السياسة الصناعية في الإسلام

السياسة الصناعية في الإسلام

الهدف الاقتصادي هو إيجاد التقدم المادي، وهو لا يكون إلا بالثورة الصناعية، بحيث تكون الصناعة رأس الحربة في النمو الاقتصادي.

والثورة الصناعية هي تسلم زمام رأس الصناعة ومنبعها وهي صناعة الآلات بعملية انقلابية في الصناعة، وهي عدم التلهي بأي صناعة بل بأي عمل اقتصادي قبل تسلم زمام رأس الصناعة وجعل الجهود الاقتصادية كلها موجهة لإيجاد صناعة الآلات، ولا يقام بأي شيء سوى الضروريات وسوى مالا بد منه لإيجاد صناعة الآلات.

فمثلاً نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعة بزيادة الإنتاج فيما يتعلق بالغذاء والكساء، و لكن يجب الاقتصار على ما هو ضروري و عدم التوسع في هذه المشاريع كإنشاء المزارع النموذجية والأقنية والسدود الجديدة وما شاكل ذلك، وتأجيل ذلك إلى ما بعد تحقق الثورة الصناعية، لأن التوسع في هذه المشاريع إلى جانب القيام بالثروة الصناعية إنما يكون على حساب الثورة الصناعية ويضعفها، فيكون القيام بها ضرراً على تقدم البلاد بل هو يحد من التقدم الصناعي ويعوقه.

وعليه فإن الثورة الصناعية تقتضي أن يبدأ في الحال بإيجاد مصانع الآلات وأن لا يشتغل في صناعة غيرها حتى لو كانت من الصناعات التي تغذي مصانع الآلات  كاستخراج الحديد واستخراج النفط وتكريره وغيره، بل تشترى الدولة الحديد الخام و الفحم الحجري والنفط من الغير لتوجد مصانع الآلات أولاً، ومنها توجد مصانع استخراج النفط ومصانع استخراج الحديد.

ولهذا لا يصح أن يلتفت إلى أي شيء من الصناعات الاستهلاكية وأن يحصر الاتجاه نحو إيجاد صناعة الآلات ليس غير.

صناعة الآلات

تعتبر صناعة الآلات عنصرا أساسيا في الصناعات الثقيلة لأنها تغذي مختلف المصانع بالأجهزة والمعدات التي تحتاجها للتصنيع. ولذلك تقوم الدولة التي تريد السير في طريق التصنيع بإنشاء مصانع الآلات أولا، ثم مصانع الحديد والصلب ثانيا، وذلك للترابط بينهما.

فصناعة الحديد والصلب توفر المواد اللازمة للتصنيع, كالفولاذ الذي يستخدم في صناعة السفن, وكصلب النيكل المتكون من الحديد الصلب والنيكل الذي يستخدم في صناعة السيارات لمتانته ومقاومته الصدأ, و كصلب الكروم المتكون من الحديد الصلب والكروم الذي يستخدم في صناعة المحركات لصلابته.

أما صناعة الآلات فتقوم بتصنيع تلك المواد وغيرها ثم تجميعها في شكل أجهزة ومعدات في عملية تبدأ بالتصميم ثم التصنيع  والتحليل. وتتم العملية في خط إنتاج واحد ويتحكم الحاسوب في عملياته وهو ما يسمى بالتصنيع المندمج بالحاسوب. و تحتاج إلى تضافر العديد من الاختصاصات الهندسية كهندسة الميكانيك والإلكترونيك والحاسوب وأنظمة التحكم. كما تحتاج إلى:

  1. برامج وأنظمة يتم من خلالها تصميم القطعات ومحاكاتها ومطالعة تحليل القوى والاجهادات عليها. كما يحتاج إلى نظام يستعمل لتصميم عملية الإنتاج والتحكم بالآلات وأدوات خط الإنتاج من خلال أتمتة قابلة للبرمجة, ثم دمج التصميم و التصنيع معا بإرسال خصائص التصميم إلى الأجهزة وأدوات الإنتاج لتصنيع القطعات في أسرع وقت وبدون أخطاء.

2.الأجهزة والمعدات اللازمة مثل مكائن التحكم الرقمية وهي اجهزة قابلة للبرمجة وتستعمل للتفريز والتجليغ والبرد والثقب أليا لمختلف القطعات وبمختلف الأبعاد. كما تدخل في عملية تصنيع القطعات صب المواد المذابة في قوالب متحركة أو في قوالب الرمل والتفريز واللحام والدرفلة والخراطة والبثق وغيرها.

الثورة الصناعية هي ثورة على النفوذ الأجنبي

التصنيع يعني التحرر، يعني استعادة السيادة وامتلاك القرار، وهو بحد ذاته ثورة على النفوذ الأجنبي وتحد له، وسيواجه بمؤامرات سياسية عديدة وصعوبات اقتصادية جمة، بالإضافة إلى قلة الخبرات والأيدي العاملة المدربة.

ولتذليل هذه الصعوبات والسير عمليا في طريق التصنيع ينصح القيام بما يلي.

قلع النفوذ الأجنبي

قلع النفوذ الأجنبي بكل أشكاله وأركانه  ورموزه, وهذه أصعب خطوة, لأنها ستجابه بمؤامرات جمة وتحتاج فيها الدولة إلى قيادة سياسية مخلصة وواعية وقادرة على كسب ثقة جمهور الناس بالمشروع الحضاري التحرري الذي تقدمه حتى تستطيع أن توجه طاقتهم لتحقيق الأهداف الصعبة كالتصنيع. فأوروبا وروسيا وأمريكا لم يحققوا الثورة الصناعية إلا عندما قامت دولهم على أساس مشروع يؤمن به الناس و يثقوا به. وبما أن الناس اليوم في بلادنا يشعرون بضرورة تغيير طريقة عيشهم القائمة على الحضارة الغربية ويتجهون نحو الإسلام باعتباره وحده الذي يحررهم من نفوذ الغرب والشرق، كان لا بد من جعل الإسلام أساس الدولة حتى تستطيع أن تفجر طاقات الناس وتحقق بهم الثورة الصناعية.

الاعتماد على الخبرات الذاتية

بمنع النفوذ الأجنبي من إيجاد طريقة إلي عملية التصنيع التي نريد، وذلك بإبعاد الشركات الأجنبية والأجانب عامة بما فيهم الخبراء، لأن ذلك من وسائل تسريب النفوذ الأجنبي إلى البلاد. فإقامة الصناعات الثقيلة يتم عن طريق أبناء البلاد فقط, وهذا ممكن، فقد قامت روسيا في مطلع القرن الماضي بتحويل بلادها من بلاد زراعية متخلفة إلى بلاد صناعية تقف في مقدمة الدول الصناعية الراقية بالاعتماد على النفس, حيث رفض لينين الاعتماد على الخبرات الغربية التي عرضت عليه. والوضع اليوم أحسن حال حيث المعرفة العلمية والتكنولوجية الأجنبية متوفرة, وأبناء العالم الإسلامي يشكلون قسما عريضا من القوى العاملة ذات الخبرة في الدول الأوروبية وأمريكا ويمكن الاستعانة بهم.

تمويل المشاريع

ولتوفير الموارد المالية لذلك تقوم الدولة بالاتي:

التوقف فورا عن المساعدات والقروض الأجنبية سواء من المؤسسات التي تتستر تحت اسم دولي أو تلك التي تعود إلى الدول الكبرى أو البنوك الخاصة, لأن هذه القروض والمساعدات تعطى عادة للسيطرة على الدول المدينة وإفقارها. فلا بد إذا أن يكون تمويل التصنيع ذاتي, وذلك بالاعتماد على موارد البلاد الزراعية و الثروات الباطنية.

وقف القيام بالمشاريع الإنشائية العمرانية في الوقت الحاضر من مثل بناء السدود والأقنية ومد الطرقات والاقتصار على ما هو موجود أو ضروري.

التوقف عند حد ما هو موجود من الصناعات الاستهلاكية وتغيير الطريق تغييرا فجائيا وحصره بالإتجاه لصناعة الآلات والبدء بالتصنيع الثقيل.

عدم القيام بالصناعات التركيبية مطلقا, لأن الذي يحقق التقدم المادي ويجعل بلادنا بلدا صناعية هو البدء بالصناعات الثقيلة، ولهذا يجب أن يوجه الجهد إلى القيام بالصناعات الثقيلة.

يجب أن يغض النظر عن القيام بالثورة الزراعية  قبل تحقق صناعة الآلات، وبالمقابل لا بد من زيادة الإنتاج الزراعي فيما هو مطلوب فقط في الأسواق العالمية لتصديره قصد الحصول على العملة الصعبة من أجل الثورة الصناعية, وذلك بزيادة الإنتاج في المواد التي لها أسواق خارج البلاد كالحبوب والقطن والمطاط والزيوت وما شاكلها. يجب الاهتمام فقط بالحاجات الأساسية حتى نبعد الناس عن الجوع و خطر العرى والحاجة الى اللباس, بتحقيق الاكتفاء الذاتي.

الاقتصار على ما هو موجود من مصانع استخراج النفط ومصانع تصفيته ومصانع استخراج غيره من المعادن ومصانع استخراج البوتاس وما شاكل ذلك، فلا تشتري آلات جديدة للاستخراج والتنقيب والتكرير والتصفية بل تنتظر إلى أن تصنع الآلات بنفسها، وحينئذ تقوم باستخراج المعادن وتقوم بسائر الصناعات الثقيلة بالآلات التي صنعتها هي. وأما ما تحتاجه من معادن كالفحم الحجري والنفط والحديد وما شاكلها في حال عدم كفاية ما لديها، فإنها تشتريها من الغير إلى أن توجد مصانع الآلات وحينئذ تنشئ المزيد من مصانع استخراج النفط والحديد وما لديها من سائر المعادن.

استرجاع الثروات الطبيعية من الشركات الأجنبية وإدارتها بأنفسنا استخراجا وتسويقا. لأن هذه المواد هي من الملكية العامة التي لا تملك الدولة شرعا خصخصتها وإنما تقوم بالإشراف على استخراجها وتصنيعها لصالح الرعية، فإذا ما استرددنا هذه الثروات من الشركات الاستعمارية وأدرناها بأنفسنا إنتاجا وتسويقا فسنوفر السيولة اللازمة لبعث المشاريع الاقتصادية المنتجة كالتصنيع والزراعة، خاصة وأن كل عوامل النجاح متوفرة, فالأرض أرضنا والثروة ثروتنا, والقوى العاملة المدربة من خبراء ومهندسين وعمال هم أبناؤنا وموجودون على الأرض ولا ينقصهم إلا حسن الإدارة والتسيير, أما المنشات فيمكن شراؤها من الدول الغير طامعة في بلادنا وهي كثيرة, ويمكن تغطية نفقاتها مما تدره الثروات الطبيعية من بترول وغاز وفسفاط وملح واسمنت وجبس وغيره من المعادن التي تزخر بها أرض الخضراء.

الإسلام هو المشروع الوحيد للتصنيع والتحرر

وأخيرا إن التصنيع فوق كونه ضرورة من ضرورات التحرر من النفوذ الأجنبي، وإن ذلك لا يمكن أن يتم في العالم الإسلامي إلا على أساس الإسلام، فإن التصنيع أيضا يستلزم الوحدة بين المسلمين في كيان واحد حتى يتوفر في هذا الكيان القوى البشرية اللازمة للتصنيع والمتوفرة في بلدان كمصر وتركيا، بالإضافة إلى الموارد الأولية والمتوفرة في بلدان أخرى في آسيا وأفريقيا.

وهذا كله لن يتأتى إلا ببناء دولة واحدة تجمع شتات العالم الإسلامي، وهذه الدولة يجب أن تكون سياستها الإقتصادية وكل شيء فيها مبنية على أساس الإسلام، فإنه بغير الإسلام لا يمكن النهوض بالعالم الإسلامي وتحقيق التقدم التكنولوجي والصناعي فيه والتحرر من التبعية للغرب.

قال تعالى: ومن أحسن من الله حكما.

د. الأسعد العجيلي، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )