من أغاضه وجود الاستعمار، فليعمل على قلع نفوذه

من أغاضه وجود الاستعمار، فليعمل على قلع نفوذه

بعد حديث رئيس الدولة عن وجود حكومة ظل خلال ندوته الصحفية الأخيرة بقصر قرطاج والتي أراد من خلالها « توضيح » علاقته برئاسة الحكومة، صرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إثر كلمة ألقاها أمام البرلمان في إطار إضراب الوظيفة العمومية بأن هناك غرفة سوداء تدير شؤون تونس من وراء البحار، وأنه لم يكن يتصور أن تصل حال تونس إلى هذا الحد وهذا الوضع، مع أن للاتحاد الحائز على جائزة « نوبل » باع وذراع في صولها إلى هذا الحد.

وبين تصريح « القائد الأعلى للقوات المسلحة » وقائد « القوة الأولى في البلاد »، يظن بعض المتواجدين في السلطة في تونس أن الحديث عن جهة أجنبية متحكمة في الوضع وممسكة بزمام الأمور هو شهادة براءة لحكام تونس، أو أنه صك غفران لجريمة الارتهان للأجنبي، مع أن الولاء للخارج هو شرط بقائهم في السلطة بل شرط وصولهم إليها.

يبدو أننا بصدد التعامل مع عرف جديد للسياسة في تونس، حيث يتبادل شركاء السلطة تهم الولاء للأجنبي والانخراط في التخطيط لانقلاب مع أن الجميع غارق في نفس المستنقع أين يستعملهم الغرب كأدوات هندسة في رسمه للمشهد السياسي الداخلي. وفي هذا السياق، لم يكن منسق اتفاق « باريس » في أوت 2013 والأمين العام « الجديد » لحزب نداء تونس الحاكم أوّلهم ولا يبدو أنه سيكون آخرهم، حيث لم يكتف أثناء ظهوره مؤخرا على شاشة « فرانس 24 » بالحديث عن انقلاب سياسي يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد دفعه إلى الاستنجاد بالقضاء العسكري، بل راح يقنع نفسه بإمكانية التجاءرئيس الحكومة إلى أطراف حاملة للسلاح من أجل تنفيذ انقلابه والعهدة على الراوي…

بهذا المستوى من الانحدار، تتشكل العملية « الديمقراطية » في تونس، ضمن مسلسل درامي طالت حلقاته وأرهق متابعيه، ليست آخرها حلقة الصراع المزعوم بين القصبة وقرطاج، تتخلل هذا المسلسل بعض مشاهد الإرهاب الفكري الذي يعقب كل عملية إرهابية، حيث صار للإرهاب مطلبا واحدا لا غير، هو أن يعيش المسلم في تونس لدنياه فقط بفصل الدين عن حياته، أما آخرته فليس لها حساب في المنظومة الديمقراطية القادمة عبر البحار.

وعودا على بدء، فإن التلميح لوجود أطراف أجنبية تملي على تونس سياساتها وخياراتها، لا يمكن اعتباره دليل براءة أو شهادة في حسن السلوك إذا كان مصدره من السلطة أو أحد أركانها. فليس شرفا لأي مسؤول حكومي أن يعلن تبنيه لخيارات وحلول صندوق النقد الدولي مثلا، وليس مبرئا للذمة الحديث عن غرف سوداء من قبل قادة منظمة صنعت على عين السلطة بل كانت تقود مفاوضات صندوق النقد بالأمس القريب وتجالس وفوده نيابة عن الحكومة. أما عن رئيس الدولة، فيكفينا استحضار مشهد استضافته لوزير الدفاع الفرنسي الذي أهدى له نسخا من مفاتيح مدينة صفاقس العتيقة، ومع ذلك لا يزال يحدثنا عن « معارك » و »نضال » ضد الاستعمار… ولذلك فإن كل من يحاول أن يشير للاستعمار من قريب أو بعيد، في الوقت الذي يقتات فيه من بقائه في السلطة المهترئة أو يدور في فلكها، ليس سوى متسترا عن جريمة التبعية للمستعمر بل مشاركا فيها، وإلا لكان قد كشف من موقعه الجهات الحقيقية المتربصة ولرفض السير في هذا المسار الخيانيالتآمري، ولعمل مع العاملين لقلع نفوذ الاستعمار من جذوره.

المعركة الحقيقية

إن المعركة الحقيقية اليوم، ليست معركة خبز كما أراد البعض تسويقها خلال التحركات الأخيرة في البلاد، بل هي معركة تحرير للإنسان من تسلط النظام الرأسمالي الذي تسعى لفرضه عالميا قوى الاستعمار الدولي، وإنه لا وجود لنظام قادر على حل مشاكل هذا الإنسان بوصفه الإنساني، سوى النظام الذي ارتضاه الله لعباده، سواء وجد هذا الإنسان في تونس، أم في فرنسا، أم في غيرها من دول العالم. ولكن ما يميزنا في العالم الإسلامي عن شعوب العالم، هو أن لدينا كل مقومات النهوض على أساس هذا الدين نهضة صحيحة راشدة، ضمن خلافة راشدة لا ديمقراطية صبيانية يحكمها العاجزون والعجّز.

هذا ما أدركه الغرب الرأسمالي فعمل على تأخيره، وعجز عن فهمه بعض بني جلدتنا، ولذلك لا عجب أن يجد الغرب من المضبوعين بفكرته وطريقة عيشه من يؤسس ويؤثث بهم مشهد التهريج والعبث السياسي الذي يحكمنا اليوم، إمعانا في فصل الدين عن حياتنا وتسخير كل مؤسسات الدولة لذلك، ليقينه بأن الدين هو السبيل الوحيد لإعادة سلطان الإسلام ودحر وجود الاستعمار وقلع نفوذه من بلاد المسلمين ومنها تونس.

الأكثر من ذلك، فإن هؤلاء صاروا جزء من الخطة الإعلامية للغرب ضد أمة الإسلام، حيث صار حكامنا من خلال الإشارة المتكررة إلى تواجد الغرب، يؤكدون تحكم الاستعمار في مصائر الشعوب كأمر واقع وكأنه من يقول للشيء كن فيكون، في الوقت الذي بدأنا نلمس فيه تبعثر أوراقه وتراجع سيطرته عالميا.

الاستقرار السياسي المنشود

إن الاستقرار السياسي الذي ينشده الغرب لتونس عقب مرحلة « الانتقال الديمقراطي »، هو استقرار على إقصاء الإسلام من الحكم، وأفضل السيناريوهات لتحقيق ذلك هو أن يقود هذا الفصل بين الدين والدولة حزب قُطري إسلاميّ الشكل لا المضمون، فيكرس فصل تونس عن جسد الأمة ويطبق الدستور العلماني باسم الدين لا خلاف في ذلك بين القصبة وقرطاج ولا اختلاف، ما يهدر طاقات جيل جديد في مشاريع ثبت بطلانها عقلا وشرعا وواقعا.

في غضون ذلك، لا يبدو من الواقع الحالي أن الألهيات السياسية عن معركتنا الحقيقية ضد الاستعمار ستقف عند هذا الحد، فمازال في جعبة عملائه من المتاجرين بدماء بلعيد والبراهمي ما يكفي لخوض جولات جديدة من المطالبة بتحييد الأمن والجيش عن الإسلام، بدعوى وجود غرفة سوداء وسلاح أبيض وخمسين مسجدا في الثكنات، أما الإعلام المأجور مسموعا كان أم مرئيا، فلم يتوان عن ذكر « الخلافة » والتخويف منها في علاقة بموضوع الغرفة السوداء، ثم عادتعلى إثرها « النهضة » كما كانت حمامة سلام وحامية للديمقراطية.

ختاما، فإن واقع الاختلاف حول هوية « المناضلين » الجدد ضد الاستعمار والصراع حول أحقية هذا الشرف، يكشف حجم النفاق السياسي الذي يحكم معشر المتوافقين الذين جمعتهم مائدة السفير الأمريكي ذات مساء، ويتيح لهذا الشعب معرفة من يملك مشروعا عالميا للتحرير ويقود النضال في الصفوف الأولى عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: »لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ».

وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )