ذكرى المولد النبوي واستعادة الدور العالمي

ذكرى المولد النبوي واستعادة الدور العالمي

نكتب اليوم لنشارك أمّة الإسلام إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف ذكرى عظيمة. لا مشاركة من وقفوا عند الجزئيات البسيطة وأضاعوا الكليات الخطيرة، ولا من جعلوا من هذه المناسبة فرصة للنيل من رموزنا الإسلامية وإظهار حقدهم على حضارتنا العظيمة فاحتفلوا على طريقة الغرب في الملاهي بالرقص والتعري. 

وإحياء المناسبات العظيمة لا معنى لها إن لم تكن رفعا للهمم واستعادة لأسباب القوّة، وإحياء ذكرى ميلاد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ينبغي أن ترسّخ في المسلمين حبهم العميق المستنير لنبيهم عليه الصلاة والسلام فيتبعونه في كل نواحي حياتهم خاصة عظائم الأمور لا الحب العاطفي السطحي الذي يجعلهم يزهدون في شريعته ودولته ووحدة أمته وحمل دعوته بالجهاد في سبيل الله للإنسانية كاف.

ولأجل ذلك فإن الحديث عن ميلاد النّبيّ هو حديث عن سيرته عن الغاية من بعثته، إنقاذ البشريّة من الكفر وجعل كلمة الله هي العليا. 

وفي هذا المقام نحدثكم حول محطات خطيرة رسمت عظمة النبوة وعظمة المسار الذي خطته حين عضّ المسلمون بالنواجذ على سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وسيرة صحابته الكرام من بعده ليتبيّن الدور العالمي الذي أبرزه محمد صلّى الله عليه وسلّم لهذه الدعوة وهذه الأمة.

  1.  وعود النبي صلّى الله عليه وسلّم والبعد العالمي لهذا الدين:

لقد وعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه وعوداً كثيرة، فمِنْ ذلك فتح اليمن والشام التي يُسيطِرُ عليها الروم، وفتح العراقِ التي يسيطِرُ عليها الفرس، وهلاك كسرى وقيصر، وإنفاق كنوزهما في سبيل الله، وفتح مصر. ووعد بقتال خوز وكرمان، والترك، وفتح الهند والقسطنطينية.

فتح الشام والعراق واليمن

عن البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضتْ لنا في بعض الخندق صخرةٌ لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول فقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصرُ قصورها الحمر الساعة. ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصرَ المدائن أبيض. ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أُعطيتُ مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة. رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن.

وعيَّنَ من الشام بيتَ المقدس فقد أخرج البخاري عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك – وهو في قبة من أدم – فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعددْ ستاً بين يدي الساعة: موتي ثم فتح بيت المقدس….

ووعد بزوال ملك كسرى وقيصر

فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيلا لله

الوعد بفتح مصر

أخرج البيهقي وأبو نعيم عن كعب بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا افتتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإنّ لهم ذمّة ورحماً ». 

الوعد بقتال خوز وكرمان وقوم نعالهم الشعر والترك

أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم. حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين

قال ابن حجر: « أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم، وقيل: الخوز صنف من الأعاجم، وأما كرمان فبلدة مشهورة من بلاد العجم أيضاً، بين خراسان وبحر الهند وهي بلاد الصين وروسيا واليابان

الوعد بغزو الهند

عن أبي هريرة قال: « وعدنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند، فإنْ أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء، وإنْ رجعت فأنا أبو هريرة المحرر ». رواه النسائي وأحمد

الوعد بفتح القسطنطينية

روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش. »

بلوغ ملك أمة الإسلام مشارق الارض ومغاربها

في صحيح مسلم أن النبي ص قال: إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها

كلّها وعود تتعلّق بفتح المسلمين لبلاد العالم المختلفة، ووعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو وحي من عند الله، وفيه أمر للأمّة الإسلاميّة أن تحمل الإسلام إلى العالم، وأنّ الأمّة الإسلاميّة هي المسؤولة عن العالم وعن السّلام فيه وعن الشّعوب المستضعفة لتنقذها.      

  1.  بيعة الرضوان أو بيعة الشجرة 

والتي شهدها الصحابي الجليل أبو زمعة البلوي شاهد على الأفق العالمي لحامل الدعوة واختياره الموت على الإدبار عن وظيفته الدعوية. الصحابي الجليل أبو زمعة البلوى صاحب رسول الله عليه الصَّلاة والسّلام كان معه في الحديبية وبايعه بها بيعة الرّضوان، وشهد فتح مصر مع عمرو بن العاص ودخل إِفريقية في جيش معاوية بن خديج في خلافة عثمان بن عفّان ومعه جماعة من أعيان الصّحابة منهم عبد الله بن عمر بن الخطّاب وَعَبد الله بن الزبيّر. أدركته الوفاة في جلولة على نحو ثلاثين ميلا من القيروان فنقل ودفن سنة 34 هجرية ومعه شعر من شعر رسول الله عليه الصَّلاة والسّلام.

بيعة الرضوان شهدها ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم خير أهل الأرض. وجاء عن سعيد بن المسيب: أنهم ألفو خمسمائة..

وأما المبايعة فكانت على الموت أي الجهاد حتى الشهادة،

  • تأسيس القيروان تأسيس لمركز عالمي لنشر الإسلام وتوسع الخلافة

تأسّست القيروان عام 670 م على يد الفاتح عقبة بن نافع، ويعني اسم « القيروان » في اللغة المعسكر أو مكان الرّاحة، وكان الهدف من تأسيس القيروان جعلها حاميةً إسلاميةً ومعسكراً للفتوحات وقاعدةً لانطلاقها، ومواصلة الفتوحات في القارة الأفريقية والزحف إلى الأندلس وصقلية ومالطا ليكونوا بوابةً لبدء الفتوحات في القارة الأوروبية

اشتهر في مدينة القيروان الكثير من الأعلام في مختلف المجالات، منهم من اشتهر في الفقه مثل: الإمام سحنون بن سعيد الفقيه، وأسد بن الفرات الذي كان قاضي أفريقية في عهد الأغالبة، ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني

كما كان في مدينة القيروان مدرسة عريقة في الطب، اشتهر فيها أسرة ابن الجزار التي توارثت مهنة الطب بين أبنائها.

إنّ هذه الذكرى الخالدة لتدعونا إلى المقارنة بين قيروان الأمس وقيروان اليوم وبين الدولة التي تنتمي لها هذه المدينة العريقة رابعة الثلاث كما يسميها الفقهاء بعد مكة والمدينة المنورة والقدس الشريف وبين رجال الحكم في ذاك الزمان ورويبضات العمالة في زماننا اليوم.

القيروان تشكو ذلها ومصائبها لمن دعا لها بالعلم والفقه والعزّ، 

  • فالحداثيون يرقصون ويتعرون في حضرة سيدي الصحبي « مقام الصحابي الجليل »  على مرأى ومسمع من حاكم البلاد من يدعي أن قدوته الفاروق.

  •  والعابدون يحيون مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم غير آبهين بالحكم بغير ما أنزل الله أو بانفصال تونس على أمة الإسلام.  

  • والعطش يتهدد سكان القيروان ومواشيهم وفلاحتهم بعد أن كانت (فسقيات الأغالبة) تُعد من أوائل منظومات الري والسقي في العالم. وبعد أن كانت القيروان منارة في الطب ها أن المستشفى الجامعي الموعود يقف عند حد بناء سور بطول خمسة عشر مترا وباب يحمل لافتة باسم المستشفى. وبعد حلقات العلم والفقه في جامع عقبة أصبح هذا الصرح وجهة سياحية.

لقد كانت القيروان من أهم مدن الخلافة الإسلامية التي لا تغيب عنها الشمس والتي أطاحت بإمبراطوريات ذلك الزمن أما الدويلة التونسية اليوم فتكاد تجوع من جراء الحرب الاكرانية الروسية.

 وبعد أن كنّا جزء من خلافة عظيمة تتطلّع إلى حكم العالم أصبحنا موضع تهكّم العالم وسخريته أصبحنا كيانا هزيلا يتحكّم فيه الكفّار المستعمرون.

ألا ترون كم خسرت أمة الإسلام بتضييع شريعة الله والتفريط في دولة الخلافة؟ أما آن لنا أن نعود إلى مسرح الأحداث العالمية لنحرر عالمنا الإسلامي من استعمار الدول القوية اليوم ونوحد أمة الإسلام من جديد في الخلافة الراشدة الثانية ثم ننطلق في حمل رسالتنا إلى باقي العالم؟ 

إنّ إحياء المولد النبويّ الشريف ينبغي أن يستحضر أعظم أعمال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأن نعمل يحدونا الأمل في نصر الله وعودة الأمّة الإسلاميّة إلى دورها العالمي.

قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إِذَا تَبَايَعْتُم بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )