تونس والاتحاد الأوروبي: الشراكة المُختلة وتأثيرها على الاقتصاد التونسي

تونس والاتحاد الأوروبي: الشراكة المُختلة وتأثيرها على الاقتصاد التونسي

تنطلق في غضون 15 يوما، جولة مفاوضات جديدة بين تونس والاتحاد الاوروبي حول اتفاق التبادل الحر المعمق والشامل « اليكا »، وفق ما ذكرته المسؤولة عن التعاون ببعثة الاتحاد الاوروبي بتونس، صوفي فانيهفربك. وسيسبق جولة المفاوضات الجديدة، التي تبدأ يوم 23 افريل 2018، لقاء مع ما يسمى بالمجتمع المدني يوم 16 افريل الجاري. وسيكون تقريب الخدمات التونسية من المواصفات الاوروبية محور المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر والمعمق والشامل بين تونس والاتحاد الاوروبي، التي جرت جولتها الاولى من 18 الى 21 افريل 2016. وتتمتع تونس منذ نوفمبر 2012 بمرتبة الشريك المتقدم للاتحاد الاوروبي، في خطوة اعتبرها الاتحاد الأوروبي إشارة قوية على دعم الديمقراطية التونسية الناشئة، فيما اعتبرها العديد من الخبراء التونسيين خطوة إلى الوراء وطريقًا لمزيد من إرباك اقتصاد البلاد المتعثر لان المنافسة بين الشركات التونسية والأوروبية غير متكافئة حيث ستنتفع هذه الأخيرة من منح في المجال الفلاحي على سبيل المثال.

ويشمل الاتفاق الجديد تحرير قطاعي الزراعة والخدمات اللذين كانا خارج إطار التبادل الحر منتصف عقد التسعينات من القر الماضي، وهذا الوضع سيمكّن الشركات الأوروبية من منافسة المؤسسات التونسية في مجالات حيوية على غرار الإنتاج الفلاحي والقطاع الصحي ومنظومة البنوك وقطاع الطاقة. وفي حال دخول الاتفاق الجديد حيز التنفيذ، فإنه سيطبق في مناخ اقتصادي صعب؛ إذ إن نحو 55 في المائة من المؤسسات الصناعية الصغرى والمتوسطة تعاني من صعوبات اقتصادية، كما أن الاقتصاد المحلي فقد ما لا يقل عن 30 في المائة من موارده الذاتية؛ وهو ما جعله عرضة لسياسة التداين والاقتراض من الخارج.

وأشارت تقارير إلى إمكانية اضمحلال ما لا يقارب عن 40% من المؤسسات التونسية نتيجة هذه الاتفاقية نظرًا لعدم استعدادها لتحمل ضغط المنافسة للشركات الأوروبية لعدم التكافؤ في المستوى التكنولوجي والعلمي والحوافز المالية والإدارية لدى الطرفين.

وأشارت دراسة أنجزها المعهد التونسي للإحصاء (معهد حكومي) بالتعاون مع البنك الدولي، وصدرت نتائجها سنة 2013، إلى أن النسيج الصناعي التونسي فقد نحو 55 في المائة من مكوناته خلال الفترة المتراوحة بين 1996 و2010، وذلك نتيجة تنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الموقعة سنة 1995، وقدرت عدد فرص العمل المفقودة خلال الفترة نفسها بما بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل.

وتمثل قطاعات الجلود والأحذية والنسيج واللباس ومواد البناء وصناعة الخشب والموبيليا وصناعة البلاستيك، من أكثر القطاعات تضررًا في تونس نتيجة الاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي، جراء التوريد المكثف. وأدى تفكيك المعاليم الجمركية التدريجي على المنتوجات الصناعية الموردة من الاتحاد الأوروبي حسب العديد من التقارير، إلى فقدان ما لا يقل عن 24 مليار دينار (12 مليار دولار) للخزينة الوطنية في المدة المتراوحة بين سنة 1996 وسنة 2008 أي ما يعادل نصف المديونية للبلاد حاليًا.

إن سياسة الاتحاد الأوروبي إزاء تونس تتكامل في واقع الأمر مع ما يُسمى بالبرامج الإصلاحية ذات الصلة بالقروض المشروطة الممنوحة لتونس من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذلك المؤسسات المالية الدولية والأوروبية. وهو أحد الأسباب الرئيسية لإنهيار الأوضاع الاقتصادية لتونس وبلوغها هذه المعدلات غير المسبوقة من التدهور والخطورة ، حيث ساهم هذا الثالوث من تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية وأزمة المديونية التي أصبحت خارج دائرة السيطرة وأوصلت تونس إلى حالة من الإفلاس غير المعلن.

 ومع ذلك تواصل هذه الأطراف الضغط على تونس عبر الآليات والمؤسسات الخاضعة لها وخاصة ما يسمّى بالبرامج الإصلاحية والقروض المشروطة لصندوق النقد الدولي لحَملها على مزيد الإنفتاح أمام المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية والشركات المتعددة الأطراف وتمكينها من بسط هيمنتها على القطاعات الحيوية والاستراتيجية المتبقية خارج دائرة سيطرتها، بالإضافة إلى تدخلها الواضح في الشؤون الداخلية السيادية للبلاد كهيكلة بعض وزارات السيادة، وغير ذلك من الملفات الحساسة.

و صدق الله العظيم عندما قال:ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب و لا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم.

د. الأسعد العجيلي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )