« المساعدات » الأمريكيّة لتونس،  السمّ في الدّسم..  قبولها جريمة والسّكوت عنها خيانة

« المساعدات » الأمريكيّة لتونس، السمّ في الدّسم.. قبولها جريمة والسّكوت عنها خيانة

حصيلة شهر واحد من الاقتحام الأمريكيّ

التقى نائبا مساعد وزير الخارجية الأمريكيّ « ساساهارا » و »ليمو » في 14/02/2022 مع ممثلي المجتمع المدني التونسي لمناقشة التطورات السياسية والقضائية الأخيرة. وقالا: « نحن نقف مع التونسيين الداعين لحكومة متجاوبة تدعم حقوق الإنسان وتعطي الأولوية لمستقبل البلاد الاقتصادي. »
كما أطلقت الولايات المتحدة في نفس الأسبوع برنامج قروض بقيمة 35 مليون دولار أمريكي لدعم المؤسسات الصغرى التونسية عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية… (USAID) ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) بالشراكة مع البنك العربي لتونس (ATB)
كما أعلنت الحكومة الأمريكية (عن طريق نفس الوكالة) إطلاق مشروع بتكلفة 50 مليون دولار أمريكي لزيادة عدد السياح الدوليين القادمين إلى تونس. ويأتي هذا المشروع الّذي تُموّله الحكومة الأمريكية في وقت هام، « إذ يمثل هذا الاستثمار أكبر تمويل من جِهَة مانحة في القطاع السياحي ». وتؤكد الولايات المتحدة على استعدادها للدخول في شراكات مع التونسيين لإنشاء مشاريع وخلق مواطن شغل جديدة في المناطق الداخلية، حيث تشتد الحاجة إليها. كما أحدثت بتوزر مركزا للرعاية الصحية متعدد الاختصاصات. وقام السفير الأمريكي دونالد بلوم هذا الأسبوع شهر فيفري بزيارة المدينة العتيقة بالقيروان حيث التقى عددا من رواد الأعمال الذين يتلقون الدعم من الحكومة الأمريكية.

في البداية: « المساعدات » الأمريكيّة … الاختراق النّاعم

تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1961 في عهد الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وتعمل الوكالة في وزارة الخارجية الأمريكية، كذراع رئيسي لها في الشؤون الثقافية والاقتصادية الدولية، وتتعاون بشكل وثيق مع الحكومات والمؤسسات وجمعيات المجتمع المدني والقطاع الخاص، من خلال إرسال خبرائها للعمل كمستشارين في مختلف البلدان المستهدفة. ورغم أنها مجموعة تابعة لوزارة الخارجية، لكنها تعمل بشكل مستقل بحيث تتلقى ميزانيتها من وزارة الخارجية لكنها تكون مسؤولة أمام الرئيس نفسه، وهذا يشير إلى أهمية الوكالة في أبعاد الأنشطة الخارجية للولايات المتحدة.
وللعلم فإن واشنطن لا تخفِ اهتمامها بالقارة الإفريقية ومنها تونس رأس الحربة في دخول الشمال الإفريقي تاريخا وحاضرا، فالقارة الإفريقيّة تضم أكبر تجمع للدول النامية في العالم، ذات الأسواق المتعطشة للاستثمارات، والنمو السكاني الأسرع عالميًا، والثروات الهائلة، والحكومات المفتقرة لأدوات فرض الأمن والاستقرار وتحديث البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية. وبالأحرى فإن هذه الوكالة هي العصا الناعمة أو الجزرة التي تمهد للاستعمار الأمريكي.

الاستعمار الأمريكي… هل يُحقّق ما يريد؟

إن ما تقدم من الأعمال السياسية الأمريكية عن طريق وكالتها ليضمن للأمريكيين موطئ قدم في البلاد التونسية، خاصّة بعد أن ضعفت أوروبا وضعف عملائها في تونس فما عادوا قادرين على منع الاختراق الأمريكي أو التّصدّي له. ولقد لوحظ كثافة التدخّل الأمريكي في تونس بعد الثورة وازداد مع الأعوام، ووصل من تدخّلهم أنّهم يحاولون استمالة جزء من الكوادر التّونسيّة بمنح فرص لمواصلة الدراسة في أمريكا، وتجدهم يحشرون أنوفهم في مشاريع في تونس ولو كانت بسيطة بدعوى تمكين أصحاب المشاريع من تطوير نشاطاتهم، ووجدت أمريكا في السياحة هي فرصة للتدخّل لدفع عجلة السياحة (وكأنّ السياحة هي التي ستنقذ اقتصاد تونس المنهار)، علاوة على محاولة اختراق الجيش تحت غطاء التنسيق اللوجستي وتبادل الخبرات والمناورات المشتركة، وكل ذلك تحت نظر السلطات التونسية مما ينسف « أكذوبة » استقلالية الدولة.
ومن جهة أخرى ومع مرور الزمن قد يصبح لدى الأمريكيين جيش من المثقفين والصناعيين والأمنيين والعسكريين يدافعون عنها من باب شكر ولي النعمة على خدماته ومساعداته « الخيرية جدا ». هذا ما تجنيه الإدارة الأمريكية على المستوى الداخلي، أما فيما يتعلق بالناحية الخارجية فإن الأمريكيين على علم تام بما سيتحقق لهم إذا تمكنوا من إخراج تونس من بيت الطاعة الأوروبي (البريطاني – الفرنسي) باتجاه « البيت الأبيض »، حيث إنها ستتمكن من إنهاء الاستعمار القديم وتصفيته، كما أنها ستتمكن من قطع الطريق على المشاريع الجديدة التي تقودها الصين، ومن جهة أخرى فإنها تستهدف تحقيق الامتداد الطبيعي لمستعمراتها من المملكة العربية السعودية مرورا بمصر وصولا إلى تونس، وهذا ما يسهل لعملائها التنسيق والتخطيط، ومنه أريحية متناهية في التواجد العسكري ومراقبة الأجواء ريثما يتسنى لها الانقضاض على الجزائر. اذا تعمل أمريكا على جميع الجبهات المادية (الحروب) والمعنوية (الفكرية السياسية..) والهدف المعلن هو الهيمنة على العالم وضمان تبعية الدول لها.

إن عموم الناس في تونس لا يدركون مدى خطورة تقديم مساعدات هذه الوكالة لهم، بل إن بساطتهم تحدثهم بأنهم غنموا المساعدات التي تقدمها أمريكا لهم. أما الحكام وشريحة ممن هم حولهم فهم يدركون خطورة ما يفعلون، لكنهم في المقابل يتبجحون بإنقاذ السياحة وتحقيق التنمية، وتسيير أمور الحكم على المدى المنظور، ويتركون الأجيال القادمة تواجه ما عبثت به أيديهم.

أ, محمد السحباني

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )