دروس من الإسراء والمعراج

دروس من الإسراء والمعراج

تمر على الأمّة الإسلامية في الأيام القادمة ذكرى الإسراء والمعراج وحقيقة هذه المناسبة أنها جاءت مقدمةً لنُصرة الرسول صلى الله عليه وسلم مِنَ اللهِ تعالى في وقتٍ لاقى فيه شدةً وصداً عن سبيل الله من أهل الأرض من البشر، حيث كانت فيها البشارة من رب الأرض والسماوات ورب البشر جميعاً بالتمكين في الأرض، بإقامة سلطان الإسلام وكانت فيها البشارة كذلك بفتح بيت المقدس بعد البيت الحرام في مكة المكرمة..

وهذا ما كان، حيث هيأ الله تعالى القادر المقتدر، الناصر المؤيد، أهل النصرة ومكان النصرة، فأقيمت دولة الإسلام، وكانت فيها العزة والمنعة والقوة، ثم فُتح البيت الحرام في السنة الثامنة للهجرة، ثم تبعه فتح بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك بعد سبع سنوات من فتح البيت الحرام في مكة المكرمة في ظل الخلافة الراشدة في عهد الفاروق عمر رضي الله عنه !! فالمسجد الأقصى فتحه خليفة وحرّره خليفة ولن يعيده إلى المسلمين من جديد إلا خليفة، هذه حقيقة الإسراء والمعراج، حيث كانت فتحاً إلهياً عظيماً ونصرةً وتأييداً..

وقد اشتملت هذه الرحلة النبوية على معان كثيرة، فمن ذلك أن: الإسلام دين الفطرة، وقد ظهر ذلك في اختيار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللبن على الخمر، وبشارة جبريل ـ عليه السلام ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : هُدِيت إلى الفطرة، ففي ذلك دلالة على أن الإسلام هو الدين الذي يلبي حاجات الإنسان ومصالحه وهذا من أهم أسرار سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه، رغم ما يوضع أمامه من عوائق وعقبات.

وفي الإسراء والمعراج ظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر بالحق، يظهر ذلك في مواجهته صلى الله عليه وسلم للمشركين بِأَمْرٍ تُنْكِرُهُ عُقُولُهم، فلم يمنعه من الجهر به، الخوف من مواجهتهم واستهزائهم، فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في وقوف الحق أمام الباطل وأهله، وإن كان هذا الحق غريبا عليهم – وفي رحلة الإسراء و المعراج تشريف لنبينا صلى الله عليه وسلم فبداية الرحلة كانت حين أتى جبريل  إلى مكّة المكرّمة، وطلب من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يطوف بالبيت سبعة أشواط، ويمتطيَ البراق  يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : « فركبتُ وركب معي جبريل ». وفي سرعة البرق تحطّ الرّحلة المباركة عند المسجد الأقصى، ويربط الرّسول الأكرم البراقَ في حَلْقة عند الباب، ثمّ يدخل  تحت وطأة اللّيل الحالك. وكان المسجد حينها تحت سلطة الرّومان، فلا أذان ولا صلاة، ولا روّاد مسجد.ولكن تحدث المفاجأة: اجتماع كلّ الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم السّلام، بأمر من الله تعالى، وذلك لاستقبال أشرف خلق الله، في أعظم اجتماع يشهده تاريخ البشريّة، يرمز لوحدة الإنسانيّة، فالله ربّ العباد جميعا. دخل النبيّ الأكرم إلى المسجد الأقصى، فإذا بهم يصطفّون جميعا، كما نصطفّ نحن للصّلاة. ولن يصلّيَ بهم جبريل أمين الوحي؟ ولا إبراهيم أبو الأنبياء؟ ولا موسى كليم الله؟ فقد بادر جبريل وقال: » تقدّم يا محمّد ». إنّه تكليفُ  تشريفٍ لنبيّنا ولأمّته من بعده.

وتسجل رحلة الإسراء والمعراج: موقف أبي بكرـ رضي الله عنهـ من هذا الحدث العظيم، وتلقيبه بالصديق، فللإيمان مواقف يظهر فيها، والمؤمنون الصادقون يظهر إيمانهم في المواقف الصعبة، فلقد لقب أبو بكر رضي الله عنه بالصديق لموقفه من هذه المعجزة، حينما قال له المشركون: هل لك إلى صاحبك، يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس، قال أبو بكر رضي الله عنه: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لئن كان قال فقد صدق، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر » بالصديق »رضي الله عنه، فعلى المسلم أن يكون حاله مع كلام وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم كحال أبي بكر رضي الله عنه  إيمان ويقين، وتصديق وتسليم، وإن خالف عقله وهواه، قال تعالى:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } (الأحزاب:36)

ومن خلال هذه الرحلة العظيمة تأكدت أهمية الصلاة، فللصلاة منزلتها الكبيرة في الإسلام، ومما زادها أهمية وفضلا، أنها فرضت في ليلة الإسراء والمعراج، وفي هذا اعتناء بها، وزيادة في تشريفها، ومن ثم كانت من آخر ما أوصى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قبل موته.

وفي الإسراء والمعراج ظهرت أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ إنه مَسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العُلى، وكان القبلة الأولى التي صلى المسلمون إليها في الفترة المكية، وتشد الرحال إليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) (البخاري)، وفي ذلك توجيه للمسلمين بأن يعرفوا منزلَتَهُ، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه، بتحريره من أهل الكفر والشرك.. نسأل الله تعالى أن يطهره من اليهود، وأن ترفرف راية الإسلام مرة ثانية على القدس، وغيرها من بلاد المسلمين وهاهم الصهاينة المعتدين يحتلون المسجد الأقصى ويقصفون غزّة من جديد ويقتلون أبطال الأمّة ورجالها أمثال عمر أبو ليلى نسأل الله أن يتقبله عنده من الشهداء، وهاهو الغرب الحاقد على الإسلام بقيادة أمريكا ومعتوهها يسلّمون الجولان إلى كيان يهود بعد أن اعترفوا بالقدس عاصمة لكيانهم المسخ.

أمّا حكّمنا فسيعقدون قمّة عربية في بلادنا… قمّة ستزلزل الأرض من تحت أقدام الصهاينة، سترعبهم فهم لا ينامون الليل منذ أن تلقوا خبر انعقادها… سيعلنون النفير العام من أجل تحرير المسجد الأقصى، سيصيح مناديهم فيكم حي على الجهاد والله أكبر.. وسيعلنون اجتماعهم على رجل واحد يحكمنا وإيّاهم بالكتاب والسنة بعد أن يبايعوه بيعة انعقاد ويطالبونكم ببيعة الطاعة، طاعة لنبيكم حين أمركم فقال: « فوا بيعة الأوّل فالأوّل » وسيعلنون بلاد المسلمين بلادا واحدة موحدة أمانها بأمان الإسلام، دستورها القرآن وسيعلنون حربهم على الإرهاب الغربي وطرد المستعمر من أراضينا، وسيعيدون فيكم سيرة الأمجاد عمر وخالد وصلاح الدين الأيوبي، سيحررون المسجد الأقصى ويخطب فيهم وفينا خليفة المسلمين قائلا: » الحمد لله الذي أعاد هذه الضالة للأمة الضالة » وسيستغفرون الله على ما أجرموا في حقوق البلاد والعباد.

يا ليتهم يخرجون بهذه القرارات التي نعلم جميعا أنها أكبر من حجمهم، فهذه القرارات هي التي ترضي أرض الإسلام، أرض الزيتونة و إمّا، فرسالتها لهم إن لم يعلنوا هذه القرارات، رسالة واضحة: »فلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُون »، فالأمّة عامة وفلسطين والمسجد الأقصى خاصة تنتظر قائدا مثل صلاح الدين يحررها من براثن يهود، صلاح الدين الذي يصفه بعض من خالطه فيقول: »كان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله إلا الجبال ». وقال أيضاً: « وهو كالوالدة الثكلى، ويجول بفرسه ويحث الناس على الجهاد، وينادي « يا للإسلام » وعيناه تذرفان بالدموع، وكلما نظر إلى عكَّا وما حل بها من البلاء، اشتد في الزحف والقتال، ولم يطعم طعاماً البتة، وإنما شرب أقداح دواء كان يشير بها الطبيب، ولقد أخبرني بعض أطبائه أنه بقي من يوم الجمعة إلى يوم الأحد لم يتناول من الغذاء إلا شيئاً يسيراً لفرط اهتمامه ».
وكان من كلامه- رحمه الله -: « كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟!. وأكرم الله بيت المقدس بصلاح الدين كما أكرم صلاح الدين ببيت المقدس ففتحه في 27 رجب عام 583هـ، وقام القاضي محيي الدين بن زكي الدين ليخطب أول جمعة بعد قرابة مائة عام، وكان مما قال مخاطباً صلاح الدين وجيشه:  » فطوبى لكم من جيش، ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية، والوقعات البدرية، والعزمات الصِدِّيقِيَّة، والفتوحات العُمَرِية، والجيوش العُثمانية، والفتكات العَلَوِية. جددتم للإسلام أيام القادسية، والوقعات اليرموكية، والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجزاكم الله عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أفضل الجزاء ».

رحم الله صلاح الدين ورزقنا قائدا مثله يحرر البلاد والعباد إنّه ولي ذلك والقادر عليه.

فريد سعد

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )