسية » « مفهوم الدولة ودور الدولة في الإصلاحات يجب أن يتغيّر، فالدولة لم تعُد قادرة على انتداب الآلاف من طالبي الشغل، و أن زمن الدولة التي تعمل وترعى انتهى « 

هكذا بشر يوسف الشاهد المناطق المحتجة الباحثة عن حياة كريمة ولقمة عيش هنيّة، وهكذا تفاعل مع مطالبها بسلبية وقحة وبتصور رأسمالي علماني بشع،

إن هذه الحكومات، ماهية إلا أداة تنفيذ لأوامر وقرارات المؤسسات الرأسمالية العالمية، وما يزعمون من سيادة وإرادة و منوال تنمية وبرامج اقتصادية إن هو إلا ضحك على الأذقان وتضليل للشعوب، وان منوال التنمية الوحيد الذي تتوجه نحوه البلاد هو منوال صندوق النقد الدولي وشروطه الملغمة

ويتضح مما تقدم أن سياسة صندوق النقد الدولي التي تسعى حكومة الشاهد لتطبيقها بمزيد الرفع من الضرائب على الأجراء والحد من الإنفاق على الخدمات العمومية ـ صحة تعليم نقل ـ وتسريح مزيد من الموظفين وغلق المؤسسات وتجميد الأجور لاشك تواجه رفضا كبيرا من قبل الجماهير ومن قبل عامة الناس التي تستهدفها  

 وان وضع التفقير وتدهور القدرة الشرائية و ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع الأسعار والخدمات والتي بلغت حدا تجاوز كل الخطوط الحمر إضافة إلى انتشار الفساد واقتصاد التهريب والتلاعب الضريبي أوضاع لن تتمكن حكومة الشاهد ولا الحكومات القادمة من الحد منها أو استئصالها

 وفي الختام نقول

ان الحكومات المتعاقبة، وبإذعانها المتواصل لشروط صندوق النّقد الدّولي وتوصياته، تعمل جاهدة على معاداة عموم الشّعب، وتحمّله، إدّعاءً، أعباء صعوبات الوضع الاقتصادي، وما تمرّ به البلاد من مخاطر

وعلى النقيض من سياسة صندوق النقد الدولي الرأسمالية، فإن الإسلام يضمن توزيع ثروة الملكية العامة لموارد الطاقة والموارد المعدنية على الناس، فموارد الملكية العامة تعود للناس وليست للدولة أو لأفراد معينين، وتقوم الدولة بإدارة هذه الموارد لضمان استفادة جميع الرعايا منها، مصداقا لقول رسول الله  «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّار» رواه أحمد.
وإنّ صندوق النقد الدولي يضمن خنق الاقتصاد من خلال فرض الضرائب الضخمة على الفئة الفقيرة والمتوسطة ، ويفرض زيادة الضرائب باستمرار.

 وخلافا لسياسة صندوق النقد الدولي، فإن الإسلام يأخذ في الاعتبار قدرة كل فرد على تحقيق احتياجاته الأساسية من غذاء وملبس ومسكن، وحتى عندما يفرض الضرائب، فإنه لا يفرضها على الفقراء والمحتاجين من الذين لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية.
وعلاوة على ذلك، فإن صندوق النقد الدولي يربط سياسات الدول النامية الاقتصادية بنظام القروض الربوي مما يؤدي إلى تعميق المديونية، فالفائدة على القروض تبقي تونس غارقة في الديون على الرغم من أنها قد تدفع الدين الأصلي مرات عديدة. فالديون الآن تستهلك حوالي خمس الميزانية بأكملها، وهي بمليارات الدولارات سنويا، وما زالت تونس تغرق في مزيد من الديون سنة بعد سنة.

 إن اللجوء المستمر، من الحكومات المتتالية، إلى املاءات صناديق النهب الدولية ، هو دليل واضح وصارخ على العجز الفكري والإفلاس السياسي الذي صبغ الأحزاب العلمانية الحاكمة في تصورهم للحلول اللازمة لمعالجة مشاكل الناس وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، وهو عجز وفشل ضمني للنظام الرأسمالي المتبنى من طرف هذه الحكومات المتعاقبة.   فالنظام الرأسمالي، الذي يحمل فشله في أحشائه، قد أفلس ولم يعد لديه ما يسوّق إلا بعض المسكنات المؤقتة، وأنصاف الحلول الواهية الواهمة الكاذبة، التي مر زمانها ولم تعد تنطلي على وعي الأمة الإسلامية، ولم تعد قادرة على مجابهة إصرار الأمة لقلب الموازين والتحرر من تبعية الغرب الكافر والانضواء تحت قانون خالق السماوات والأرض، في دولة العدل والقسطاس، دولة الإرادة والسيادة، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

ممدوح بوعزيز

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )