السيطرة على النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط

السيطرة على النفط والغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط

إن النزاع الحاصل على النفط والغاز في شرق المتوسط آخذ بالتصاعد منذ سنة 2009 وهو ليس محصوراً بين لبنان وكيان يهود بل يتعدى ذلك ليشمل كلاً من تركيا وقبرص واليونان وسوريا ومصر. والمتابع لهذا الملف يرى تخاذل حكام المسلمين المعنيين لصالح يهود و »قبرص اليونانية ». إما بالتباطؤ في تشييد منشآت نفطية أو بالتواطؤ في ترسيم الحدود البحرية.

أما يهود فلقد باشروا سنة 2009 في عمليات التنقيب وتم اكتشاف حقل « تمر » ويعتبر من أكبر حقول الغاز آنذاك قبل اكتشاف حقل « ليفايثن ». وقام يهود بتشييد منشأة معالجة للغاز الطبيعي لكل من حقل « تمر » الذي بدأ بإنتاج الغاز سنة 2013 و »ليفايثن » المتوقع بدء الإنتاج فيه سنة 2019. أما قبرص « اليونانية » فقد قامت بعمليات تنقيب عن الغاز في بلوك 12 تحت حماية القواعد البحرية البريطانية هناك وبظل تهديدات تركية بتحريك قواتها البحرية في حال البدء بالحفر. إلا أن قبرص « اليونانية » بدأت بالحفر سنة 2011 ومن دون أي ردة فعل تركية فظهرت تهديدات تركيا أردوغان على أنها جعجعة بلا طحن!

وفي كانون الأول سنة 2017 وقّعت قبرص « اليونانية » واليونان وكيان يهود وإيطاليا اتفاقا لبناء أنبوب يعتبر الأطول في العالم تحت الماء وذلك لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وجاء في بيان مشترك بين الدول الأربع أن « المشروع سيؤمن وسيلة مباشرة وطويلة الأمد لتصدير الغاز من (إسرائيل) وقبرص إلى اليونان وإيطاليا وأسواق أوروبية أخرى ». كما اعتبر البيان أنه سيتيح أيضا « تعزيز أمن تموين الغاز إلى الاتحاد الأوروبي » (إيلاف).

إن وجود الغاز في شرق بحر المتوسط أمر معلوم لدى كافة المعنيين منذ عقود. ففي مقابلة مع إبراهيم يسري، سفير مصر لدى الجزائر ومساعد وزير الخارجية ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، قال فيها إن مصر لديها تقارير بأنه في منتصف السبعينات قامت أمريكا بحظر أي عملية تنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق بحر المتوسط (قناة الجزيرة 24 تشرين الثاني 2014). وفي سنة 1999 منحت السلطة الفلسطينية امتيازاً لمدة 25 سنة لشركة « بريتيش غاز » (بي جي) البريطانية لاستكشاف النفط والغاز وإنتاجهما في المياه الفلسطينية أمام قطاع غزة. وانضمت إلى « بي جي » شركة « اتحاد المقاولين » وصندوق الاستثمار الفلسطيني واكتشفت الشركة البريطانية حقل « غزة مارين » في سنة 2000 (صحيفة الحياة عدد 10 آب ٢٠١٤).

أما فيما يتعلق بـ »ترسيم الحدود » فيظهر التواطؤ والخيانة خصوصاً عند حكام مصر. ففي سنة 2003 تم ترسيم الحدود بين مصر وقبرص « اليونانية » وتنازل مبارك عن عشرات الكيلومترات مما منح قبرص « اليونانية » حقل « أفروديت ». وأما كيان يهود فلم يتم ترسيم الحدود معه ما منحه حقل « ليفايثن » الذي وحسب الخبراء يحقق للكيان اكتفاءً ذاتيا لمدة ٤٠ سنة نظراً لحجمه. وهناك خرائط تؤكد أن الحقل هذا يقع ضمن حدود مصر البحرية مما يجعله ملكاً لمصر. علماً أنه في سنة 2015 تم اكتشاف حقل « ظهر » والذي يعد أكبر حقل غاز في شرق بحر المتوسط ومسافته قريبة من حقلي « ليفايثن » و »أفروديت ». وهذا الحقل يقع في مياه مصر البحرية وبدأ إنتاج الغاز منه أوائل سنة 2018.

أما لبنان، فلقد قام بالاعتراض على كيان يهود في استغلال مناطق بحرية. وقدّم سنة 2010 مذكرة تتضمن رسما لحدوده البحرية إلى الأمم المتحدة، وأيدت أمريكا المذكرة هذه. وفي بداية سنة 2018 وقبل إمضاء العقود مع شركات التنقيب عن النفط ضمن الحدود البحرية للبنان، صرح وزير دفاع كيان يهود أفيغدور ليبرمان أن البلوك رقم 9 تعود ملكيته ليهود وليس للبنان، وهذا التصريح فهم منه أنه تهديد من قِبل يهود ضد استثمار لبنان لمياهه الإقليمية في مجال النفط والغاز. وتبلغ مجمل مساحة المياه الإقليمية للبنان حوالي 22 ألف كم مربع تم تقسيمها إلى عشر مناطق أو بلوكات يمثل البلوك 9 أحد تلك المناطق.

وعلى إثر تصعيد يهود ضد لبنان، صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى السفير ديفيد ساترفيلد في مؤتمر نظمه مركز أبحاث تابع لجامعة بتل أبيب « سوف نواصل جهودنا لدعم مؤسسات أمنية رسمية وشرعية في لبنان مثل القوات المسلحة اللبنانية القوة الشرعية الوحيدة في لبنان ». وأضاف ساترفيلد أن الجيش اللبناني « قد يعمل جيدا كقوة موازنة أمام رغبة حزب الله في توسيع نفوذه هناك وأمام تأثير إيران في لبنان » (رويترز العربية). وردّ وزير دفاع كيان يهود على كلام ساترفيلد بالقول: « بالنسبة لي كل لبنان – الجيش اللبناني ولبنان – لا يختلفان عن حزب الله ».

وبعد زيارته لتل أبيب توجه ساترفيلد إلى لبنان واجتمع مع مسؤولين سياسيين وأمنيين هناك. وخرجت تصريحات من لبنان وكيان يهود تفيد بعدم الرغبة في التصعيد إما بشأن جدار حدودي يقيمه يهود على الحدود مع لبنان أو بشأن حدود المياه الإقليمية المتنازع عليها وبلوك رقم 9.

وقال مسؤول في كيان يهود طلب عدم نشر اسمه: « إن ساترفيلد كان ينقل رسائل لبيروت بشأن قضايا خلافية عدة. وقال: « موقفنا دائما أننا لا نريد أن نرى الوضع مشتعلا ». وأضاف أن دولتين أوروبيتين على الأقل تتوسطان فضلا عن أمريكا. (رويترز العربية)

وكشف موقع ديبكا التابع لمخابرات كيان يهود بأن رئيس لبنان ميشال عون وبشار أسد بعثا رسائل عن طريق وسطاء أوروبيين لرئيس الوزراء نتنياهو لطمأنته بخصوص حزب إيران. هذا وقد سبق لوزير خارجية لبنان جبران باسيل أن صرح في مقابلة مع قناة « الميادين » التابعة لحزب إيران بأن « الخلاف مع (إسرائيل) ليس أيديولوجيا »، مضيفا: « نحن لا نرفض أن يكون هناك وجود (لإسرائيل) وبحقها بالعيش بأمان ».

وخلفاً لزيارة ساترفيلد، من المقرر أن يزور وزير خارجية أمريكا ريكس تيلرسون لبنان ومصر وتركيا والأردن في منتصف شباط 2018. وعلى الأغلب سيؤكد تيلرسون في زيارته للبنان على دعم دولته للجيش اللبناني والذي بلغ حجمه ملياراً ونصف المليار دولار أمريكي. وتأكيد تيلرسون هذا سيشكل رسالة لكيان يهود فيما يتعلق بأي تصعيد محتمل من قبله ضد لبنان.

كما أوردت صحيفة اللواء فيما يتعلق بزيارة تيلرسون بأنه سيقوم بوساطة بشرط « متابعة الإجراءات المتخذة دولياً ضد حزب الله، واستعداد الدولة لتقليص أي دور له في مواجهة التعديات (الإسرائيلية)، من زاوية القدرة الصاروخية للحزب، فيما خص استهداف المنصات البحرية النفطية. » (صحيفة اللواء 9 شباط 2018)

كل هذا يحدث ومسئولو حزب إيران يصمتون صمت أهل القبور ولَم يتفوهوا بأي تصعيد كلامي ضد يهود أو زيارة ساترفيلد بل تم إبراز القوى الأمنية الرسمية من خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في القصر الجمهوري.

وهذه المعادلة هي بالضبط ما كان يطمح لها يهود. فعينهم لم تكن على بلوك رقم ٩ ولا على بضعة أمتار لجدار حدودي. بل التصعيد كان بهدف منع شرعنة حزب إيران من بوابة حماية منشآت النفط والغاز وعدم استخدامه كفزاعة ضد منشآتهم. والسلطة اللبنانية ومعها حزب إيران ذهبوا إلى الموقف الذي يريده منهم عدوهم، وهذه نتيجة حتمية لمصادرة القرار السياسي في لبنان للمستعمر الأمريكي.

وأما أمريكا فهي لا تريد التصعيد بين لبنان وكيان يهود ولكنها ستبقي فتيل الأزمة بيدها لتحرك الملف لاحقاً حين يتسنى لها ذلك. فأمريكا الآن مشغولة بملفات أخرى، وهي قد تأخرت نوعا ما في التدخل بعد أن استغلت كل من بريطانيا وقبرص « اليونانية » وكيان يهود انشغالها منذ سنة 2011 بثورة الأمة. وإلى الآن ما زالت أمريكا عالقة في سوريا ولم تستطع احتواء الثورة هناك. وبالتالي فإن أمريكا ليست بصدد تحريك حزب إيران ليتصدر مواجهة يهود في ملف الصراع على النفط والغاز في شرق بحر المتوسط. وكذلك لن تتحرك تركيا ضد قبرص « اليونانية » للسبب نفسه.

إن الارتهان لأجندة المستعمر هو خيانة لله ورسوله قبل أن يكون خيانة للأمة الإسلامية. إن البحر الأبيض المتوسط كله للمسلمين وسيعود لهم بإذن الله تعالى. وستحرر فلسطين وجزيرة قبرص من المحتلّين، ولن يكون هناك حدود برية أو بحرية بين المسلمين. كل هذا سيحصل بإذن الله تعالى، فدولة الخلافة الراشدة قائمة قريبا إن شاء الله، وإن الله على كل شيء قدير.

بقلم: الأستاذ عبد اللطيف داعوق لبنان

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )