هل فعلا يريد سعيّد وقف التمويل الأجنبي للجمعيّات..؟ أم يستهدف حصره لصالحه ؟

هل فعلا يريد سعيّد وقف التمويل الأجنبي للجمعيّات..؟ أم يستهدف حصره لصالحه ؟

كشف رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية أمين غالي لوسائل الإعلام أن الحكومة الحالية أعدّت مشروعا بشكل أحادي وغير معلن لتنقيح المرسوم المتعلق بتنظيم نشاط الجمعيات. وهو المرسوم عدد 88 لسنة 2011 مؤرخ في 24 سبتمبر 2011 يتعلق بتنظيم الجمعيات حيث ينصّ فصله الأول: يضمن هذا المرسوم حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.

وعرف النسيج الجمعياتي في تونس في السنوات العشر الماضية طفرة غير مسبوقة من خلال تأسيس عدد من الجمعيات الناشطة في مجالات اجتماعية وسياسية وحقوقية ليتجاوز عددها 24 ألفا، يعتمد جزء كبير منها على تمويل دول وكيانات أجنبية.

جمعيات ومنظمات تُعبر عن رفضها مشروع تنقيح المرسوم المتعلق بالجمعيات

في بيان لهم, عبّر عدد من الجمعيات والمنظمات يوم الجمعة 04 مارس2022، عن رفض مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، معتبرين أنه يحمل في طيّاته تضييقا على حرية تأسيس الجمعيات وحرية العمل الجمعياتي في تونس كما أقرّها الدستور والاتفاقيات الدولية المُصادق عليها من الدولة التونسية.
ودعا الموقعون، في بيان مشترك، جميع مكونات المجتمع المدني في تونس إلى التصدّي لهذا المشروع بالتجنّد والتكاتف من أجل التمسّك بالحريات العامة والفردية والحفاظ على ما تحقّق من مكاسب في مجال حرية التنظّم وتكوين الجمعيّات. وأبدوا انشغالهم العميق لما يُتداولُ حول مشروع تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المُتعلّق بالجمعيات الذي يُعتبرُ حسب وصفها « مكسبا من أهمّ مكاسب الثورة وعزّز دور المجتمع المدني ومكّن عدة جهات وفئات من التنظّم وبعث المشاريع وخلق مبادرات في عديد الميادين وحوّل عديد القضايا إلى محطات نضالية مُشرّفة.

المنظّمات الدوليّة على الخط

ليس فقط الجمعيات التونسية والناشطون في المجتمع المدني عندهم الخشية من ذهاب الرئيس قيس سعيّد نحو التضييق على نشاط الجمعيات وإصدار مرسوم يقضي بحرمانها من التمويل الأجنبي بعد إعلانه دون مواربة أن هذه الجمعيات امتداد لأحزاب وقوى خارجية تريد التدخل في الشأن التونسي. ليس فقط هؤلاء بل دخلت المنظّمات الدوليّة على الخط، فقد أعربت ميشال باشليت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن قلها العميق إزاء إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا عن خطط لمنع منظمات المجتمع المدني من تلقي أي تمويل من الخارج واعتبرت أن ذلك “يهدد بإلحاق ضرر عميق بالفضاء المدني والديمقراطي الأساسي” مشددة على أن مكتبها في تونس سيتابع عن كثب التطورات وانه ينبغي “الحفاظ على التقدم الكبير الذي قالت إن تونس أحرزته في العقد الماضي في مجال حقوق الانسان”.

فما هي غاية الرئيس من محاصرة التمويل الأجنبي للجمعيّات ؟

لا يخفي الرئيس قيس سعيد رأيه في أن هذه الجمعيات ليست سوى غطاء لتمويل الأحزاب السياسية، وأذرع للوبيات ودول أجنبية تريد التدخل في القرار السيادي وفرض أجندات سياسية واجتماعية واقتصادية من خلال هذه الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وأن مسألة التمويل الأجنبي للجمعيات سلاح لتغلغل النفوذ الأجنبي في البلاد، وأنّ هناك جمعيات بحسبه أظهرت فعليا انتماءها لجهات ممولة للإرهاب وأخرى مرتبطة بلوبيات غربية تعمل على التدخل في القرار الوطني، وأنّ بعض هذه الجمعيات شكلت على مدى سنوات غطاء لتمويل حملات انتخابية لأحزاب بعينها بحكم أنها ممنوعة بحكم القانون من التمويل الأجنبي، فهذه على وجه العموم الأسباب الموجبة الدّاعية حسب رأيه إلى ضرورة تنقيح مرسوم الجمعيات وإعادة النّظر فيه وخصوصا من جهة التمويل.

غطاء للأحزاب والتدخل الخارجي

إذن تتضاعف مخاوف هذه الجمعيات من ذهاب الرئيس نحو التضييق على عملها وقطع مصادر تمويلها على اعتبار تصنيفه لها كغطاء للأحزاب والتدخل الخارجي وهذا التنقيح عندهم يمثل انتكاسة لحرية العمل الجمعياتي، ويخفي في طياته رغبة لانفراد قيس سعيّد بالحكم ونظاما لا يعترف بوجود القوى المعارضة والأجسام الوسيطة من المجتمع السياسي والمجتمع المدني.

قيس سعيد ومنظّمات المجتمع المدني: الكلّ يعمل تحت عين الغرب وبصره

لا ينفصل سياق المجتمع المدني والسياسي في تونس عما يشهده العالم من صراع محتدم بين الثقافات والحضارات، والتضارب الحاد في المصالح بين الدول وأصحاب المبادئ، والهيمنة الاستبدادية من قبل الدول ذات النفوذ العالمي. إذ خلال هذا الصراع وذاك التضارب تستخدم العديد من الوسائل من قبل الدول الأقوى للهيمنة على الدول الضعيفة ، وكذلك لصرفها عن الانعتاق الحقيقي من التبعية الفكرية والسياسية، ومن ثم لإعاقتها عن صناعة النهضة على أساس ثقافتها. وتمثِّل منظمات المجتمع المدني والجهات التي تموِّلها إحدى أدوات هذا الصراع العالمي والتاريخي ضد الأمة الإسلامية.

ولذلك يمثّل مشروع قانون تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات يبسلا للتغلغل في البلاد, ووجها من وجوه الصراع والتنافس بين الدول الاستعمارية على النفوذ في تونس مع أنّ كلا الفريقين: (قيس سعيّد وحكومته عميلة للغرب والمؤسسات غير الحكومية ومنظّمات المجتمع المدني الممولة من الغرب) يعمل تحت عين الغرب وبصره وضمن توجيهاته. لنيبتعد الرئيس سعيد بتنقيحه أكثر من قصر التمويل على الكيانات والجمعيات التي يرضا عنها هو ومن وراءه من الدول الأجنبية التي تدعمه وتسنده في سلطته.

إنّ قصد الغرب من إنفاقه الأموال الطائلة على هذه المؤسسات والمنظّمات إنّما هو لمواجهة مشروع الأمة في النهضة والتحرر واستئناف الحياة الإسلامية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون).

أ, محمد زروق

CATEGORIES
Share This

COMMENTS

Wordpress (0)
Disqus ( )