جواب سؤال: ما وراء الأزمة بين السعودية وقطر

جواب سؤال: ما وراء الأزمة بين السعودية وقطر

بسم الله الرحمن الرحيم
==========
السؤال: قال ترامب في #مؤتمر_صحفي مع نظيره الروماني بالبيت بالأبيض في 9/6/2017: (إن الجميع اتفقوا على وقف دعم  الإرهاب، سواء المالي أو العسكري أو الأخلاقي، وأن دولة  قطر للأسف لديها تاريخ طويل في تمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جدًا وفي أعقاب القمة توحدت الدول، وتحدثنا بشأن مواجهة قطر، وعلينا أن نوقف تمويل الإرهابيين، وقررت مع وزير الخارجية وكذلك الجنرالات بالجيش الأمريكي لدعوة قطر لإنهاء تموليها الإرهاب…) (اليوم السابع 9/6/2017)، فهل يعني هذا أن الأزمة بين السعودية وبين قطر كان المحرك لها ترامب؟ وإن كان هذا صحيحاً فلماذا يقوم ترامب بذلك علماً بأن لأمريكا أكبر قاعدة في المنطقة موجودة في قطر؟ ثم إن وسائل الإعلام كانت تعزو السبب للخلاف السياسي بين السعودية وبين قطر من حيث موقف قطر من إيران، أو من الإخوان، أو من حماس… فكيف نفهم تصريح ترامب مع ما تثيره وسائل الإعلام؟ ثم إلى أين تتجه هذه الأزمة؟ وهل تؤدي إلى انسحاب « أو طرد » قطر من المجموعة الخليجية؟ ولكم الشكر.

 الجواب:

أولاً: نعم، إن الدافع للأزمة التي حدثت هي #أمريكا، وبعبارة أخرى الرئيس الأمريكي #ترامب، ولكنني قبل تفصيل ذلك أبدأ بما ورد في آخر السؤال، فقد ظن بعضهم أن سبب الأزمة الخليجية القطرية كما تردد عبر الإعلام أو كما تم ترويجه هو دعم قطر للإخوان المسلمين أو تحالفها الاستراتيجي مع #إيران… في حين ذهب آخرون إلى أن السبب الحقيقي للأزمة يرجع إلى خلافات قديمة بين آل حمد وآل زايد بدأت في السبعينات إبان تأسيس دولة الإمارات، وهي التي جعلت السعودية تسير بجانب حليفتها الإمارات لمهاجمة قطر… كما أن هناك كتَّابا يقولون إن أزمة مقاطعة قطر مرتبطة بـ »إسرائيل ». فمثلاً قال جيك نوفاك في « سي أن بي سي »: (ظاهريا، يبدو من الواضح جدا القول إن التصدع بين السعودية وقطر هو بسبب إيران، حيث أصبح السعوديون مهووسين بالحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، ولو نظرنا بشكل أعمق قليلا فإنه يظهر أن استهداف القطريين في لحظة محددة له علاقة بدولة أخرى، وهي: « إسرائيل ».) (عربي21، 7/6/2017).

ولكن إعمال الفكر وإنعام النظر في كل ما حدث يستبعد هذه الأمور، فهي ليست جديدة بل تمارسها قطر منذ زمن، ولم تجدَّ هذه الأيام، فتقارب قطر مع إيران معروف، وعلاقتها مع حماس مشهورة كذلك، وتأثير العلاقات بين قطر وبين دولة يهود المغتصبة لفلسطين ثم بين هذه وبين السعودية والإمارات كذلك هو أمر غير خاف، وحتى العلاقات العشائرية لا تصل إلى مثل ما حدث… فكل هذه الأمور كانت قبل الأزمة وهي ما زالت بعد الأزمة، وإذن فليست هي الأسباب الحقيقية.

ثانياً: أما السبب الحقيقي فكما ذكرت في البداية فهو أمريكا أو ترامب، ولإدراك ذلك نستعرض الأمور التالية:

1- منذ مطلع هذا القرن فقد غدت الدولة الصغيرة قطر مطبخاً رئيسياً للسياسات الإنجليزية في المنطقة، وبذلك فقد أصبحت  قناة_الجزيرة الفضائية منبراً إعلامياً كبيراً للتشويش على السياسة الأمريكية وقدح عملاء أمريكا في المنطقة… وقد أضيف لها عامل آخر وهو  المال_السياسي، ذلك المال الذي أصبح مغناطيساً سياسياً كبيراً لجذب القوى السياسية… وقد حققت قطر باستخدام هاتين الأداتين نجاحاً كبيراً خاصة على صعيد الحركات الإسلامية التي توصف بـ »المعتدلة » في  فلسطين ومصر وليبيا وتونس وغيرها، وأصبحت الدوحة في قطر ملاذاً لقيادات هذه الحركات ومركزاً للتخطيط والتشويش على السياسة الأمريكية وعملاء أمريكا… وعلى عادة الإنجليز بالتظاهر بأنها مع أمريكا وهي تشوش عليها، فقد أجادت قطر هذه اللعبة الإنجليزية فاستضافت مبكراً منذ سنة 1991 قاعدة العديد الأمريكية التي تعتبر مقراً للقيادة المركزية الأمريكية، بالإضافة لكونها قاعدة جوية استراتيجية، تنطلق منها الطائرات الأمريكية لتعيث بين المسلمين قتلاً وتدميراً في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن. وكان ذلك في الوقت الذي كانت فيه  بريطانيا تبني فيه مطبخها السياسي في قطر إلى أن اكتمل وظهر مطلع القرن الحالي. ثم تطور الدور القطري الخادم لبريطانيا بشكل سلس وفق الخطة المرسومة… لقد كانت أمريكا تتضايق من هذا الدور القطري حتى بلغ بها الضيق أن بحث جورج بوش الابن قصف قناة الجزيرة وفق خبر نشرته DW في 22/11/2005: (ذكرت صحيفة « ديلي ميرور » البريطانية اليوم الثلاثاء نقلا عن مذكرة « سرية للغاية » لرئاسة الحكومة البريطانية أن الرئيس الأمريكي جورج بوش فكر في 2004 في قصف مقر قناة « الجزيرة » الفضائية في قطر…) (DW 22/11/2005)… وظل ذلك هو الموقف في الخليج إلى أن استلم الملك سلمان الحكم في السعودية، فأصبحت السعودية مع أمريكا، وعندها فقد ارتأت إدارة أوباما أن توكل لعميلها سلمان دوراً مهماً في المنطقة يكون من ناحية مقابلاً للدور القطري وظاهراً عليه، ومن ناحية أخرى متماشياً مع خطط أمريكا الجديدة… ومن ثم قوي دور عملاء أمريكا وأخذ الخلاف بين السعودية وقطر منحى يهدد الدور القطري برمته… وبعد أن تسلم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مهام منصبه مطلع هذا العام فقد أصبحت السياسة الأمريكية أكثر حدة وفظاظة في التعامل مع الكثير من القضايا الدولية، ومن ضمنها قطر.

2- خلال زيارة ترامب للرياض في 20-21/5/2017 وجمعه خمسين حاكماً حوله وبجانبه سلمان والتلميحات نحو دعم قطر للإرهاب أدركت قطر بتغذية بريطانية أن أمريكا قد بدأت خطوات جادة لإعلاء الدور السعودي وإخفات الدور القطري ومن ثم الإنجليزي في منطقة  الخليج، وكرد على ذلك كانت تلك التصريحات القطرية بعد يومين من رجوع أمير قطر من الرياض، فقد نقلت وكالة الأنباء القطرية تصريحات أمير قطر تميم آل ثاني يوم 23/5/2017: « إن ما تتعرض له قطر من حملة ظالمة تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة وتستهدف ربطها بالإرهاب… إننا نستنكر اتهامنا بدعم الإرهاب… لا يحق لأحد أن يتهمنا بالإرهاب لأنه صنف  الإخوان_المسلمين جماعة إرهابية… وطالب مصر والإمارات والبحرين مراجعة موقفهم المناهض لقطر… العلاقة قوية مع أمريكا ومتينة رغم التوجهات غير الإيجابية للإدارة الأمريكية الحالية مع ثقتنا أن الوضع القائم لن يستمر بسبب التحقيقات العدلية تجاه مخالفات وتجاوزات الرئيس الأمريكي، وإن قاعدة العديد مع أنها تمثل حصانة لقطر من أطماع الدول المجاورة إلا أنها الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكري في المنطقة، وأن قطر لا تعرف الإرهاب والتطرف، وأنها تود المساهمة في تحقيق السلام العادل بين حماس الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني و(إسرائيل) بحكم التواصل المستمر مع الطرفين… وإن قطر نجحت في بناء علاقات قوية مع أمريكا وإيران في وقت واحد نظرا لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله وليس من الحكمة التصعيد معها… ».

فهذه التصريحات تشير إلى أن قطر تتهم ترامب بأنه من وراء الحملة على قطر واتهامها بأنها راعية للإرهاب أو داعمة له، فقد جاءت مباشرة بعد قمة ترامب مع ممثلي الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي والتي حرص ترامب على إظهار نجاحه في قيادة هذه الأنظمة نحو الأهداف الأمريكية وجعلها في بيت الطاعة الأمريكية. وقد ذكر ترامب أن بعض الدول في هذه القمة أشارت إلى قطر بأنها راعية للإرهاب. وهكذا تكون تصريحات قطر هذه بمثابة رد على ترامب كما هي تغمز به وتتمنى سقوطه بسبب التحقيقات العدلية ضده.

3- لقد كان لجمع السعودية لـ55 ملكاً ورئيساً وقيادياً من رويبضات الخليج والعالم العربي والإسلامي يمثل الاستعداد السعودي للسير وفق الخطة الأمريكية لإظهار قيادة السعودية في المنطقة وكان ذلك بإشارات لا تخطئها العين من واشنطن، التي تريد أن تضع خزائن دول النفط تحت تصرفها بحجة الخطر الإيراني من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تطفئ وهج النفوذ البريطاني بين دول الخليج بإبراز القيادة السعودية وحمل باقي دول الخليج على السير خلف السعودية، أي خلف  السياسة_الأمريكية. وبهذا فإن السعودية لم تكن لتطيق من يخالف قيادتها في المنطقة، وكانت عيونها متفتحة على قطر، وتنتظر حدثاً لوضع قطر تحت النار، لذلك كانت ردة فعلها شديدة على التصريحات القطرية المناوئة للسعودية ولأمريكا التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية 23/5/2017، ورغم اعتذار قطر وبيانها أن موقع الوكالة القطرية قد تعرض للقرصنة، إلا أن  السعودية لم تقبل الرواية القطرية بخصوص قرصنة الموقع، بل رأت فيها تأكيداً لرفض قطر للسياسة السعودية والدور الذي رسمته أمريكا لسلمان، ومن ثم كانت تلك الأزمة، فجمعت السعودية كيدها وأعلنت قطع العلاقات مع قطر، أي أظهرت حزماً ضد قطر بوصفها خارجة على القيادة السعودية لدول الخليج، وانعكاساً لجدية مواقف إدارة ترامب فقد جاءت الخطوات السعودية المناهضة لقطر حادة للغاية وقد فاقت مستوى 5/3/2014 بسحب السفراء من قطر، فظهرت بما يشبه فرض الحصار على قطر. ومن باب الزيادة في التأثير، وعلى الطريقة الأمريكية فقد كانت الخطوات السعودية تتصف بالصدمة، فأمهلت الدبلوماسيين القطريين 48 ساعة فقط لمغادرة أراضيها، وتناغماً مع الطريقة الأمريكية في الصدمة وبشكل موازٍ للخطوات السعودية ومتزامن معها فقد أعادت مصر الطائرات المدنية القطرية ولم تسمح لها بدخول أراضيها وبدون إنذار مسبق، وهكذا فعلت دول أخرى متضامنة مع السعودية ضد قطر.

ويظهر أن قطر تفاجأت بهذه القرارات المتعلقة بمقاطعتها وقد صدمت بها فلم تتوقعها، فقال وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة له مع # بي بي سي يوم 6/6/2017 « إن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد بلاده كانت صادمة، وإن ما حدث هو عقاب جماعي من قبل ثلاث دول في هذه المنطقة، حاولت أن تفرض الحصار على قطر وعلى شعبها… »، وقطر لا يمكن أن تُظهر جرأة في أن تتحدى أمريكا أو عملاء أمريكا كالسعودية إلا أن تكون هناك دولة كبرى تدعمها وتقف وراءها وتحضها على فعل ذلك، وهي طبعاً بريطانيا التي تُسيِّر قطر وسياستها بالخفاء، بل دون خفاء! ومقصد بريطانيا هو التشويش على أمريكا وإفشال خططها في إحكام السيطرة على المنطقة وخاصة منطقة الخليج، فأوعزت إلى عملائها في قطر ليفعلوا ذلك، وهي أي بريطانيا لم تتوقع أن تكون ردة الفعل هكذا صادمة، بل كأنها كانت تتوقعها مثل موضوع  سحب_السفراءفي 20144 وتنتهي دون تأثيرات كبيرة، وبخاصة وأن قطر تتحصن بوجود قاعدة أمريكية كبيرة عندها، ولذلك ورد في تصريحات أمير قطر التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية يوم 23/5/2017 والتي حذفتها فيما بعد وادّعت أنه قد تم اختراق موقعها، ورد فيها قوله: « إن قاعدة العديد مع أنها تمثل حصانة لقطر من أطماع الدول المجاورة إلا أنها الفرصة الوحيدة لأمريكا لامتلاك النفوذ العسكري في المنطقة ». أي أن قطر تركن إلى ذلك وهي تشاكس وتشوش على أمريكا وعملائها في المنطقة وعبر قناتها الإعلامية قناة الجزيرة، فهي تركن إلى أنها قد منحت أمريكا أكبر قاعدة لها في المنطقة، وبهذا تسكت أمريكا عنها! ولذلك فوجئت بهذه الإجراءات العنيفة.

4- وهكذا فإن السبب الحقيقي للأزمة هو الدور الجديد الذي رسمه ترامب لسلمان بأن يكون هو سلطان منطقة الخليج فينفذ السياسة الأمريكية ولا يسمح لأي من عملاء الإنجليز بالمشاغبة أو التشويش، ولأن قطر هي التي رسمت لها بريطانيا الدور الإنجليزي بالمشاغبة والتشويش على المخططات الأمريكية في المنطقة وتنفيذ المخططات الإنجليزية… لهذا كان التصعيد الساخن غير المسبوق ضد قطر، فأمريكا هي الدافع وراء سلمان في هذه الأزمة وهم لم يخفوا ذلك، بل تدرجوا في كشف أنفسهم خلف ما جرى ويجري:

– نقلت العربية نت 6/6/2017 عن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية قوله لوكالة رويترز للأنباء (إن الكثير من تصرفات قطر مثيرة لقلق جيرانها بالخليج والولايات المتحدة. ونقلت الوكالة عن المسؤول الأمريكي اليوم الاثنين قوله إن الولايات المتحدة لا تريد رؤية « شقاق دائم » بين دول الخليج وذلك بعد أن قطعت بعض من الدول الخليجية والعربية العلاقات مع قطر بسبب اتهامها بدعم إسلاميين وإيران. ومع ذلك قال المسؤول إن « هناك تسليما بأن كثيرا من تصرفات قطر مقلقة تماما ليس لجيرانها في الخليج فحسب وإنما للولايات المتحدة أيضا ». مضيفا « نريد إعادتهم إلى الاتجاه الصحيح ».).

– نقلت بي بي سي 6/6/2017 (لمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تأثير زيارته الأخيرة إلى الخليج على قرار قطع العلاقات مع قطر، وقال ترامب إنه تلقى معلومات خلال هذه الزيارة تفيد بأن الدوحة تمول حركات ذات « أيديولوجية متشددة ». وذكر في تغريدات في حسابه الرسمي على تويتر « خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلت إنه لا يمكن استمرار تمويل الأيديولوجية المتشددة. أشار الزعماء إلى قطر – انظروا » ثم كتب « جيد أن أرى زيارتي الأخيرة إلى السعودية ولقائي مع الملك و50 مسؤولا تؤتي ثمارها. قالوا إنهم سيتخذون موقفا حاسما من تمويل التطرف. كل الإشارات كانت تتجه صوب قطر. ربما يكون هذا بداية النهاية للرعب الذي يبثه الإرهاب »).

– ثم كانت تصريحات ترامب 9/6/2017 تكشف وتؤكد أن أمريكا وراء ذلك التصعيد السعودي:
(قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اليوم الجمعة، إن على قطر أن تتوقف فورا عن تمويل الإرهاب، معربا عن أمله في أن تكون القمم التي عقدها بالعاصمة السعودية الرياض، بداية لنهاية الإرهاب. وأضاف ترامب، في مؤتمر صحفي مع نظيره الروماني بالبيت بالأبيض، أن قطر كانت تاريخيا دولة ممولة للإرهاب.) (سكاي نيوز عربية 9/6/2017).

(قال دونالد ترامب، الرئيس الأمريكى، إن الجميع اتفقوا على وقف دعم الإرهاب، سواء المالي أو العسكري أو الأخلاقي، وأن دولة قطر للأسف لديها تاريخ طويل في تمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جدًا وفي أعقاب القمة توحدت الدول، وتحدثنا بشأن مواجهة قطر، وعلينا أن نوقف تمويل الإرهابيين، وقررت مع وزير الخارجية وكذلك الجنرالات بالجيش الأمريكي لدعوة قطر لإنهاء تمويلها الإرهاب…) (اليوم السابع 9/6/2017).

5- أما إلى أين يتجه التصعيد في « الأزمة القطرية »، فإن قطر قد وقعت تحت صدمة هذه المواقف القوية من عملاء أمريكا السعودية ومصر والتي سايرهم فيها بعض عملاء الإنجليز كالإمارات والبحرين وغيرهم من باب توزيع الأدوار على طريقة الإنجليز كما جاء في جواب السؤال الذي أصدرناه في 9/4/2017 حيث قلنا: (… وبهذا يتضح بأن بريطانيا تقسم أدوار عملائها على نحو قد يبدو عليه التناقض، ولكنه في المحصلة يحقق أغراض الإنجليز، فهي لا تضع كل عملائها في جهةٍ واحدة خاصة في البلدان التي تتعدد فيه أوراقها…). إن قطر كما قلنا لم تكن تتوقع أن يكون التصعيد بهذه القوة وبهذه الشدة… فقد كانت الخطوات السعودية تتصف بالصدمة، فأمهلت الدبلوماسيين القطريين فقط 48 ساعة لمغادرة أراضيها، وتناغماً مع الطريقة الأمريكية في الصدمة وبشكل موازٍ للخطوات السعودية ومتزامن معها فقد أعادت مصر الطائرات المدنية القطرية ولم تسمح لها بدخول أراضيها وبدون إنذار مسبق، وهكذا فعلت دول أخرى متضامنة مع السعودية ضد قطر.

6- وأما هل يقود هذا إلى انسحاب قطر من مجموعة الخليج، فإنه يكون إذا كان في باب « آخر الدواء الكي » ولكن المرجح أن إمكانية الدواء ما زالت موجودة… فإن القوى الدولية ذات العلاقة أي أمريكا وبريطانيا كلاهما يهمه أن تبقى قطر ضمن مجموعة الخليج مع اختلاف الهدف الذي تريده كل منهما. أما أمريكا فتريد قطر كما ذكرنا آنفاً تحت العباءة السعودية، أي تنفذ مصالح أمريكا دون تشويش أو مشاغبة لاعتبارات مختلفة، فأمريكا تريد أن تبقى قاعدتها مستقرة تؤدي أعمالها دون أي مضايقات، وهي تدرك أن بريطانيا وراء قطر، وتستطيع بأساليبها الخبيثة المختلفة أن تسبب للقاعدة مشاكل إذا خرجت قطر من المجموعة الخليجية، وهكذا فإن أمريكا تريد من قطر أن تنفذ مخططاتها، وأن تكون ضمن النهج السعودي، وفي الوقت نفسه أن تبقى في المجموعة الخليجية…

وأما بريطانيا فهي كذلك تريد أن تبقى قطر في المجموعة الخليجية لأنها وهي داخل هذه المجموعة تستطيع العمل من وراء ستار لتنفيذ مخططات بريطانيا وفق النهج الإنجليزي الذي له وجهان فيُظهر الود من الأمام، ومن الخلف يطعن في الظهر… وعليه فالمرجح كما ذكرنا آنفاً هو دوران الحل حول عدم القطيعة النهائية بين قطر وبين المجموعة الخليجية إلا أن يكون ذلك في باب « آخر الدواء الكي »، ويستبعد على الأقل في المدى المنظور أن تتجاوز الأزمة آخر الدواء للأسباب التالية:

أ- إن خطاب ترامب في 9/6/2017 المذكور أعلاه لم يترك مجالاً لقطر لحل وسط لأنه خاطبها (… وأن دولة قطر للأسف لديها تاريخ طويل في تمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جدًا وفي أعقاب  القمة توحدت الدول، وتحدثنا بشأن مواجهة قطر، وعلينا أن نوقف تمويل الإرهابيين، وقررت مع وزير الخارجية وكذلك الجنرالات بالجيش الأمريكي لدعوة قطر لإنهاء تموليها الإرهاب…) (اليوم السابع 9/6/2017)، ومعروف أن قطر لا ترسم سياستها بل بريطانيا هي التي ترسمها لها، وبريطانيا كما هي سياستها الحالية لا تجابه أمريكا علناً وبخاصة في هذه المرحلة التي هي مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث تحاول التقارب معها ولو ظاهرياً…

ب- إن عقلية ترامب هي عقلية تاجر فالناحية المالية لها تأثير فيه، فإذا دفعت قطر بما يغريه فقد يأمر ترامب سلمان أن يقبل بحل وسط! قال الباحث الأمريكي جوناثان كريستول الزميل في معهد السياسات العالمية « World Policy Institute » (إن المال مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض هو المحور الأساسي المؤثر في أزمة قطع السعودية والإمارات والبحرين علاقتها بقطر. وأوضح كريستول بمقال له أن الطريقة الوحيدة لتتمكن قطر من التغلب على الضغط الدبلوماسي والاقتصادي السعودي يكون عبر التدخل الأمريكي مع حلفائها السعوديين بواسطة المال وفقا لـ »CNN »…) (عربي21، 6/6/2017).

أي أن الراجح هو أن يوجد حل بمال قطر أو بخضوع قطر! ونقول الراجح لأن قطر لا تدير سياستها بنفسها بل بريطانيا هي التي تديرها وإذا رأت بريطانيا أن مصلحتها في أي لحظة تقتضي خروج قطر من المجموعة فإنها تخرج وإن اقتضت بقاءها فتبقى!!

7- وفي الختام فإنه لا يُنتظر الخير من عملاء أمريكا في السعودية و #مصر ومن سار معهما في موضوع المقاطعة، فهم يُسلمون البلاد والعباد لأعداء الإسلام والمسلمين مقابل أن يحتفظوا بكرسي معوجةٍ قوائمه آيلة للانكسار اليوم أو غداً… وكذلك لا يُنتظر الخير من قطر اللاهثة وراء بريطانيا لتبقيها « تحكي انتفاخاً صولة الأسد » فتكلفها بمشاريع الضرار والضرر للمسلمين: فتمنح أمريكا أكبر قاعدة لتنطلق منها طائرات القتل والدمار لتقتل أبناء المسلمين في  سوريا والعراق وتدمر بيوتهم… ثم تقوم بتسويق الصلح مع كيان يهود حيث طوَّعت  حماس لتقترب من فتح في التنازل… كما أثرت بمالها المسموم في بعض التنظيمات في سوريا لأن تدخل في  المفاوضات مع النظام الإجرامي هناك… وهي التي تقوم بخداع من لديهم توجهات إسلامية وتغريهم بالمال وبالإقامة حتى تروضهم وتجعلهم يتنازلون ويغيرون توجهاتهم وأفكارهم… كل ذلك في دور خبيث رسمته لها بريطانيا…

ولهذا فمن السذاجة التي تقترب من الخيانة أن يتعاطف أحد مع هذا النظام أو مع ذاك بحجة السيئ والأقل سوءاً، فإن قضايا الأمة لا توضع في ميزان السيئ والأقل سوءاً بل في ميزان الحق والباطل… فعلى أبناء الأمة أن يرفضوا تلك الأنظمة الخائنة لله سبحانه ولرسوله ﷺ والمؤمنين، ويعملوا مع العاملين المخلصين لإسقاطها وإقامة دولتهم التي بشر بها رسولهم الكريم ﷺ، دولة الخلافة الراشدة التي ترعى شئونهم بأمن وأمان في سربهم وحلهم وترحالهم، فيعز بها الإسلام والمسلمون، ويذل بها الكفار المستعمرون، ومن ثم يصيب ترامب وأزلامه وعملاءه قارعة تحل بهم وبدارهم

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

16 رمضان المبارك 1438هـ
11/6/2017م

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )