سكيزوفرينيا « السياسيين » في تونس, وكذبة الصراع الأيديولوجي مع تركيا وقطر

سكيزوفرينيا « السياسيين » في تونس, وكذبة الصراع الأيديولوجي مع تركيا وقطر

تم تأجيل النظر في  مشروع قانون أساسي متعلق بالموافقة على اتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس الذي كان مبرمجا في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب ليوم الأربعاء 29 أفريل 2020. بعد ضغط من قبل جزء من الإئتلاف الحاكم وجزء من المعارضة.

وان كانت هاته الاتفاقيات ومثيلاتها لن تغير من أحوال الناس ولن تحقق تعافى الاقتصاد لأنها تدور كلها في منظومة رأسمالية لا ينتظر منها حلول ومعالجات، فإن الرفض الشديد من حزب « الدستوي الحر » وحزب « تحيا تونس » وبعض أحزاب المعارضة يطرح كثيرا من الأسئلة خاصة أن الناس خبرتهم وعرفت مدى انتهازيتهم, وأنّ آخر همهم البلاد والمحافظة على خيراتها.

حين يستمع الناس لرفض بعض الأطراف في تونس لهاته الااتفاقيات مع قطر وتركيا يظن للحظة ان رفضهم نابع عن حب البلاد ودفاعا عن مصالحها وان المصلحة العليا للبلاد هي البوصلة التي تحدد العلاقات بالدول

ولكن في الحقيقة ما هي إلا عنتريات في غير محلها وما هو إلا كذب على ذقون الناس وانتصار لجهات سياسية على حساب جهات أخرى؛

فلو كان الرفض قائما على أساس ان الدول المعنية بالاتفاقية هي دول عميلة وان المشاريع ستصب في مصلحة الدول الرأسمالية الناهبة قد يكون لهذا الكلام نوع من المصداقية ولكن ليس لهذا يحصل الرفض، ولو كان الرفض مبنىا على دراسة للمشروع والنتائج التي يتوقع حصولها وضررها على الاقتصاد، يكون حينها للكلام معنى, لكن الرفض قائم على أساس وهم صراع أيديولوجي مع الإسلام السياسي, والذي تمثله تركيا وقطر حسب ادعاء الرافضين, وهو كلام لا يمت للواقع بصلة فلا الرفض قائم على أساس الايدولوجيا وان كان كرههم لكل ما هو إسلامي أمر محسوم حتى ولو كانت لا تركيا ولا قطر لها علاقة بالإسلام السياسي. ولا تلك الأطراف التي يناوؤونها تمثل إسلاما سياسيا ولا رايحة للإسلام وأحكامه بينهم جميعا.

إن ما يعمق وجود السكيزوفرانيا في عقول أحزاب الورق في تونس هو قبولهم بكل الاتفاقيات ولو كانت مهينة ومخزية مع الدول المتوحشة في الرأسمالية والتي لا يمثل الاتفاق معها سوى نهب لخيرات البلاد واستعبادا للناس فيها.

فمثلا اتفاقيات الغاز والملح والبترول التي وقعت مع بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الناهبة لا تجرأ عبير موسي ولا مبروك كورشيد ولا الأحزاب الرافضة مجتمعة أن تتحدث حتى همسا مع هاته الدول والشركات المنتصبة في بلادنا ويكونون أكثر شراسة في الدفاع عن هاته الشركات ولا يسمحون لأحد بانتقادها, بل يكونون في صفوف المدافعين عنها وعن « استثماراتها », حتى مراجعة العقود البالية منذ عقود لا يطرح عندهم.

ثم إن وجود المحاور الإقليمية والتي أصبحت واضحة للعيان فضحت الاصطفاف الموجود في بلادنا لهذا المحور أو ذاك، فتركيا وقطر من ناحية ومصر والإمارات والسعودية من ناحية أخرى والتماهي في المواقف من قبل الأحزاب مع هاته المحاور كفيل بكشف توجهات الأحزاب وولائاتها الإقليمية وهو ما نشاهده في حادثة الرفض هاته فلو كانت مثلا السعودية والإمارات هي صاحبة الاتفاقيات المطروحة فإن موقف الرافضين سيكون مغايرا وهنا تسقط كذبة « المصلحة الوطنية »

أما في ما يخص الايدولوجيا ومحاربة الإسلام السياسي فهو أصيل عندهم لان كرههم للإسلام موجود ومعلوم وهم يعبرون عنه دون تردد وفي جميع المناسبات, ولكن التناقض الحاصل هو إدراكهم أن لا تركيا ولا قطر لها علاقة من قريب أو من بعيد بالإسلام العظيم وان المنظومة القائمة في هاته البلدان هي أنظمة سياسية علمانية صارخة بعلمانيتها ولا يختلف فيها اثنان.

فهذا الادعاء وهذه الجلبة لها أهدافها الواضحة والمكشوفة, فالمصطفون خلف السعودية والإمارات تجدهم يدعمون حفتر والسيسي وبشار وهم ضد حكم الإخوان في مصر والنهضة في تونس وضد ثورة الشام في سوريا ولذلك تجدهم لا يدخرون جهدا في تونس من أجل إفشال التحالفات التي تقيمها حركة النهضة والأحزاب التي تدور في فلكها مع المحور المقابل محور قطر وتركيا وهذا الصراع المحكوم لا ينظر فيه لا لمصلحة البلاد ولا لمصلحة العباد, وهم مستعدون أن يفشلوا كل الاتفاقيات التي لا تسير في ركب أحلافهم حتى لو كانت على حساب الاقتصاد والناس من المنظور الرأسمالي.

غياب النظرة من زاوية خاصة للعلاقات مع الدول والاقتصار على المصلحة الضيقة والاصطفاف مع محاور إقليمية خاضعة بدورها إلى قوى استعمارية غربية, ووضع الحزب والنفس في خدمة دول كبرى يجعل ربط العلاقات مع الخارج غير منضبط وخاضعا للاملاءات, ويصبح حينها يتقلب بحسب مواقف الدول الداعمة والممولة.

بينما لو كانت العلاقات ينظر إليها من زاوية خاصة وهي زاوية الإسلام تصبح حينها تركيا والإمارات والسعودية وإندونيسيا وغيرها من بلاد الإسلام أمرا داخليا وشأنا خاصا بالمسلمين.. ولذلك ينظر لتغيير الأنظمة القائمة في بلادنا لأنها تؤسس للتفرق ووجوب استبدالها بنظام يوحد جميع البلاد في كيان سياسي واحد وهذا موجود وأصيل في مبدأ الإسلام العظيم عقيدة ونظاما, ويصبح النظر للدول التي تعتبر صديقة للأنظمة الحالية عدوة لأنها دول نهبت ثرواتنا لعقود ولنا في رقبتها دماء وأرواح, وتصبح حينها في حكم العدو المحارب وجب على الدولة التعامل معها على هذا الأساس.

الوسط السياسي في تونس مرتبط بالغرب فكريا وسياسيا وبقاءه على هذا الحال يجعلنا دائما في حالة المغلوب على أمرهم, ويجعل يد الاستعمار ممدودة في بلادنا لتعبث بثروة العقول قبل ثروة الأرض ويجعل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة تسبق مصالح البلاد. وحتى لا نبقى رهن أهوائهم ونزواتهم وتحالفاتهم وجب بناء وسط سياسي ينطلق من قاعدة مبدئية تجعل الإسلام أساسا لكل شي, ووحدة المسلمين مقدمة على نزوات الانتهازيين والدخلاء على العمل السياسي.

مهران المي

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )