هل شارفت مهمة « سعيّد » على الانتهاء؟ … فماذا بعد؟ ….

الحكّام في بلاد المسلمين اليوم كلّهم صنائع استعماريّة جيء بهم لخدمة أجندات القوى الاستعمارية. ولن تجد حاكما واحدا في بلاد المسلمين يمسك بالسلطة إلّا ولديه مهمّة محددة تخدم تلك القوى. ولكي ينجح هذا الحاكم في المهمة الموكولة إليه يلبسه صانعوه إمّا جبة المنقذ أو المصلح أو جبة البطل المناهض للاستعمار… ونحو ذلك من العناوين البراقة لكنها خادعة ومضللة كما هو الحال مع الرئيس « قيس سعيد » الذي اختار لحملته الانتخابية شعار مزال دويّه يتردّد في الأرجاء « الشعب يريد ».

من الوهلة الأول أطلق « قيس سعيد » لسانه ليكيل السبّ والشتم لمن سبقه في الحكم الذي شاركهم فيه قبل أن يقوم بتدابيره الاستثنائية، سب وشتم استساغه كثيرون واستحسنوه لسخطهم على جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة الذين عمّقوا أزمة تونس، حيث ازداد الفقير فقرا والبائس بؤسا، ولم يتغير حال الناس بعد إجبار « بن علي » على الهروب.

استغل قيس سعيد فشل تلك الحكومات وانخرط في متوالية لا حدّ لها من الوعيد للفاسدين وناهبي أموال الشعب، وما زاد من ثقة البعض به حله للبرلمان وإزاحة أحزاب الحكم من السلطة ونصب نفسه المنقذ الأوحد والمصلح فريد زمانه.

ولكن هل أنقذ البلاد؟

قد يُقال كيف تطالبون الرّجل في بضعة أشهر بما أفسده المفسدون في عشرات السّنين؟ 

نقول فهل سار في طريق الإنقاذ؟ 

الرّئيس قيس ملأ الدنيا وشغل الناس بخطابات الوعد والوعيد خطابات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتتكرّر منه الخطب   وتستمرّ سفينة البلاد في الغرق حتّى انعدم هامش المناورة لدى الدولة وبات الرسوب في القاع هو المصير المحتوم. 

وبما أنّ الرّئيس جزء من نظام لا يقدّم الحلول، والعجز عن رعاية شوؤن الناس عاهة خلقية فيه، فإنّ الحكومة التي عيّنها لم تجد من حلّ سوى الحلّ الذي سارت فيه الحكومات السّابقة خاصّة حكومات ما بعد الثّورة؛ التّوجّه نحو صندوق النقد الدولي أسوة بمن سبقهم في العجز والفشل، لكنّ التمسح على أعتاب تلك المؤسسة الاستعمارية اختلف هذه المرة عن المرات السابقة، فالدولة لم تف بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي وديونها بلغت حدا لا يمكن أن يغض الصندوق النظر عن عدم تنفيذ إملاءاته السابقة المسماة بالإصلاحات، « إصلاحات » تُدخل أهل تونس إلى المسلخة لسلخهم أحياء. 

وتمّ الاتّفاق الأوّلي مع الصّندوق حتى تتمكن الدولة من سداد القرض الذي ستسدد به القرض الذي سبقه في انتظار الحصول على قرض تسدد به قرضا آخر.. وهكذا دواليك متاهة من الديون لا يمكن الخروج منها البتة.

أمّا عن الاتّفاق، فأساسُه رفع الدعم كليّا عن جميع المواد الاستهلاكية الأساسية، بذريعة توجيه الدّعم إلى مستحقّيه، (وكلّ أهل تونس يستحقّ الدّعم خلا بعض السّماسرة المرتبطين بالشّركات الأجنبيّة أو البعض الذي وجد في الجريمة الحلّ والملاذ). وزيادة الضّرائب بذريعة إعادة هيكلتها، والتفويت في المؤسّسات العموميّة.

هذه هي الخطوات التي سار فيها الرّئيس، وهي نفس الخطوات التي سار فيها سابقوه    

فرفع الدعم عن المواد الأساسيّة كان « حلم كلّ الحكومات السّابقة منذ رئيس الوزراء السّابق محمّد مزالي سنة 1984، إلى وزارة هشام المشّيشي، لكنّها عجزت عن تنفيذه، خشية انفجار شعبي يأتي على الأخضر واليابس. لم يكن بمقدورهم رفع الدعم وسحق الناس بالكامل خشية من انهيار معبد الديمقراطية بالكامل، خاصّة بعد الثّورة وبعد ترسيخ نظام ديمقراطيّ يُراد التّرويج له ولتونس نموذجا يُحتذى، ليُقال تونس اتّبعت الدّيمقراطيّة فنجب ونهضت والتحقت بالأمم المتقدّمة. 

 وظلّ الوضع يراوح مكانه إلى أن تم العثور على الشخص الذي يمكنه أن يقوم بالمهمة على أكمل وجه. شخص « من خارج المنظومة » وبعيد كل البعد عن المعترك السياسي، وبارع إلى أبعد الحدود في تجسيد الخطاب الشعبوي، مدرّس قانون لا يعرف من الدّنيا إلاّ القوانين كنظريّات ومثُلٍ، فشغل الناس بسيل من المراسيم أغلبها إعفاءات وتعيينات جديدة ثمّ إعفاءات فتعيينات وهكذا، ثمّ التفت إلى الدّستور ينتقده كما كان ينتقد أوراق الطّلبة في الجامعة أيّام كان مدرّسا فيها، ثمّ قرّر الكتابة بنفسه فأعاد كتابة دستور « جديد » لم يختلف عن سابقه إلا من حيث الشكل. وها هو يتمادى في الإلهاء بانتخابات تشريعيّة مهزلة. أمّا المشاكل الحقيقيّة واليوميّة فأوكل أمرها إلى حكومة لا تعرف من سياسة الأمور إلّا ما عرفه من سبقها من الحكومات التجاء إلى الغرب ومنظّماته وصندوق نقده وبنوكه العالميّة والأوروبيّة والإفريقيّة …

إذن سيرفع الدعم بتواطؤ من المعارضة (الحكومات السّابقة) واتحاد الشغل الذي يأكل مع الذئب ويقاسم الراعي الشكوى. فهو يرفض ظاهرا شروط صندوق النقد الدولي من باب المزايدة والابتزاز ليس إلا.

وستزداد الضّرائب وستمرّ ميزانيّة 2023 بما تحويه من كوارث وجرائم، في ظلّ خطب عصماء عن مكافحة الفساد والفاسدين ووعود جوفاء عن استرجاع أموال الشّعب المنهوبة.  

 فهل يكون تنفيذ شروط صندوق النّقد الفصل الأخير من مهمة قيس سعيد؟ 

فالبداية كانت بامتصاص الاحتقان الشّعبي بتقديم قيس الرّئيس بديلا مغايرا لمن كانوا في الحكم وتحميل أشخاصهم مسؤولية سوء أحوال البلاد والعباد؟  

المنتظر أن ينتفض الناس فلا أحد بإمكانه تحمل نفقات معيشة تقسم الظهور وتدق الأعناق، فإن حصل ذلك سيتم تحميل « قيس سعيد » كامل المسؤولية ويُضحّى به كما حصل مع غيره.

أمّا من سيكون بعد سعيّد؟ 

فالقوى الاستعماريّة استعدّت للأمر بجبهة سمّتها جبهة إنقاذ، بدأت تجوب البلاد بالطّول والعرض، تروّج لحكومة إنقاذ « وطنيّ » بدأت تدعو من الآن إلى حوار شامل بين المكوّنات السّياسيّة. ويتمّ الترويج لهذه الجبهة في الإعلام وإظهار أعمالها وأقوالها فهي لا تنفكّ تُحذّر من سياسات قيس الرّئيس، وتطرح نفسها بديلا عنه، لتكوين حكومة إنقاذ لتونس. فيكون أمام النّاس جهة سياسيّة واحدة لا مفرّ من اتّباعها عسى أن تُخفّف عنهم بعض ما أصابهم من مرحة 25 جويلية. 

متى سيُعلن عن انتهاء مهمّة قيس؟ 

لن يأتي هذا البديل أو ما يشبهه حتّى تكون إجراءات صندوق النّقد الدّولي قد أخذت طريقها بحيث لا يُمكن لأيّ حكومة قادمة التّراجُع عنها، فتأتي حكومات أخرى لتُواصل ما بدأه قيس السعيّد الذي جاء بدوره لتجاوز العقبة التي وقفت عندها حكومات سبقته.  

هذا المسار يتوقّعه الكثيرون، فأغلب المحلّلين اليوم من داخل البلاد وخارجها يشيرون في تحليلاتهم إلى انتهاء عهد 25 جويلية، وأغلبهم يتحدّث عن تجدّد الرّبيع العربي واندلاع الغضب الشّعبيّ في أكثر من بلاد، في تونس وفي مصر وفي غيرها… وهي تحليلات ولئن جاءت لتصف واقعا غير أنّها توجّهه أيضا بتوجيه الوعي نحو السّائد المألوف، أي تغيير الأشخاص أمّا النّظام الدّيمقراطي ورأسماليّته والتّبعيّة للغرب فلا أحد ينتقدُه أو يوجّه إليه أصابع الاتّهام أو يُشير إلى أنّه في طريقه إلى القلع أو الانقلاع. بل جميع المحلّلين من الخارج ومن الدّاخل يوجّهون النّظر إلى ما يحدث في تونس على أنّه مجرّد انقلاب على الدّيمقراطيّة وأنّ المآسي تعمّقت بسبب تفرّد قيس الرّئيس بكلّ شيء. وعليه فهم من طرف خفيّ يوجّهون إلى عودة الدّيمقراطيّة مع ضرورة تجاوز أخطاء الماضي. 

ولكنّنا نقول، إنّ الواقع اليوم يشير إلى أمر أكبر ممّا يتوقّع الجميع، إلى أمر يعرفُه قادة الغرب ويتكتّمون عليه. 

أمّا هذا الأمر أنّ النّظام العالمي بقيادة الدّيمقراطيّة ورأسماليّتها هو محلّ التّساؤل وهو محلّ الغضب الشّعبيّ الذي يملأ أوروبا وأمريكا قبل تونس ومصر. نعم الدّيمقراطيّة لم تعُد حُلما للجماهير،             

فالغضب الذي يملأ الشّارع على قيس سعيّد الرئيس وعلى حكومته، يشتدّ غليانُه وفورانُه على سابقيه، فالشّارع الغاضب لن يُطيح هذه المرّة قيس سعيّد ويهلّل للمنظومة السّابقة، بل سيظلّ يمتدّ إلى أن يحرق كلّ المنظومة، ولن يكتفي غضب الناس بمجرد الإطاحة بالرئيس وزمرته بل سيقطع رأس الأفعى النظام الديمقراطي الوضعي، والرّأسماليّة الظّالمة. 

فهل ستعُمّ الفوضى؟ 

هذا ما يُهدّد به أتباع الغرب

لن تَعُمّ الفوضى، لأنّ الفوضى لا تعمّ إلّا في الفراغ، أمّا التّونسيّون وغيرُهم من المسلمين، فلا فراغ عندهم بل عندهم نظام ربّانيّ من عند الله نظام صحيح أنزله ربّ العالمين على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون رحمة للعالمين من المسلمين وغير المسلمين، فيه العدل وبه يتحقّق الأمن والسّلم والرّخاء لا في تونس فحسب بل في العالم كلّه الذي بات على شفير جهنّم على شفير حروب مستعرة لن تُبقي ولن تذر.   

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus (0 )