المنشور عدد 20: ماذا تريد « الحكومة » من « إتّحاد الشغل » ..؟

المنشور عدد 20: ماذا تريد « الحكومة » من « إتّحاد الشغل » ..؟

أصدرت رئاسة الحكومة، يوم الثلاثاء 11 جانفي 2022، بلاغا توضيحيا على خلفية ما أثاره المنشور عدد 20 الصادر عن رئاسة الحكومة بتاريخ 9 ديسمبر 2021 والمتعلق بعملية التفاوض مع النقابات من جدل.

وقالت رئاسة الحكومة إن الغاية من المنشور عدد 20 هي التنسيق بين الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية من جهة ورئاسة الحكومة من جهة أخرى، ولا علاقة له بما يُروّج حول نيّة ضرب حق العمل النقابي الذي يكفله القانون. وبينت أن الهدف من المنشور هو توفير مقومات نجاح المفاوضات الاجتماعية وإضفاء المزيد من الشفافية والمصداقية على اتفاقات والتزامات الحكومة تجاه الشريك الاجتماعي. كما أكدت رئاسة الحكومة أن المنشور عدد 20 يهدف إلى تجنّب الاتفاقات ذات المفعول المالي والترتيبي غير القابلة للتطبيق والتي يتم إمضاؤها دون تنسيق مسبق  خاصة في هذا الوضع الذي تشهده المالية العمومية.

هذا وجددت رئاسة الحكومة التزامها بمبدأ العمل التشاركي مع الشركاء الاجتماعيين وتمسّكها بالحوار الاجتماعي كسبيل للتفاوض الاجتماعي الجديّ كما تؤكد أن شعار الحكومة الحالية هو المصداقية والإنجاز الفعلي.

التعليق:

في إطار السعي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي يُعدّ الرئيس قيس سعيد ورئيسة حكومته ومحافظ البنك المركزي، « برنامج الإصلاحات الاقتصادية » للتوصل إلى اتفاق للحصول على قرض جديد يسدّ الثغرة الكبيرة المفتوحة في الميزانية معدّة.

ومن أوّل الخطوات على طريق تنفيذ أوامر صندوق النّقد الكفّ عن توقيع اتفاقيات مع اتّحاد الشّغل، 

وكانت الحكومات السابقة وسعيا منها لتوفير استقرار اجتماعي وخوفا من المواجهة الشعبية، وقعت على اتفاقيات مع اتحاد الشغل ومنظّمة الأعراف لكنها لم تستطع الالتزام بها بسبب تدهور المالية العمومية وشح الموارد المالية.

وفي هذه النقطة وضعت رئيسة الحكومة حدا ووجّهت المنشور عدد 20 مؤرخا في  9 ديسمبر 2021، إلى كافة الوزراء وكتّاب الدولة والمديرين العامين والرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية، حدّدت فيه شروط وضوابط التفاوض مع النقابات.

ودعت في المنشور إلى ضرورة التنسيق بصفة مسبقة مع رئاسة الحكومة وعدم الشروع في التفاوض مع النقابات سواء فيما يخص مجال الوظيفة العمومية أو المؤسسات والمنشآت العمومية إلا بعد الترخيص في ذلك من قبلها، إضافة إلى دراسة الطلبات المقدمة من النقابات وموافاة رئاسة الحكومة بتقرير مفصل في الغرض حول مطابقتها للنصوص القانونية مع بيان كلفتها وذلك بالتنسيق مع المصالح المختصة بوزارة المالية.

ويأتي قرار الحكومة خضوعا لشروط التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتمهيدا « للإصلاحات » الاقتصادية الموصوفة بالمؤلمة والتي من بنودها  بتجميد الأجور لخمس سنوات قادمة.

فهذه الحكومة تتعامل مع الشعب باستغفال كبير, إذ منذ قدومها لا نسمع غير الوثائق المسربة والمعلومات المسربة من غرف القصور المظلمة, حتى ما سمته الحكومات السابقة « بالإصلاحات الهيكلية » تعمّدت حكومة الرئيس الإبقاء في تسميته على « الإصلاحات » فقط !!

برنامج الإصلاحات الهيكلية يرتكز على أربعة محاور أساسية:

  • المالية العمومية

  • السياسة النقدية

  • السياسة المالية

  • مناخ الأعمال والانفتاح على الخارج

وهي محاور صاغتها حكومة يوسف الشاهد وتقدمت بها في 03 ماي 2020 الى واشنطن حيث قالت عنه انه عمل غير جدي لأتي إجراء 25 جويلية ليعيد طرح نفس البرنامج بإصرار على تنفيذ ما تباطأت فيه تنفيذه الحكومات السابقة وهو الشيء الوحيد الذي تختلف فيه هذه الحكومة عن سابقاتها.

فأي إنقاذ هذا وأي إصلاح يتحدثون عنه؟

هل أن الترفيع في أسعار الحاجيات الأساسية لحياة الناس يعتبر إنقاذا؟

هل تخلي الدولة عن واجبها في تقديم أبسط أشكال الرعاية المعاشية للناس يعتبر إصلاحا؟

هل تقديم مقدرات البلاد ومؤسساتها الحيوية للبنوك الاستعمارية يعتبر إنقاذا؟

وتفاعلا مع المنشور عدد 20 الصادر عن رئاسة الحكومة، أفاد الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري خلال تدوينة على صفحته الرسمية، « أن وزارة الشؤون الاجتماعية كانت تسهم بالمفاوضات في فض النزاعات الشغلية وإلغاء الإضرابات بما يفوق 75% بعد حصول اتفاقات مرضية لجميع الأطراف، وبعد أن كانت مهدا للحوار لاجتماعي وراعية للمفاوضات الجماعية، ستتحول (الحكومة) إلى أكبر مشجع على إنجاز الإضرابات بالمنشور 20 سيء الذكر، وسيصبح فض النزاعات في رحاب منظمة العمل الدولية.. ». وكان الاتحاد العام التونسي للشغل انتقد المنشور عدد 20 الذي ووصفه بأنه « فضيحة دولة »، ودعا الحكومة إلى ضرورة التراجع عنه. وقال مساعد الأمين العام لاتحاد الشغل، صلاح الدين السالمي، إن المنشور عدد 20 الذي وُجه أساسا للنقابات « يشكل انتهاكا لعمق الحوار الاجتماعي، ما يدفع إلى تأجيج الوضع الاجتماعي بالبلاد ».

ويذكر أنّه في إطار برنامج الحكومة للخروج من الأزمة الاقتصادية طلبت من اتحاد الشغل الموافقة على برنامج اقتصادي يشمل التخفيض بنسبة 10 بالمائة في أجور الوظيفة العمومية. ووفق الأمين العام لاتحاد الشغل فان البرنامج الاقتصادي، الذي قدمته الحكومة، يقضي كذلك بتجميد الأجور لخمس سنوات قادمة ورفع الدعم عن المواد الأساسية إلى غاية 2026 والتفويت في عدد من مؤسسات القطاع العام.

والسؤال المطروح والملحّ اليوم : هل أن المنشور عدد 20 هو حركة من قيس سعيد ومن يقف خلفه  لتحجيم دور الاتحاد وتحديد سقف أعماله وتقليص نفوذه وقصّ أجنحته والتخفيض مما يحدثه من شوشرة بجعله خاضعا صامتا عبر مراسيم الرئيس ومناشير الحكومة, أم لإسكاته لفترة مؤقتة ريثما يمرر الرئيس وحكومته ما يسمونه بالإصلاحات والإجراءات الموجعة الواردة في الميزانية ؟ ويمكن إدراك طبيعة العلاقة المستقبلية بين الحكومة وإتّحاد الشغل من خلال أول اختبار للطرفين في تنفيذ مقتضيات المنشور عدد 20 وهو إضراب  الطاقم الإداري والتقني بالتلفزة التونسية.

إضراب التلفزة الوطنية أوّل اختبار للاتّحاد

دخل الطاقم الإداري والتقني بالتلفزيون العمومي في إضراب مفتوح عن العمل اعتبارا من مساء الأربعاء 12 جانفي، على خلفية ما اعتبروه « سوء تصرّف » المكلفة الحالية بتسيير المؤسسة. وكان ممثلو النقابات بالتلفزيون التونسي طالبوا خلال ندوة صحفية عقدت بالعاصمة، رئاستي الجمهورية والحكومة بالتعجيل في تعيين « شخصية إصلاحية تترأس المؤسسة تكون قادرة على إنقاذها من الوضع الكارثي الذي وصلت إليه ». وأكدوا أنه لم يعد بالإمكان التعامل مع المكلفة بالتسيير بسبب رفضها الحوار مع النقابات أو حتى مع أبناء المؤسسة.

وقال نقيب الصحفيين مهدي الجلاصي لوكالة رويترز: « منذ 25 جولية صدر قرار سياسي بمنع جميع الأطراف من دخول التلفزيون.. وهو أمر خطير للغاية وغير مسبوق يهدد بشكل خطير حرية الصحافة، ويكرس النزعة الفردية في السلطة » وقال أن هناك قرارا سياسيا بمنع كل الأحزاب من دخول التلفزيون الحكومي والمشاركة في برامجه، واصفا ذلك بأنه يمثل انتكاسة كبرى لحرية الصحافة في البلاد.

ويوم الخميس 13 جانفي الجاري أكد كاتب عام نقابة الإداريين والتقنيين في مؤسسة التلفزة التونسية وليد منصر إلغاء الإضراب, وأضاف منصر في تصريح لإذاعة شمس أف أم أنه وإثر زيارة رسمية غير معلنة أدّاها وزير الشؤون الاجتماعية والمكلف بالإعلام لدى رئيسة الحكومة، تم التجاوب مع مطالب الإضراب، مشيرا إلى انطلاق الإصلاحات الكبرى صلب المؤسسة موفى الشهر الجاري، وأضاف انه وقع الاتفاق على نظام الأساسي وبعث هيكل تنظيمي ومراجعة طريقة العمل صلب المؤسسة.

وبذلك نرى أنّ الحكومة قد سارعت في لملمة موضوع إضراب التلفزة  واحتوت ارتدادات تصريح رئيس نقابة الصحفين التي بدأت تظهر في تفاعلات التونسيين على صفحات التواصل الاجتماعي بالتعبير عن الغضب والسخط من توجه الرئيس حكومته بجعل التلفزة الرسمية منبرا خاصا به كما كانت على عهد بن علي, وبذلك أرجأت الحكومة التفاوض في تفاصيل مطالب المضربين إلى شهر فيفري, وفي المقابل أبدى الطرف النقابي تجاوبا وليونة بتأخير النظر في مطالبهم مع إلغاء الإضراب، ممّا يدلّ على أنّ الرئيس والحكومة يحتاجان إلى وقت أطول لتمرير إصلاحات صندوق النقد الدولي ويحتاجان كذلك إلى ما يسمّونه « السلم الإجتماعي » وهذا ما يتكفّل به الإتّحاد وهذا هو الدور التاريخي له.

الاحتجاجات في تونس عود على بدء

إن الاحتجاجات في تونس لم تتوقف منذ الثورة، منها احتجاجات تلقائية شعبية وبعضها مفتعل من أطراف سياسية. أما العفوية الشعبية، فأسبابها تعود إلى أصل واحد، وهو أن النظام بعد الثورة بدل أن يحقق أهداف الثورة ومطالبها في التحرر والعدل والرعاية والأمن والنهضة والوحدة.. زاد في إذلال الناس وترهيبهم وإفساد حكامهم وربطهم بالاستعمار وتفقيرهم وتفريقهم.. لذلك بقي الشعب في العديد من المناسبات يعبر عن مواصلة سياق ثورته بهذه الاحتجاجات بهدف إسقاط النظام. أما التحركات المفتعلة فسببها الرئيسي خلق التوازنات بين فئات متصارعة على الحكم بهدف الإبقاء على النظام الرأسمالي الذي ترعاه الدول الاستعمارية والحيلولة دون إسقاطه وإقامة نظام تحرر حقيقي مع الأهداف الذاتية لكل فئة، من ظفر بجزء أوفر من السلطة أو محاربة فئة أخرى. فالوسط السياسي في تونس رغم ما يفرقه في الظاهر فالكل يرضى بتطبيق النظام الرأسمالي الذي ترعاه الدول الغربية الاستعمارية ويرضى بروابط التبعية للدول المهيمنة على سلطان العالم. بل جميعهم يعادون سلطان الإسلام البديل الوحيد للنظام الرأسمالي. والواضح من سياسة الغرب تجاه تونس أنهم يعملون على تركها تتخبط في هذا العجز إلى حدّ الإفلاس الاقتصادي لإحكام القبضة على هذا الشعب وعقابه على ثورته على النظام الاستعماري.

محمد زروق

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )