الديمقراطية والحصاد المر

الديمقراطية والحصاد المر

بسم الله الرحمان الرحيم

منذ أن ضعف فهم المسلمين للإسلام، وخاصة بعد سقوط دولتهم دولة الخلافة، مدت الديمقراطية الرأسمالية سلطانها على الأرض كلها وفرضت مفاهيمها عن الحياة على الدول والمجتمعات، فعاشت البشرية، وتعيش عقودا من الظلام والضلال والضياع الواسع العريض، ومن التشتُّت والتفرُّق والتمزُّق والاقتتال والتطاحن، ومن التيه الكبير في دياجير الظلم والظلام…

  • فجلب هذا النظامُ الماديُّ الجشعُ  كل المتاعب وصنوفا  من الأزمات ليس آخرُها الأزمةَ التي حصلت سنة 2008م، والتي لازالت البشرية تتجرع ويلاتها وذلك نتيجة ما يحتويه من عقيدة فاسدة سقيمة (عقيدة الحل الوسط) التي لا تقنع عقلًا ولا توافق فطرةً، وما وضعته من أفكار واهية هابطة أساسها الحريات الغريزية، وتشريعات باطلة تستند إلى فكرة الحريات الهابطة.

  • حصادها في تونس والعالم الإسلامي:

  • ــ أزاحت الإسلام عن الحياة

  • ــ مكنت للعملاء والفاسدين

  • ــ مكنت للغرب من السيطرة

  • ــمزقت بلاد المسلمين

  • ولعلَّ من أبرز هذه المتاعب التي جلبها هذا النظام وما زال في معظم دول العالم:

1- تغليب الجانب المادي النفعي على كل الجوانب الأخرى: الإنسانية والروحية والأخلاقية، وما يجب أن يكون عليه المجتمع من قيمٍ رفيعة وأخلاقٍ سامية نبيلة. وهذه النظرة قد جلبها هذا النظام ورسّخها في عقول الناس من أتباعه فساد التطاحن على الثروات وعلى تكثير الثروة ؛ فلا مانع من ممارسة البغاء من أجل المال، ولا مانع من بيع الأفيون والحشيش من أجل المال والشهوات والثروات حتى لو دمر المجتمع بأكمله، وتكفي هنا الإشارة إلى ما حدث في صربيا وإسبانيا للدلالة على تخبط الديمقراطيات وفشلها

2- النظام الطبقي المقيت الذي قسم المجتمع إلى طبقتين: طبقة الأغنياء المتحكمين في كل شيء، وطبقة الفقراء الكادحين.  والذي مكَّن الأغنياء من ثروات المجتمع، بسبب حرية التملك والتصرف بالملك وتنمية الملك. فلو نظرنا إلى أي بلد من بلاد الغرب، لرأينا أن فئة قليلة لا تتجاوز 2% تمتلك حوالى 95% من الثروة، وفي المقابل فإن 98% لا يملكون سوى 5% من تلك الثروة.

  3- آفة الفقر، سواء في الدول الغنية المتقدمة أم الدول المسماة بالنامية، وما ترتَّب عليها من آفات متعددة قد تصل إلى المجاعات والموت في بعض الدول. ولا يسلم من آفة الفقر بسبب النظام الرأسمالي الجشع حتى أكبر الدول التي تعتنق هذا المبدأ في أوروبا وأمريكا. فقد ذكرت (شبكة سي سي تي)؛ في تقرير لها نقلًا عن مركز الإحصاء الأمريكي: (بأن 45 مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية).

4– الآفات المجتمعية الخطيرة.

      ــ انتشار الأمراض الفتاكة

      ــ شيوع دور البغاء، وتشرد الأطفال فاقدي السند، حيث أن هناك نحو 2.5 مليون طفل يعيشون بلا مأوى في الولايات المتحدة وحدها.

      ــ تعددت جرائم العنف، القتل العمد، والقتل عن طريق الخطأ، الاغتصاب، السرقة والتعدي باستخدام القوة.

5- التحكمات السياسية، وسلب حرية الاختيار الصحيح.. سواء في النظام الانتخابي، أو في ترشح الأغنياء دون الفقراء بسبب تكاليف الحملات. وهذا الأمر سببه هو تغليب النظرة الرأسمالية في حياة الغرب على كل شيء، فلا يستطيع الفقير أن يترشح ولا أن يقيم دعايات انتخابية، مع أن فكرة الديمقراطية التي ينادون بها؛ هي عكس ذلك تمامًا؛ حيث تدعو إلى حرية الترشح وحرية الانتخاب. وعندما تصل الطبقة السياسية الرأسمالية إلى سدة الحكم فإنها تفرض نفسها في وضع القوانين وتتحكم في القرارات السياسية بما يخدم مصالحها الرأسمالية لا مصلحة عامة الناس

6- الأزمات والمشاكل النفسية وربما يستغرب الإنسان لأول وهلة فيقول: المجتمع الغربي مجتمع راقٍ صناعيًا وتكنولوجيًا، وتتوفر فيه الأموال والصناعات. فالأصل أن يشعر فيه الفرد بالراحة النفسية والهدوء؛ ولكن العكس هو الحاصل، فأكثر حالات الانتحار هي في الدول الإسكندينافية الأكثر ثراء في العالم، فما السبب؟ إن السبب هو أن الراحة والسكينة سببهما ليس خارجيًا يتعلق بوفرة الإنتاج ولا التقدم الصناعي، إنما هو داخلي يتعلق بالطمأنينة الفكرية والقلبية والنفسية، وهذا لا يتأتى إلا إذا حصلت الطمأنينة الداخلية عند الإنسان، هذا عدا عن أن النظام الطبقي يولد الكراهية وعدم الراحة وعدم الاستقرار في المجتمع. ففي بيان لـ(منظمة الصحة العالمية) سنة 2019م، جاء فيه: (… إن ما يقرب من 800000 شخص ينتحرون سنويًا،  (أن قرابة 8% من إجمالي السكان في سويسرا (8.5 مليون) قد جرَّبوا التفكير في الانتحار على الأقل مرة واحدة خلال الأسبوعَيْن اللذَيْن سبقا المسح).

– 7الحروب والاستعمار السياسي والعسكري وما جره على العالم من حروب مدمرة عسكرية وسياسية وتجارية.. ولعل أبرز تلك الحروب التي جلبت على الغرب الدمار الحرب العالمية الأولى والثانية.. حيث كانت النظرة المادية البحتة هي المسيطرة على ألمانيا للسيطرة على كل العالم. فخلفت هاتان الحربان، جاء في ( موسوعة الجزيرة) عن الحرب العالمية الأولى: (تسبَّبت الحرب في خسائر بشرية كبيرة حيث لقي أكثر من ثمانية ملايين شخص مصرعهم وجرح وفقد الملايين، كما خلفت خسائر اقتصادية كبيرة، فانتشر الفقر والبطالة، كما عرفت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة…) أما الحرب العالمية الثانية فجاء في ( الموسوعة الحرة)؛ (أنها خلفت أكثر من 60 مليون قتيل وملايين الجرحى والمشرَّدين والمشوَّهين بسبب استخدام السلاح النووي على اليابان سنة 1945م).

  • إن العالم اليوم ما زال يعيش حالة من الرعب والخوف والترقب من الدمار الاقتصادي؛ بسبب الحروب التجارية بين العملاقين أمريكا والصين، أو خطر الحرب النووية بين كوريا وأمريكا.. وما زالت الحروب الشريرة السياسية والعسكرية تشعل هنا وهناك من أجل المصالح والسياسات المادية النفعية، ويموت بسببها الآلاف كل عام في الشام والعراق وليبيا واليمن وغيرها؛ وهذا كله بسبب الحروب القذرة التي تشعلها الدول الكبرى المندفعة بدوافع مادية بحتة؛ نتيجة للنظرة الرأسمالية المقيتة.

  • لقد ضاق الناس ذرعًا بهذا النظام، وتعالت الأصوات تطالب بتغييره وإسقاطه؛ وخاصة في أبرز أفكاره وهي النظام الاقتصادي. وبرزت أصوات كثيرة؛ خاصة في الأزمة المالية التي حصلت أخيرًا سنة 2008م، وطالبت صراحة بتطبيق بعض الأفكار الإسلامية في أحكام الاقتصاد. فقد أثنتوزيرة الاقتصاد الفرنسية. لاغارد؛ على (البعد الأخلاقي في النظام المالي الإسلامي، وقدرته على مواجهة أسباب الأزمة المالية الحالية، مشيدة بتحريم الغرر والميسر؛ في المعاملات الإسلامية).. وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة باريس أوليفييه باستري: (إن النظام المالي الإسلامي يمكن أن يلعب دورًا تاريخيًا في العالم بالنظر لقدرته على مواجهة التحديات التي يطرحها الوضع الحالي)، ودعا أيضًا مجلس الشيوخ الفرنسي إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وقال المجلس في تقرير أعدته لجنة تعنى بالشؤون المالية في المجلس: (إن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية؛ مريح للجميع؛ سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين)، وأكد التقرير الصادر عن اللجنة المالية لمراقبة الميزانية والحسابات الاقتصادية للدولة بالمجلس (أن هذا النظام المصرفي الإسلامي الذي يعيش ازدهارًا واضحًا قابل للتطبيق في فرنسا).

  • في 17 أيلول/سبتمبر عام 2011م اندلعت الاحتجاجات بخروج متظاهرين بالمئات في وول ستريت بمدينة نيويورك الأمريكيَّة وحاولوا احتلاله، معربين عن رغبتهم بتحويله إلى «ميدان تحرير» أمريكي، وعندما حدث ذلك هبَّت الشرطة على الفور لإغلاقه ومحاصرة المنطقة، واستمرت الحركة بعدها بالتظاهر لمدة أسبوع. هذا وقد خرجت سنة 2011م مظاهرات في ألف مدينة على الكرة الأرضية؛ تطالب بإسقاط هذا النظام والتخلص من رموزه المالية في وول ستريت وغيرها.

  • وفي الختام نقول: إن البشرية لن تسعد إلا بالنظام الإلهي؛ فهو وحده الذي طبق في أرض الواقع زهاء أربعة عشر قرنًا، وعاشت البشرية في ظله حياة ملؤها السعادة والرفاه. وما زال أتباعه متمسكين به يطالبون بعودته رغم غيابه عن الواقع العملي ما يقارب المئة عام. ويشهد على ذلك ثورات الأمة وحيويتها التي لاتخفت ورائدها الذي لن يكذبها يوما حزب التحرير

  • إن العالم اليوم هو كالأرض العطشى التي تنتظر المطر.. وهذا الغيث هو الدين الذي يخلص البشرية مما هي فيه من بلاء وشرور وظلم وظلام… وهذا يبشر بقرب ظهور شمس الإسلام الوضَّاءة التي تنشر على الأرض دفئها وضياءها؛ تمامًا كما نشر الإسلام النور والهداية أول مرة؛ عندما ظهر في جزيرة العرب؛ليصدق بذلك قول المولى عز وجل: (سَنُرِيهِمۡءَايَٰتِنَافِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡيَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥعَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ)، وقوله: (قَدۡجَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ ١٥ يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَرِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰامِ)،وقوله:(وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَى لِلۡمُسۡلِمِينَ ٨٩).

نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام عما قريب بحكم الإسلام في ظل دولة الإسلام.. آمين يا رب  العالمين.

الأستاذ خبيب كرباكة, عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )