ربط عملة الدولة بالذهب والفضة

ربط عملة الدولة بالذهب والفضة

لقد أخطأت دولة الاستقلال في ربط قيمة صرف الدينار بسعر معين مقابل الدولار أو غيره، لأن ذلك يضر بسيادة البلد و يضعف الاقتصاد ويجعل الاستيراد من الخارج مقدما على الإنتاج المحلي والتصدير، ويجعل قيمة العملة تخضع إلى تذبذبات سعر الصرف وتلاعب الدول الكبرى. ثم إن المحافظة على سعر صرف معين يقتضي من البنك المركزي العمل على شراء العملات الأجنبية ولو بالدين والاقتراض من أجل تسهيل الاستيراد. وبالتالي فإن ربط الدينار بالدولار أو الاورو كان ولا يزال عملا خاطئا وكان من المفروض على الحكومات المتعاقبة على حكم تونس أن تلغي هذا الترابط من قبل أن يفرض عليها صندوق النقد ذلك.

تعويم العملة وإملاءات صندوق النقد الدولي

تعويم العملة يعني عدم تدخل البنك المركزي في تحديد سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية، وترك تحديد سعر صرفه من خلال آلية العرض والطلب. وتتخذ الدول، خاصة النامية إجراء خفض العملة والتعويم لتحقيق أهداف منها، تقليل الواردات وزيادة الصادرات، وتخفيض العجز التجاري.

لقد اتخذ صندوق النقد الدولي من القرض الممدد وسيلة لفرض إملاءاته بما في ذلك التخفيض في سعر صرف الدينار، حيث طلب روتر بيورن رئيس وفد صندوق النقد الدولي بتونس في شهر أفريل 2018 بزيادة تخفيضه ليبلغ نسبة 10 إلى 20%، وهذا ما كان حيث فقد الدينار ما يقارب 20% خلال سنة 2018.

وقد كانت سياسة حكومات ما بعد الثورة تسير في تعويم العملة بشكل تدريجي عوض القيام بها دفعة واحدة كما حدث في مصر. فقد خسر الدينار مقابل الدولار أكثر من 50% من قيمته في أربع سنوات.

تعويم العملة وتركها في مهب الريح

ومع أن تعويم العملة في أي بلد وعدم ربطها بأي عملة خارجية من حيث القوة والضعف هو عمل ضروري لجميع الدول، إلا أن ترك العملة في مهب الريح في ظل غياب ثروة صناعية واقتصادية سيؤدي إلى هبوط في قيمة العملة وضعف في قوتها الشرائية الأمر الذي يترتب عليه  التضخم المالي (ارتفاع الأسعار) وكساد في التجارة وتباطؤ في النمو بشكل عام.

ويمكن تلخيص ما ينتج عن تعويم العملة في النقاط التالية:

ارتفاع أسعار السلع محليا، بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية. لأن تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار يجعل فاتورة الاستيراد أعلى بكثير، وهو ما ينعكس سلبا على كلفة الإنتاج وبالتالي على الأسعار، وقد تزداد هذه الفاتورة كثيرا إذا استمر الدينار بالانخفاض مقابل الدولار.

عدم الاستفادة من انخفاض العملة في منافسة الصادرات التونسية للبضائع الأخرى في الأسواق الدولية، بسبب قلة هذه الصادرات.

بيع طاقات وثروات البلاد بسعر زهيد.للشركات الأجنبية التي تتحين الفرصة لالتهام المؤسسات العمومية.

تضخم الدين الخارجي وبالتالي زيادة العجز في ميزان المدفوعات

ربط الدينار بالذهب والفضة يزيده قوة واستقرار

لقد كان الأحرى بالحكومة أن تفك ارتباط الدينار التونسي بالدولار الأمريكي وأن تجعل عملتها مرتبطة بشيء ثابت مستقر لا يجعل لأمريكا ولا لصندوق النقد هيمنة ولا سيادة عليها. ولا يوجد في الدنيا أشد ثباتا وقوة من الذهب والفضة التي فرضها الله تعالى لتكون هي وحدها نقد المسلمين وغطاء نقدهم. وربط الدينار بالذهب يحفظ للدولة سيادتها من جهة ويقلل أعباءها، ومن جهة أخرى يحفظ للشخص العادي ماله ومقدرته الشرائية.

فربط عملة الدولة بالذهب والفضة يعين على عدم تعريضها للـهزات التي تتعرض لها أقوى العملات هذه الأيام، وهذا الربط يكسبها استقراراً وثباتاً يحميها من التغيرات النقدية المفاجئة سواء المقصودة منها أو العفوية التي تلم بالعملات والتي تنعكس سلباً على الناس.

وهذه المشكلات هي في واقعها وباء اقتصادي يصيب الدول فيرهق اقتصادها ويدمر ثرواتها ويرهن إرادتها لغيرها خاصة إذا كانت الدول صغيرة وضعيفة أو دولة جديدة.

فلو كانت الحكومة في تونس تملك سيادتها وتريد حقا معالجة مشكلة النقد، لنقلت الدينار من غطاء الدولار إلى غطاء الذهب والفضة بدلا من أن تسعى إلى تعويمه وجعله في مهب الريح، تعصف به وبشعب تونس مضاربات المرابين ووحوش المال الفاسدين.

فك الارتباط بالمؤسسات المالية

وإن من أول الإجراءات المالية التي يجب اتخاذها هو فك ارتباط البلاد بالمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي، حتى لا يكون لهما تأثير على سياسة البلاد النقدية. ثم بعد ذلك فك ارتباط الدينار التونسي بالدولار الأمريكي واتخاذ الذهب والفضة نقدا للبلاد وربط الدينار بهما، ما يقضي على التضخم لأن الدولة لا تستطيع صك النقد الا حسب كمية المعدن الموجود، وهو محدود بخلاف الاوراق النقدية حيث تقوم الدولة بطباعة أي كمية شاءت لسرقة جهود الناس وثرواتهم.

ولا شك أن مثل هذه الإجراءات لن تكون بمعزل إجراءات كثيرة لا بد من اتخاذها، كالضغط على الإيرادات بتوفير ما يلزم الناس من الطاقة والغذاء، فعوض أن ندفع بالعملة الصعبة لشركة أجنبية ما تنتجه أرضنا من الطاقة، نستخرج بأنفسنا ثرواتنا ونقوم بتحويلها، وعوض أن نستورد القمح و نصدر القوارص والعنب، نوفر لأنفسنا الاكتفاء الذاتي في الزراعة الإستراتيجية كالقمح، وأرض الخضراء قادرة أن تغنينا كما أغنت روما في الزمن الغابر.

نقد دولة الخلافة

إن هذه الأمراض الاقتصادية الناجمة عن الاوراق النقدية لا تتعرض لها دولة الخلافة وذلك بفضل ثبات عملتها الراجع لربطها بأندر وأفضل معدنين يحافظان على قيمتيهما في كل الأزمان ألا وهما الذهب والفضة.

وإن هذه الخطوات هي أول الإجراءات المالية التي ستتخذها دولة الخلافة فور قيامها والتي ستجعل من عملة دولة الخلافة بمجرد صدورها عملة صعبة تنافس الدولار الأمريكي والفرنك السويسري، بل ستجعل من عملة دولة الخلافة مقياسا لكل العملات، وذلك للثقة التي يتمتع بها المعدن الأصفر عند شعوب العالم، وهو ما يبين لنا مقدار عظمة الإسلام وروعته في نظرته الى النقود وجعله الذهب والفضة فقط أساسا للعملة عند المسلمين بما يحققه هذا النظام النقدي من استقرار ورخاء عام في الشؤون الاقتصادية للرعية ويحميها من تحكم الأجنبي الخبيث في مقدارتها  كما هو عليه الحال حتى الآن.

د. الأسعد العجيلي, عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير- تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )