فرية الحوار الوطني: « أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْر »

فرية الحوار الوطني: « أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْر »

لئن اصبح قيس سعيد اسير عجزه عن تقديم مفهوم واضح عن حواره الوطني الذي يستثني منه أحزابا سياسية يتهمها ويحملها وحدها مسئولية ازمة البلاد السياسية والاقتصادية وان لا حوار مع من باعوا انفسهم ولا وطنية لهم اطلاقا ومن خربوا ومن جوعوا ومن نكلوا بالشعب، والذي يقصي من حواره هذا كل من أراد ان يكون له موقفا او رايا فيه، ممن ناصره في مواقفه من خصومه السياسيين ومع قصره لشركائه في الحوار على أحزاب لا يكاد يكون لها ذكر بين الناس، أو وزن انتخابي، مع المنظمات الوطنية التي أعطيت دورا وركزا… ومع عدم إفصاحه بعد عن أسماء لجنته التي سيعهد إليها بإدارة حواره الوطني، فقد استطاع أن يجعل من اتهامه بالاستبداد والانقلاب على الدستور عوامل قوة تسنده لدى الأطراف الخارجية: مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي أو الدول ذات التأثير المباشر في بلادنا منفردة. خاصة منذ أن أعلن قيس سعيد عن الإجراءات الجديدة التي أعقبت تجميده لأعمال البرلمان وحله للحكومة والتي سميت بخارطة الطريق في أبرز محطاتها كالاستفتاء على الإصلاحات الدستورية في 25 جويلية 2022 والانتخابات التشريعية وفق قانون يسنه هو، في 27 ديسمبر من نفس السنة أو إعلانه في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد الفطر عن تشكيل لجنة بهدف الإعداد لتأسيس جمهورية جديدة، تضم هيئتين داخل هذه اللجنة إحداها للحوار، فهذه الإجراءات والخارطة التي أعلنها، تزكيها تلك القوى الخارجية دون إيلاء أي اعتبار لاعتراضات الأطراف السياسية المناوئة لقيس سعيد، إذ لا اعتبار للبيانات التي يصدرها أي طرف خارجي بين الفينة والأخرى، فهي الحريصة على شكلية النظام والمتمثل خاصة في وجود برلمان وهياكل ولجان.
ولئن وقعت، أيضا، الأطراف السياسية الأخرى « خصوم » قيس سعيد، في وحل إثبات جدوى الحوار الموسع وضرورة المشاركة فيه وحيويته بزعم إخراج البلاد من أزمتها السياسية وأن خلاص البلاد من وضعها المتردي موقوف على مشاركتها قيس سعيد « حواره » الوطني. وأن مواقفه وآلية إدارته لشؤون البلاد تشكل خطرا جاثما على البلاد والعباد وتهديدا للسلم الاجتماعي، فقد نجحت هي أيضا، في تحطيم صورة الفارس النبيل التي نُحتت له أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، حتى لم يكد أحد ما زال يرى خيرا فيما يأتيه من فعل، أو يرجو نفعا فيما يقول.
إلا أن المتابعة الدقيقة لمختلف تطورات الشأن التونسي والنظرة الفاحصة لدقائقها، سواء تعلق الأمر
بقيس سعيد ومن أظهر مشايعته فيما ذهب إليه، نكاية في خصم سياسي، أو تعلق بمن أنكر عليه انفراده بالسلطة وتفرده بالقرار، واتخذ من ذلك رأس حربة في الهجوم عليه للتدليل على حتمية فشل عملية الحوار وعدم الإقرار بما سيترتب عنها من نتائج، فإن الوضع يكشف عن مؤامرة خطيرة تدبرها قوى الهيمنة الخارجية وتنفذها عصبة من الفاعلين الحقيقيين وذلك بالدفع بالرأي العام على القبول والتسليم بأن الحوار في حد ذاته، بين تلك العصبة، هو المخرج الوحيد من الخطر الذي تردت فيه البلاد وذلك:
أولا: بإطالة أمد انتظاره، تحت ضغط الأزمة الاقتصادية واستشراء البطالة بين مختلف القوى العاملة، وفحش غلاء أسباب العيش.
ثانيا: إلجاء الناس إلى اليأس من أي حل إلا بقبول الإصلاحات التي يطالب بها المانحون الدوليون والمفاوض باسمهم، صندوق النقد الدولي، الذي يمطط في حبل المفاوضات مع حكومة لا اعتبار لها.
ثالثا: الدفع نحو القبول بعدم دعوة حركة النهضة « الإسلامية » ومن يدور في الفلك، خاصة بعد مسرحية الجلسة الافتراضية لبرلمان جمدت أعماله.
رابعا: التحذير من كل ما يوحي بالعودة إلى ما يسمى ب « ما قبل 25 جويلية »، وتجريم كل من يدفع بالأوضاع العانة إلى النزاع حول الشرعية، تلك الشرعية التي مُنحت لقيس سعيد حتى أنه لا أحد يمكنه أن يستشرف ما يدور في خلده وا يخطط له حول النظام السياسي والقوانين التي تضبطه، كحديثه عن « جمهورية جديدة » هكذا على الإطلاق، بما تعنيه من نظام حكم وقانون انتخابي وتنظيم للحياة السياسية وما تشمله من أحزاب سياسية وجمعيات، بعد استشارة حدد هو شروطها وظروف سيرها وزكى وحده نتائجها.
تأتي هذه المؤامرة وما حف بها من مناورات في ظل الضغوط المعيشية القاسية التي تُسلط عل أهل تونس، للإذعان والتسليم بالحلول التي ستفرض عليهم للإشغال والإلهاء عن الحلول والمعالجات التي توفرها الأحكام الشرعية للمسلمين حملة العقيدة الإسلامية، الذين بدأت نفوسهم تعي عليها وتهفو إليها، وأفئدتهم تصفو لقبولها والبراءة مما سواها، وعقولهم باتت تعيها وتدرك المكر السيئ الذي تمكره قوى الاستكبار العالمي بدينهم وشريعة رب العالمين.
فما معنى أن يوكل أمر النظر في مصائر الناس من جديد، إلى ما يسمى بالمنظمات الوطنية: اتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد العمال، والتحاد المحامين، ورابطة حقوق الإنسان ن وهي التي لم يجف مداد حبر حوارها الأول، وهي، لم « تنعم » بعد بطعم جائزة « نوبلها » التي وشحت بها قوى الاستعمار العالمية، صدور قياداتها، رغم كل المآسي التي يتجرعها الناس اليوم، جراء حوارهم الذي يريدون تكراره علينا، إلا أن يقصى الإسلام من حياة الناس وتنظيمها.
فأي شيء أقبح من أن ينصب العبد نفسه مكان خالق الكون، ليشرع لعباده الذين خلقهم وفطرهم على فطرة ارتضاها لهم، وشرع لهم ما يصلح حالهم، وقد حذرنا سبحانه وتعالى في محكم التنزيل بقوله: « قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ : يونس (59). فمن سلّطكم على خلقه لتسوموهم بما تسول لكم أهواؤكم، بل طاعة لمن عادى الله ورسوله والمؤمنين، وهو القائل سبحانه:
« قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » البقرة (140)

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )